أحمد جبار الواسطي
ahmad.pro1995@gmail.com
سطع نجم الكثير من العلمانيين الشباب وجلّهم من الناشطين في مجال الحريات في السنوات الأخيرة ، وأسباب ذلك كثيرة أهمها :
التحرر من القيود الاجتماعية والدينية الرافضة -وفي أحسن الحالات متحفظة- لأفكارهم في خضم أحداث المنطقة التي تركز على الثنائي مع-ضد فقط .
وثانيها: اندماجهم الكلي في مجتمعات متحررة فكرياً لأقصى الحدود كالمجتمع الأوروبي والأمريكي .
وثالثها: وجود منابر خطاب ومتابعين يتابعونهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
هذه العوامل الثلاث الرئيسية ساهمت بإظهار هذه الشريحة التي انطوت على نفسها لفترات طويلة لعدم وجود المادة الخام لتصنيع أفكارها وتسويقها لدى جمهور العامة والمثقفين.
مع متابعة الخط البياني لنمو هذه الشريحة نرى أن أغلبها لا يمت للعلمانية بصلة، وهنا الحديث عن فئة العلمانيين الشباب -مجازاً- لكنهم في الواقع خُدَّج ، فالعلمانية بأبسط تعريفاتها لديهم تهمّش الدين -أي دين كان- وتركّز على المجتمع المدني المتحرّر من قيودٍ وعاداتٍ وأحياناً ضوابط ، لكن هذا فقط بالتعريف، أما بالسلوك لديهم ، فهم أكثر المهتمّين بالدين، ليس من باب الطاعة والتنفيذ، وإنما من باب مهاجمة الدين كونه "سببٌ رئيسي في ضياع الأمة"، وهذا من مفهوم عام، أما لو تعمقنا بواقعهم خاصة فسنجد أن مشكلتهم الأساسية هي مع الدين الاسلامي فقط ، وما فيه من تشريع .
يشكّكون أولاً بطريقة وصوله للحاضر ، وثانيها التشكيك بالمصدر ، وثالثها نكران المصدر وطريقة الوصول، وأن ما يصل للأجيال عبر التواتر هو مصدر غير صحيح .
كل العلوم انتقلت بالتواتر والمخطوطات والمنحوتات أيضاً. وبالنسبة لهم ما قاله أفلاطون وأرسطو وبوذا صحيح بالمطلق وموضع استشهاد علمي وفلسفي، أما ما وصلنا من أئمة أهل البيت عليهم السلام و اجتهادات العلماء رضوان الله تعالى عنهم فهو حتماً مزوّر !
أما كل ما قاله ابن تيمية أو البخاري أو مسلم فهو حتماً صحيح لديهم !
ببساطة لأنه بنظرهم عرّاب النهج الدموي -هنا الأزمة عقلية وليست أخلاقية- فما وصل من كل الأسماء السابقة سلك نفس الطريق التواتري، فكيف يتم رفض البعض وقبول البعض؟!
بالعودة إلى مشكلتهم مع الدين الإسلامي، لا أظن بأننا نرى أدنى اكتراث سواءً كان علمانياً أم إنسانياً لما يجري لشعب مسلم مضطهد في شرق آسيا منذ زهاء القرن ولا حتى أدنى اكتراث، في حين تصبح قضية تزويج أب معتوه لابنته القاصر في مجتمع إسلامي موضع بحث وفضح وتشويه وتنكيل بكل ما يمت للدين بصلة؛ وهنا المشكلة أخلاقية بحتة .
هذه بوضوح ليست علمانية بتاتاً، إنها نهج معاداة لا يستند لحقائق عقلية مطلقاً، ولو عدنا لأساس كل سلوك علماني لوجدنا أن شرارة هذا الفكر هي التهرب من التزامات العقيدة والعبادة لا أكثر .
بالعودة لمحددات بيئة النضوج لديهم، ومنها الوجود والاندماج بالمجتمع الغربي ولو فكرياً دون تواجد وهو مجتمع متحضر - علميا ً- بلا شك وله جوانب إنسانية تفتقدها الكثير من المجتمعات الأخرى، لكن علينا أن ندرك أن هذا التحضر وتلك الحرية والمرونة والجوانب الأخلاقية هي ناتج وليست سبب، هي ناتج حروب راح ضحيتها عشرات الملايين ودمرت البنية التحتية بالكامل وشوّهت أجيالاً كاملة ودمرت اقتصاداتٍ عملاقة لم يكن للدين فيها دور، فلا الدين كان سبباً لنشوء هذا الدمار ولم يكن الدين هو المخرج، فلماذا يشير العلمانيون الخُدَّج بِبَنان الاتهام للدين على أنه الفارق بين المجتمع الأم والمجتمع الحاضن ؟
أيضاً هنا المشكلة عقلية وليست أخلاقية .
ومن قال أن تلك المجتمعات لادينية أساسا ً؟
هناك فارق كبير بين مجتمع لاديني -وهكذا مجتمع غير موجود على الكرة الارضية حتى الآن ولا عبر التاريخ- وبين مجتمعٍ غير ملتزم؛ كما هو حال أغلب المجتمعات مهما كانت ديانتها، وبأبسط الأدلة لكل مجتمع ديني مخرج غُفران، قد يكون باغتسالٍ في نهر مقدّس، أو زيارة قدّيس لطلب الغفران .
من الحُفر العلمية والأخلاقية البسيطة التي غاص بها العلمانيون الشباب؛ هي البديهيات التي بحث فيها مئات العلمانيين سابقاً وطُويت صفحتها وحُسم أمرها ، فيُعاد نبشها دون الرجوع لمواردهم العلمانية وما أنجزته وما توصلت إليه من نتائج ، فالمرأة شهادتها غير كافية وتحتاج شهادة امرأة أخرى وهذا بنظرهم إجحاف، ولو كانت المرأة بلا شهادة موثوقة لرُفضت شهادتها بالمطلق ولن يُطلب تدعيمها، فبمجرد هذا التدعيم تساوت الشهادتين بين الرجل والمرأة، والكثير من الأمثلة. هذه فعلاً ليست علمانية، إنها هجوم حاد دون مبرر ولا منطقية ولا مهنيةِ فِكرٍ وتوجُّه..
قِناعٌ ثقافي متحرّر لا يُبرز أي وجهٍ حقيقي ولا ينشر فكراً متحضراً ولا يساهم في بناء أي مجتمع كما يدّعون ... هي انسلاخٌ عن مجتمعاتهم الأم ليتاح لهم النقد لما لا يرضونه، يسوّقون لحرية الاختيار في أي شأن حياتي، ولو حتى ميول جنسية شاذة، وبنفس الوقت يسوّقون لهذا السلوك على أنه هو الفطرة البشرية السليمة وإنما تقاليد الدين قامت بحرفها متناسين أن الحرية لا تأتي بالإقناع والإصرار .
حُججهم واهية ..منطقية التفكير بدائية جدا ً.. يتهاوون عند أي سِجالٍ علمي كما تهاوى الكثير من أقطابهم ما بعد خمسينيات القرن الماضي ونشوء حوار الأديان للعلن
https://telegram.me/buratha