دراسات

الاحتلال الإعلامي الغربي


جاسم الصافي

رغم التطور الذي تشهده وسائل الأعلام المحلية والوطنية وتعدد الجهات والموارد الداعمة لها , إلا أن اغلبها لم تستطع التملص من التبعية للأعلام الغرب , ولو من خلال استنصار بعض القضايا الخاصة بالصراعات والحروب الغير معلنا علينا , حيث يتسلل بأسلوب ايدلوجيا وسيكولوجي مدروس وبحضور ممنطق للمتلقي , ليشكل سلطة محتلة داخل الجماهير , فهو يبدأ بفوضى المعلومة , وينتهي بإملاءات معدة لخطط خمسية وعشرية وقرنية , حيث كان من الصعب على القوى المتكبرة من تطبيعها او حتى الافصاح عنها , لكن بفضل الوسائل والدراسات الحديثة تمكنت تلك الجهات المتنفذة والمتجبرة من الاستحكام على مقدرات العالم اجمع , من احتلال العقل قبل الارض , وإنهاكه ليكون مجرد اسير او دمية تحركها خيوط الغرب واوامر الشيطان , بإشاعة الاكاذيب والتشكيك والتخوين بتحليلات زائفة وخطاب متضاد ومشبع بجدلة وخلط مستفيض للمفاهيم , كل هذا كي لا يتمكن العقل من ايجاد توازي وارض ثابتة للوقوف عليها , امام الكم الهائل من الإطاريح المترادفات والمتناقضات والتي زعزعة المبادئ والمثل والثوابت والمواريث من جذورها , وجعلت من الأمور المستحيلة ممكنة بل واقع متعارف عليه , يعيش بيننا ويحكم مصيرنا , بعد جعله من قرار ( اللا والنعم ) في داخلنا من المستحيل .

 نعم لقد استحوذ الاعلام الغربي على مقدراتنا وهيمن على افكارنا واستلب منا مكتسبات التغير وآلية التفكير عبر فوضى الخبر , المنمق لغويا والمسلفن في استوديوهات ضخمة , والمقدم بترغيب مدروس يبدأ من جمال المقدم او المقدمة شكلا ونطقا وانتهاء بتقنية الميديا بصورة ذات كوالتي عالي وكرافك لا يقاوم , ناهيك عن اسلوب صياغة الخبر المتحايل على قناعة المتلقي عبر مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان التي يستبيحها الكثيرون يوميا في اماكن اخرى يجري التستر عليها وتغاضي الاعلام الغربي عنها في حين يفضحها في مجتمعاتنا , لنشعر منها بالخزي والعار من انفسنا والانكسار والياس من مصيرنا ، كل هذا يجري ونحن لا نجد لإعلامنا العربي عقوبة تحد من تزيف وتحوير المعلومة ومسائلتها عن سلامة ما يطرح من أفكار أو أخبار , والتي تقيد في النظم الأوربية بلوائح وقوانين تحمي البلاد والعباد من الفتن بل وتتدخل حتى في سياسة الأعلام الحر وخصوص في حملتها الأخيرة على ما يسمى بالإرهاب ليسهم الخبر في حماية الفرد والمجتمع وتنمية الاقتصاد الوطنية والاهم من كل هذا ان اغلب الاعلامين ينقصهم الوعي الوطني والثقافة وحقيقة اتجرع قولها ان الاعلام هو مهنة من لا مهنة له بل ان السلطة تهتم في من اساء للرموز السياسية والدينية حتى وان كان نقد بعلمية وهذا يعكس انزياح الاعلام الحقيقي والوطني اما مرتزقة الاعلام ، هذه المعادلة اوجدت فجوى في أذهاننا بيت تنظيرات وتطبيقات الغرب , الذي يتعامل بمعاير ناعمة في الرخاء واخرى خشنة عند الحرب اوفي التقلبات الاقتصادية والمجتمعية والحوادث العرضية والجنائية والارهابية والكوارث الطبيعية والبيئية , لهذا نتهم بان لدينا أعلام مخترق وتبعي لا يمتلك أدنى وطنيه أو إنسانية في سلوكه ولا يقيم للمعاير الانسانية اي وزن ، بل أصبح وسيلة للتبعية والتغريبية ولبيان هذا الأمر أكثر نقول : 

أن الغرب ومنذ الحرب العالمية الثانية صار بحاجة الى الأعلام , للتأثير على العدو من الناحية الحربية والجهوزية القتالية والتعبئة الجماهيرية والسياسية والاقتصادية , وھذا ما عرف بالحرب النفسية , التي تھدف الى الترويج للقضية المعنية ومداورتها لخلق الاعتقاد المقصود لدى الطرف الآخر ( المعادي ) وھذا هو ما عبر عنه غوبلز (وزير إعلام ھتلر) بالقول : إن الجماهير تصدق الكذبة الكبيرة أكثر من الصغيرة أما الكذبة الخطيرة فتتكتم ويسّر بھا إلى المقربين ) إذا الحقيقة في الأعلام الغربي متستر عليها ! .. ومن لا يستطيع أن يراها بصورة مغايرة فهو لا يستطيع تغيرها أو بيان ما بعدها , وقد أثبتت الدراسات في مجال علوم الأعلام أن التوصيل لا يتضمن فقط فعل الأخبار ، بل يبحث أيضا عن طرق التأثير في الأخر وإيهامه وإغرائه والسيطرة على سلوكه وهذا ما تذكره سميولوجيا التوصيل والتي تهدف الى الإبلاغ والتوصيل من خلال الدليل بالمدلول والوظيفة القصدية أي أنها تبحث عن نتيجة لفعل ما يقال , لذا تطورت أدوات ونوايا الأعلام الغربي حين بدأت حرب جديدة من نوع خاص , أشعل نارها المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي وهي الحرب الدعائية التي تقوم على الكذب بأشكاله وأنواعه المختلفة ، بعد أن استقطعت منه القيم الإنسانية والأخلاق المهنية في العمل الاعلامي , ليباح فيها كل شيء لهذا سميت تلك الحرب بـ ( الحرب الباردة ) والتي أدت الى تفتت الاتحاد السوفييتي القطب الاشتراكي وانشداد العالم نحو استقطاب واحد هو القطب الرأسمالي , وكلنا يعلم ان الرأسمالية مذهب براغماتي قائم على النفعية والانانية والمادية وبالتالي هو دكتاتورية منظمة تستهدف تفرد اشخاص في رقاب الاغلب برسوم ديمقراطية وانسانية نابع من مبدأ الانتخاب , وهو مبدأ يمكن ان يكون دمية اذ ما جعل الفرد في عوز فلا حرية لمحتاج لأنه عبد حاجاته , والرأسمالية تتعاقد مع الفرد حتى في رهن زوجته واطفاله وبالتالي لا حرية حقيقية في التصويت والاختيار لأي فرد مادام مستعبد لحاجاته المرهونة بأقطاب الرأسمالية , في حين تصدر الينا تلك المفاهيم على انها طوق نجاة وهي بالحقيقة باب للتناحر لهذا نجد ان الانتخابات في النقابات والاتحادات اكثر شفافية ونجاح مع مراعات فوارق الوعي لتلك المؤسسات اذ ما قورنت مع اي انتخابات رئاسية او نيابية تجرى في الوطن العربي , كل هذا أوجب علينا جميعا الكشف عن طبيعة الحرب الاعلامية الغير معلنة وإبراز الرهانات والمفارقات فيها وخصوصا أن الأعلام اليوم ينساق وراء رغبة التلاعب بأفكار المتلقي وإغراءه ، وكما هو الحال في المجال التجاري والسياسي السائد هذه الأيام ، ولكن هذين الجانبين ( السياسة والاقتصاد ) قد امتزجا بقانون وسلطة القطب الواحد وبحكم وسيلة الاعلام راحة تنساق ورائه باقي المجالات ، وهذا ما تسبب في انفلاق العالم على ثورة العولمة  والتي إثارة قضايا كثيرة عندنا مثل الهوية والمثاقفة والهيمنة الثقافية والمحاور ، ويأخذ بعدها الأعلام مرتبة متطورة في فرض الهيمنة والتبشير والتبرير بالتبعية وبتصنيع الأفكار وباختراق هادئ وبارد فهي الطريقة الأسلم والأوفر ، بدل تجيش الجيوش وإظهار القوى للسيطرة على عالم مترامي الأطراف و متناقض الأفكار .

هذا هو الاحتلال السرية الذي ندركه  لكن سرعان ما ننساه ، وهذه هي الحرب الحقيقية التي أسهمت في تغير إحداث عالمنا بعد إن أنشأت وسائل إعلامية تدعي الوطنية موجة ببنادقها علينا ، ان جمهورنا يحب الخبر الانفجاري والانفعالي ويبحث عن الإثارة والفخامة التي تصنعها استوديوهات الأعلام الغربي ومن عمق وسائلنا الإعلامية , وبهذا كان من السهل ان غايرت وتغيرت القيم والمبادئ الاجتماعية والعاطفية وبفعل من أيدينا ، حين وجه الخطاب نحو فئات اجتماعية مشتتة ومفككة بغياب او تغيب المثقف والناقد والاعلامي العضوي داخل بنية المجتمع , لنكون مثل ( اسفنجة ) نؤمن بما يطرح دون جدل حتى وإن خالف ذلك الطرح قناعتنا ، فالاتساق بين ما يطرح وتكراره يرسخان الفكرة المطروحة ويجعلانها مقبولة للتصديق وصولاً الى التشكيل في آراءنا ومعتقداتنا بتشتت اتجاهاتها وتعدد اعتقاداتها ، ونحن نعلم أن الأعلام لا تتعبه التكرارية , بل يجد فيها منها استسهال وظيفي ينتج نفع الممول في خرق واستسلام المتلقي في نهاية المطاف وخصوصا حين يبث الخبر بالصورة والصوت , يواجه رأي الجماهير رأيا معاكس للحقيقة بينما هو كان الرأي الأضعف الغير قادر على الإقناع تنظيريا , وهذا يولد توهم عند المتلقي بتحيد المسألة حيث يرضخ في نهاية أمام فخامة المراسل وكادر العمل ، وهذا ما أثبتت إحدى الدراسات التي تذكر ( أن تكرار عرض أحد النجوم في فيلم سينمائي وھو يدخن لأربع مرات كفيل بزرع ھذه العادة في نفوس معجبيها ) لذا فإن التكرار الإخبارية الموجه  قد تؤدي مع مرور الوقت إلى تغيير كبير في الرأي , واليوم أصبحنا ندرك هذه الخطورة من خلال ما تطرحه الفضائيات المدسوسة والتي لها الدور في صنع الإحداث وإشعال الحروب والدمار في عالمنا العربي والإسلامي على حد سواء .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك