دراسات

تيار شهيد المحراب وعملية بناء الدولة ـ مقاربة راهنة ـ

2455 2019-02-04

علي عبد سلمان

 

لعل أهم سمة سياسية للمرحلة موضوعيا هي استمرار تيار شهيد المحراب بالعمل على رسم أهم ملامح الحياة السياسية، واستمرار لعب  دور الفاعل الرئيسي في الساحة السياسية، وذلك في ظل أزمة حزبية عامة وإحجام النخب عن القيام بدورها ، بموقف حينا وبدونه أحيانا أخرى، مما جعل ثقة الجماهير في الحياة السياسية ككل تهتز، و هو ما تترجمه المشاركات الشعبية الضعيفة في الاستحقاقات الأخيرة...و ليس في الأمر ما يدعو إلى تكرار التساؤل حول ما إذا كانت عملية بناء الدولة تعيش أزمة؛ إن الحديث عن أزمة الدولة أو حتى ضعفها هو تحليل غير دقيق لأنه يقيم وضع الدولة من موقع وبآليات وبمنطق حزبي، وليس من موقعها و فق أولوياتها هي، و هذا ما يجعل القوى السياسية كلما تعيش أزمة تعتقد أن الدولة تعيش نفس الأزمة، والحال أن الأمر ليس دائما صحيحا، لكن في حالة  ينبغي التأكيد على أن قوة الدولة التي تحدثنا عنها ما هي إلا الوجه الأخر لضعف الأحزاب السياسية . فكون الدولة هي التي تهيمن على الحياة السياسية و ترسم ملامحها، فذلك دليل قوتها و نجاحها في الإمساك بكل خيوط و تفاصيل الحياة العامة (سياسيا، اقتصاديا…) مما يضمن استمراريتها،علما بان الاستمرارية هي الهدف الجوهري في الأنظمة  وليس تحقيق الأتفاقات السياسية ذات الطبيعة التعاقدية و التي ترتبط بها مصائر الحكومات والرؤساء في الأنظمة الأخرى .

وعلى عكس الخطاب الحزبي الذي تكرر في الفترة الأخيرة بدون كثير من التمحيص والتدقيق،والذي يذهب إلى أن الحقل السياسي يتجه أكثر نحو الانغلاق ، نقول إن هذه الخلاصة إن لم تكن خاطئة فهي على الأقل غير دقيقة: إذ على الرغم من استمرار احتفاظ الدولة بكثير من ثوابتها خاصة على المستوى الاقتصادي، حيت استمرار تمركز الثروة وسياسة الريع، فان ذلك لا ينبغي أن يخفى عنا ملامح ومؤشرات كثيرة للانفتاح–علما بان الحقل السياسي تتداخل فيه عناصر كثيرة، ينبغي أخدها بعين الاعتبار في مسألة اتجاه هذا الحقل نحو مزيد من الانغلاق أو العكس...

وليس كل النشاط السياسي يفترض المنافسة، ففي معظم الأحيان تقتضي الحاجة الى وجود نوع من العمل المشترك مع قوى سياسية أخرى يسمى تنسيق مواقف، ويمكن أن يتطور هذا التنسيق في المواقف الى حالة متقدمة هي التحالفات أو حتى الاندماج، وهما  أمر مهم و مفيد في الحياة السياسية وأحيانا يكون ضروريا، وهو في النهاية وسيلة، قد نحقق على الأقل هدفين أولهما العمل على شعارات واضحة قابلة للتحقيق في المدى المنظور.

 والثاني  تقريب المسافة مع مكونات أخرى. غير أن مشهدنا السياسي العراقي إشتمل على نوع من التحالفات أو الإندماجات من النوع غير المجدي بل والضار بالعملية السياسية ككل، إذ أن اجتماع حزب ضعيف بحزب أضعف منه لا يمكن اعتباره تحالفا، لان التحالف هدفه القوة، و تحالف حزب ضعيف مع حزب آخرمن نفس الصنف وبنفس المستوى من الضعف أو أقل لا ينتج قوة بل ينتج ضعفا مضاعفا، ففي مثل هكذا تتحالف إو إندماج  تسود ذات المعادلة المعروفة في نواميس الطبيعة، إذ تتنحى الصفات الحسنة وتظهر الصفات السيئة، وبمعنى أدق  فإن العناصر القوية في الأحزاب المتحالفة أو المندمجة مع بعض لاتجد ضرورة لفقدان هويتها الراسخة التي تعني كينونتها لصالح هوية لم تكتمل ملامحها بعد..وينطبق على هكذا تحالفات أو إندماجات قانون السوق ايضا حيث تطرد العملة الرديئة العملة الجيدة، وحينما تسود العملة الرديئة تسود معها طرق إنتاج سلعي تصبح فيها السلع المعروضة رخيصة وكتيرة لكنها رديئة فيما السلع الجيدة غالية ونادرة..

وإذا كنا ننظر بعقل وطني فإن الأرضية الموحدة هي التي يتعين علينا أن نقف عليها مستقبلا، ولن يتم ذلك دون مقدمات تؤسس لبناء مشروع سياسي ديمقراطي مبدئي، متفتح للإجابة على تساؤلات الواقع، آخذا بنظر الإعتبار التطورات الجيوسياسية الدولية والإقليمية والمحلية، والبدء بمحاولة منهجية في التحليل و الفهم و الإستخلاص والإقتراح، يسكنها هاجس التقدم نحو مستقبل سياسي مستقر..ولن يكون ذلك دون إمتياز التعلق بثنائية الفكر والعمل، بدلا من ثنائية الجدل والتراجع السائدة الآن...إننا في أزمة سياسية دائمة، ولن يكون بالإمكان الخروج منها بوقت منظور، وتؤكد هذا التصور المعطيات الراهنة، ولن يكون بالإمكان الخروج من هذه الأزمة بالهروب منها وترحيلها الى الأيام والأسابيع والشهور والسنوات القادمة، إن مسار الترحيل مسار بائس ، وينبيء عن تخلي مؤسف من قبل الساسة عن مسؤوليتهم الوطنية، وإذا كانوا جديين في البحث عن حلول للأزمة الراهنة، فعليهم أولا القيام بتحديد

وحسبنا أن نحيط بالظروف المحلية التي نفعل وننفعل بها، فإذا فهمناها  قدرناها التقدير الصحيح، فتلك خطوة أساسية لتحسين وضعنا،خاصة أن بعض المعطيات العالمية و تأثيرها على وضعنا ـ كبلد وكدولة ـ، والتي نستعملها عادة بجاهزية كبيرة، لم يعد لها مبرر، مثل القول إن الثورات العربية المعاصرة هي نتاج للتحول الديمقراطي في العراق، بل أن مثل هذه الإطروحات كان له تأثير سلبي على وضعنا، والحال أن وضعنا ـ كبلد وكدولة ـ ساء مع حدوث العواصف الأخيرة في المنطقة،و لم يؤد ذلك إلى التأثير ايجابيا علينا مما يعني أن ذلك الارتباط ليس بالبساطة التي نتناوله بها .

ومما تقدم فإن الأمر يتطلب تحديد ملامح المخرجات السلبية في عمل الدولة كي يصار الى وضع حلول عملية قابلة للتطبيق والنفاذ والحياة، ومما لا شك فيه أن هناك تفرعات كثيرة لهذه الملامح لكن عناصرها الأساسية تتمثل بـ:

1-عدم إقدام الساسة على إصلاحات دستورية و سياسية مباشرة، تذهب في اتجاه ربط القرار السياسي بصناديق الاقتراع وتدفع اتجاه دمقرطة الدولة من خلال تحديد السلطة وإعطائها مضمونا حقيقيا للممارسة وخلق التوازن بينها.

2–عدم الإقدام على إصلاح حقيقي لميكانيزمات العملية الانتخابية بما يجعلها عملية حقيقية منطلقا ومنتهى، و يعيد الاعتبار و الثقة لها و لنتائجها.

3–الاستمرار في خلق المؤسسات خارج آليات السلطتين التنفيذية والتشريعية، مما يمس طبيعة و اختصاصات هاتين السلطتين، لكنه يضمن استمرار تحكم الدولة العميق في القرار وآليات تصريفه بوسائل وآليات تخلقها في كل مرحلة حسب الحاجة.

4–عدم الإقدام على إصلاح قضائي حقيقي يجعل القضاء سلطة ويضمن استقلاليته ونزاهته كمدخل أساسي لإصلاح شامل لمنظومة العدالة .

5–استمرار المس بحرية الإعلام والتعبير وشن حرب على الصحافة بمضايقة الصحف والمجلات ومحاكمة الصحافيين وقمع المسيرات والوقفات الاحتجاجية .

تلك إذن مؤشرات سلبية على عدم حصول تحول جوهري في الوضع العام، لكن أكثر من هذه المؤشرات، توجد أمام القوى السياسية والدولة تحديات ومخاطر تعتبر محددات أساسية في تعاطيها مع موضوع الإصلاح.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
حيدر : انا لله وانا اليه راجعون يعني منين نبدي هو انتو سامعين بشي اسمه نقابة معلمين او فد ...
الموضوع :
السوداني يستقبل وفد نقابة المعلمين ويشيد بدور الملاكات التربوية وجهودها في العملية التعليمية
Hussain Hamza : سبحان الله انقل السحر على الساحر!! لماذا تدعمون إسرائيل ضد العرب؟ وضد غزة؟ هل لكم الحق في ...
الموضوع :
ردا الى تصريحات ترامب :: الناتو : الدول الأعضاء متمسكة بمبدأ الدفاع عن بعضها البعض
علي عباس مراد : اني احد منتسبي الشرطة الاتحادية المفسوخ عقدة من جراء الاصابة بعبوة ناسفة والمرض ولم استلم اي تعويض ...
الموضوع :
دائرة شؤون المواطنين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء تستقبل شكاوى المواطنين عبر موقعها الإلكتروني
فيسبوك