دراسات

رؤية في منهجية التعامل مع ملفّات الحكومة


أكرم الحكيم ( وزير سابق)

 

يفترض البعض بأن الجزء الأكبرمن المشكلات والأزمات التي نمرّبها في العراق , يعود فقط الى أسباب شخصية أوفئوية, بمعنى أنه أذاتغيّرشخص المسؤول أوتغيّرت هوية الحاكم الحزبية أو الأيدولوجية...,سوف يتم حل المشكلات والتغلّب على التحدّيات بسرعة.ويفترض آخرون بأن حجم الميزانية المخصّصة أو سرعة الوصول للنتائج هوالمعيارأالأساسي لأختيارأحد الحلول المطروحة لمعالجة أزمة أومشكلة يعانيها الشعب أوتعانيها الحكومة أوالدولة , وفي قناعتنا أن كلا الفرضيتين غيرصحيحة لأنها غيرقائمة على تشخيص الجذورالحقيقية لتلك الأزمة ودون ضمان توفّرالبنى التحتية التي يعتمد عليها الحل أو العلاج ... نعم ربما يكون تغيير المسؤولين ضروريا (بالطبع حسب الآليات الدستورية)أحيانا ولكن المهم تغييرمنهج التعاطي مع المشكلات والأزمات والأبتعاد عن منهج أفتراض العامل الواحد عند تشخيص أسباب المشكلة المعقدة . ,هناك أسباب رئيسية تقف وراءالكثيرمن المشكلات والأزمات الحاصلة ضمن الملفّات الأساسية للحكومة (وأهمها في هذه المرحلة :الملف السياسي وبضمنه ملف المصالحة الوطنية و السلم الأهلي وحلّ الأزمات بين القوى السياسية المشاركة في السلطة, والملف الأمني ,وملف الجهازالأداري للدولة والتنمية البشرية النوعية, وملف توفير الخدمات الضرورية والأمن الغذائي للمواطنين ,وملف التنمية الزراعية والصناعية والملف الأقتصادي, وملف السياسة الخارجية ,وملف المهجّرين والمغتربين /قبل وبعد 2003 وداخل وخارج الوطن/, وملف الثقافة والفنون والسياحة الدينية والتاريخية ) . الأسباب متنوعة ,منها ماهو داخلي ومنها ماهوخارجي مثل الظروف غيرالطبيعية التي تعيشها المنطقة ويعيشها العالم وتآمربعض الدوائرالدولية والأقليمية, وفي مقدمة الأسباب الداخلية تلك التي لها علاقة بالمنهجية التي يتعامل بها المسؤولين مع مفردات تلك الملفّات...أولها علاقة بقلة الخبرات وأحيانا أنعدامها لديهم أضافة الى دورالفساد الأداري وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وضعف أوأنعدام التطبيق الحازم لمنظومة قواعد الحساب والعقاب للفاشلين والفاسدين .. بالرغم من سعينا لمراعاة الخط العام للنشرفي وسائل الأعلام العامة, الاّ أننا قد نضطرلتناول بعض التفاصيل السياسية للتوضيح ,ويبقى هدفنا هو تشخيص نقاط الخلل في منهجية التعاطي مع بعض الملفات,وليس تقييم أداء المسؤولين وتشخيص هوية المقصّرين ...الخ , لأننا نعتقد أن جوهرالمشكلة يتمثـّل في عدم أعتماد المنهجية العلمية وقلة أوأنعدام الخبرات وعدم دراسة التجارب السابقة وغياب منظومة القيم الأخلاقية الضرورية واللازمة لأي فرد يتبوّأ موقع المسؤولية العامة في الدولة .

 

جذور الأزمة في العراق

لانحتاج الى’جهد كبير لأثبات وجود أزمة ( سياسية على الأقل) في العراق,وربما يمكن وصفها بالأزمة المزمنة ,وللأسف الشديد لازال بعض المسؤولين والمتصدّين يتعاملون معها ومع باقي مشكلات الوطن والنظام وفق سياسة أرتجالية ومنهج رد الفعل المحكوم في الغالب بشعارات عامة وأمزجة غيرمستقرة ورؤى قصيرة النظر...وماهوأخطرمن التظاهرات الغاضبة لبعض مناطق الوطن ,هوأن عامل الزمن أصبح لايعني شيئا في مجال التنمية وخاصة التنمية البشرية وفي مجال الأمن ومكافحة الفساد وأستثمارالثروات الوطنية ,لأننا كمراقبين جادين (وربما نكون قاصرين في جمع المعلومات عن الواقع) لانلمس ولانشعربوجود خطط وسياسات متوسطة وبعيدة المدى تسعى لتحقيق أهداف أستراتيجية من قبيل :

# بناء الكتلة الصلبة المنسجمة فكريا وسياسيا وأجتماعيا التي تدعم النظام السياسي الجديد,

وقاعدتها الشعبية المتمثلة بضحايا النظام البعثي البائد , تلك الشريحة المليونية العابرة

للقوميات والأديان والمذاهب والأنتماءات العشائرية والمناطقية,للأسف لاتزال صفقات

ماخلف الكواليس والتحالفات الهشـّة هي التي يتم وفقها تشكيل الحكومة وأدارة الدولة .

# توفير البنى التحتية (السياسية والقضائية والثقافية والأقتصادية والأجتماعية ) اللازمة

لتحقيق الأمن والأمان للمواطن والمجتمع والنظام .

# بناء الكادرالشبابي المؤهل علميا وأخلاقيا والمخلص لعقيدة وأهداف النظام السياسي

الجديد, لأدارة مرافق الدولة ومسك مفاصلها الحيوية .

# توفيرمقومات وضوابط توجيه ثروات البلد الهائلة نحوالمشاريع الكفيلة بالمعالجة الجذرية لأهم مشكلات المواطن , خاصة في مجالات التعليم والسكن والكهرباء والماء والصحة والبيئة وأنتاج الغذاء وتوفيرفرص العمل والحاجات الضرورية الأخرى .

أن أسباب مهمة تدعو القادة الوطنيين في العراق الى أنهاء منهج المرحلة الأنتقالية في التعامل مع الأحداث..ونقصد بمنهج المرحلة الأنتقالية : { الأهتمام بقضاء حاجات أوحل مشكلات اليوم وغدا وعدم الأهتمام بالتداعيات والمضاعفات المتوسطة والبعيدة المدى... بمعنى تفضيل فوائد تكتيكية أو آنية على أضرار أستراتيجية وبعيدة المدى ... وبمعنى ميل القادة (بعض قادة الدولة) الى ربط الحلول بأشخاصهم ومبادراتهم وبقناعاتهم وردود أفعالهم وأنفعالاتهم المباشرة على مشكلات وتحديات مفاجئة أوقديمة, وليس بالقناعات المستقرة للغالبية من أبناء الشعب (تلك الغالبية التي تمثّل القاعدة الأنتخابية للبرلمان والحكومة وللنظام السياسي الجديد), وبالمؤسّسات وباللجان المختصة وبالمعلومات والدراسات والخطط و السياسات ذات العلاقة... وبمعنى أعتماد سياسة عقد الصفقات التي تسعى لأرضاء أطراف وأحياناعلى حساب المباديء والدستور والقوانين والثوابت الوطنية والأهداف والمصالح العليا للنظام السياسي الجديد ولعموم جماهير الشعب...وجعل قرارات ودور أهم المؤسّسات الدستورية (مجلس النواب ومجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى وهيئة النزاهة) رهينة تلك الصفقات... وبمعنى بقاء التداخل (ولوبالسر) بين مساحات القرار الوطني العراقي وبين مساحات النفوذ و التدخل الأمريكي المناقض حتى لنصوص وروح الأتفاقيات المعلنة الموقعة بين الطرفين, وتعوّد بعض المسؤولين على منهج رفع الشعارات الوطنية الخاصة بالسيادة (وربما بعضهم صادق في الأيمان بها و يقوم بخطوات أيجابية ومفيدة في هذا المجال) ,الاّ أنهم وللأسف الشديد و لحسابات سياسية ضيقة يغضّون النظر (وأحيانا يعقدون صفقات سرية) عن أنتهاكات فظّة و صارخة للسيادة والمصالح الوطنية , يقوم بها الطرف الأجنبي... هذه هي بعض مصاديق منهج المرحلة الأنتقالية, المستمرة وللأسف الشديد منذ تشكيل الحكومة المؤقتة عام 2004م و لغاية يومنا الراهن }.

اذا كانت أسباب من قبيل : طبيعة الظروف التي تسود في السنوات الأولى التي تعقب سقوط أي نظام دكتاتوري شمولي قمعي حكم لعدة عقود من الزمن,وتداعيات الأحتلال العسكري الأجنبي, وقلة خبرة القوى الوطنية في مجال أدارة الحكم وأدارةالعلاقات الأقليمية والدولية وحتى في مجال أدارة تنافساتها وصراعاتها على النفوذ ومكاسب السلطة, أذا كان كل ذلك يبرر نشوء و شيوع منهج المرحلة الأنتقالية في وسط رجال الدولة والسياسة , الاّ أن أنقضاء أكثر من تسعة سنوات على التغيير وتخلّص الوطن من وجود قوات الأحتلال ومن الجزء الأكبرمن نفوذهــا.. وتغيرسياسات الأدارة الأمريكية الديمقراطية في واشنطن تجاه العراق والتدهورالكبير في أوضاع أنظمة الحكم في العديد من الدول العربية التي كانت لها أدوار سلبية مؤثّرة في الداخل العراقي وأنكشاف طابورها الخامس... وتزايد نضج وخبرة القوى الوطنية خاصة الحاكمة منها ورسوخ المؤسّسات الدستورية,وبروزأرهاصات ومقدمات حقيقية تشير الى دورأقليمي محوري وهام للعراق في المستقبل المتوسط والبعيد(أن أحسن حكّامه وقادته التصرّف).. فضلا عن توقّع أبناء شعبنا وبعد أنقضاء السنوات العجاف, لخدمات وظروف معيشة أفضل تتناسب وثرواتهم الوطنية بل تتناسب وصبرهم الجميل والطويل وتضحياتهم الكبيرة ودعمهم اللامشروط للنظام السياسي الجديد وللحكومتين الدستوريتين السابقة واللاحقة... كل ذلك يستدعي تغيير ذلك المنهج من خلال تقليص دورأجتهاد الأفراد وتنمية دور المؤسّسات المنتخبة وتقليص مساحة الأنفعال وردود الأفعال وزيادة مساحة الفعل المدروس المبني على التخطيط العلمي السليم والبعيد المدى , ويستدعي مكافحة الفساد ونبذ منهج الصفقات (شيلني وأشيلك)وخاصة الصفقات غيرالمعلنة والألتزام التام والجاد والدائم بالدستوروالقوانين والقيم. وعودة الى الجذور.. نحن نعتقد بأن العناوين العامة لجذور الأزمة في العراق هي :

1ـ النفوذ والتآمر الدولي والأقليمي .

2ـ الصراعات والحسّاسيات والمخاوف المذهبية والعنصرية والحزبية العميقة الجذور.

3ـ عدم أهلية القسم الأكبر من أجهزة الدولة وموظّفيها,للنهوض بأهداف ومهام وسياسات

وبرامج النظام السياسي الجديد,بسبب الفساد المالي والأداري وضعف الشعوربالمسؤولية

وضعف هيبة الدولة والصراعات الطائفية والحزبية وعدم معاقبة المفسدين والفاشلين .

4ـ أفتقاد العديد من رجال الدولة الى الكثير من الخبرات والمهارات والعلوم ,ذات الأهمية

الكبيرة في مجال أدارة الدولة المعاصرة وأدارة الأزمات الداخلية وأدارة العلاقات الخارجية

5ـ ثغرات ونواقص وأخطاء لازالت قائمة في الدستور والقوانين والمقررات , بعضها من مخلّفات النظام البعثي البائد وأخرى من مخلّفات فترة الأحتلال(بريمر)والبعض الآخرنتيجة عدم تناسب التشريع مع الواقع القائم وحاجة الواقع الى التطويروالتأهيل ليصل الى مستوى التشريع . 6ـ تراجع مكانة المباديء والقيم الدينية والأنسانية الخيّرة في نفوس بعض رجال الدولة ( قياسا بما كانت عليه في نفوسهم في مرحلة المعارضة),وتراجعها في نفوس الكثير من أبناء الشعب. 7ـ عدم بناء الكتلة الصلبة اللازمة لأستقرار النظام السياسي الجديد وعدم حسم طبيعة هويتها السياسية والثقافية والأجتماعية ومنظومة مصالحها الحيوية والتحالفات التي تقوم عليها ( وهــي الكتلة التي لاتتغير بتغير الحكومات والوزارات, بل يمتد عمرها لعقود من الزمن وتتغير فقط عند تغيّر طبيعة النظام السياسي وهويته السياسية والفكرية والأجتماعية ).

ـ عدم أتفاق القوى السياسية المشاركة في السلطة على رؤى ومفاهيم أساسية مثل تشخيص هوية أعداء النظام السياسي القائم وهوية أصدقائه وحلفائه , وعدم توحيد فهمها لمصطلحات أساسية متداولة(المشاركة السياسية ـ المصالحة الوطنية ـ الأرهاب والأرهابيين ..الخ) ومن هنا وجدنا داخل النظام من يعتبر الأرهابي مجاهدا والعدو صديقا وحليفا والحليف عدوا,ووجدنا من يستغل موقعه الوظيفي الكبير لتبرئة مجرمين والتواطؤ لأطلاق سراحهم أو منع أعدامهم..

هذه في تقديرنا أهم جذور الأزمة الراهنة في العراق

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك