قامت الهيئة الوطنية للاستثمار في تشرين الثاني 2009 بدعوه الشركات الأجنبية والعراقية لبناء 500 ألف وحدة سكنية في مختلف انحاء العراق، ثم زادتها إلى مليون وحدة بسبب العروض الكثيرة الواردة لها من أكثر من 100 شركه عراقية وأجنبية وحسب إعلان رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار في شباط 2010 في كوريا. وسنحاول تقييم مراحل أكبر مشاريع الإسكان وخاصة في بسمايه واداء الهيئة الوطنية للاستثمار، محاولين جهد الامكان الحيادية في الطرح، غير متناسين امكانية وجود فساد إداري أو مالي في بعض مفاصل المشاريع. وسنعرض بداية أهم نقاط اعلان الهيئة للمستثمرين داخل وخارج العراق، ثم نعرض الملاحظات اللاحقه حول المشروع.
أولا: حددت الهيئة كسقف اعلى مبلغ 500 دولار أمريكي قيمة بناء كل متر مربع للوحدة السكنية بما في ذلك كافة أعمال البنى التحتية للمشروع.
ثانيا: يتم تمويل المشروع من مقدمة مبيعات الوحدات للمواطنين، ويستلم المستثمر دفعة أولية بقيمة 10 بالمائة من قيمة المشروع بعد 60 يوم من توقيع العقد، تليها ثلاث دفعات بعد 12 و 18 و 24 شهر من توقيع العقد، وكل واحدة ة تبلغ 5 بالمائة من قيمة المشروع، وحسب تقدم العمل لإكمال البنية التحتية للمشروع، مقابل ضمانات مصرفية يقدمها المستثمر. ولا يستلم المستثمر أي مبلغ آخر لحين اكماله وتسليمه الوحدات السكنية، حينئذ يستلم كامل المتبقي من الوحدات المنجزة وعلى مراحل. ولضمان إكمال المشروع يقدم المستثمر خطاب مصرفي يبين استعداد المصرف لتمويل 75 بالمائة من الكلفة الكلية للمشروع.
ثالثا: كان نموذج التمويل للمشروع وعلى الورق مثاليا، حيث يتكالب المواطنون على المشروع ويشترون جميع الوحدات السكنية، ويدفعون مقدمة الوحدة السكنية وهي 25 بالمائة، والتي تكفي لتسديد مستحقات المستثمر الأولية ولغاية اكماله بناء وتسليم مجموعة من الوحدات. ويقوم المواطنون المسجلون على الوحدة بتسديد 10 بالمائة من قيمة الوحدة عند استلامهم للوحدة السكنية، ويتم رهن العقار عند المصارف العراقية مقابل 65 بالمائة المتبقي من قيمة العقار، وتدفع الهيئة مستحقات المستثمر بالكامل من تسديد المواطن وقيمة رهن العقار، ويسدد المواطن مبلغ الرهن على فتره 7 أو 10 سنوات مقابل فائدة 6 بالمائة يدفع المواطن 3 بالمائة منها وتتحمل الحكومة 3 المائة. واعتبرت الهيئة الوطنية للاستثمار المشروع استراتيجيا وجعلتها من صلاحياتها حصرا، ولم تحسب مخاطر العملية التمويلية، وامكانية عدم بيع الوحدات أو تلكؤ المستثمر، علما انها لا تملك الخبرة ولا الكفاءات اللازمة لإدارة مثل هذه المشاريع الضخمة ومخاطرها، وكان من المهم اشراك وزارة الإسكان على الاقل بالمشروع لخبرتها الطويلة ووجود كادر مؤهل بالمشاريع لديها أو أية جهة خبيرة، لكنها كانت تريد الاستئثار بكل شئ.
رابعا: وقعت الهيئة في تشرين أول 2010 في كوريا اتفاقية عامة مع شركه تراك الكورية لبناء 200 ألف وحدة سكنية، وصادق رئيس الوزراء في نيسان 2011 على نموذج المشروع في سيئول، ثم اتفقت الهيئة في 13 اب 2011 مع شركات كورية وأمريكية (تراك و هيل انترناشنال) لبناء 200 ألف وحده سكنيه في بغداد والبصرة.
خامسا: قررت الهيئة في أيلول 2011 رفع سعر المتر المربع للوحدة السكنية من 500 إلى 600 دولار، بحجة توفير البنية التحتية للمشروع، وفتحت في 25 أيلول 2011 باب التسجيل على هذه الوحدات في موقعها الالكتروني مع دفع 25 بالمائة من سعر الوحدة مقدما ودفع 10 بالمائة عند التسليم، مع إمكانيه تقسيط 65 بالمائة المتبقية على فترات من 7 إلى 10 سنوات.
سادسا: في نيسان 2012 قامت الشركة الكورية تراك بتوقيع عقد شراكة مع الراجحي السعودية في تركيا لتنفيذ مشروع الوحدات السكنية في العراق، وغير معلوم ما هو موقف الهيئة الوطنية للاستثمار من الموضوع وأين ذهبت شركه هيل انترناشنال الأمريكية.
سابعا: وافق مجلس الوزراء العراقي يوم 15 أيار 2012 على إحالة بناء 100 ألف وحدة سكنية في مشروع بسمايه، ولكن إلى شركه هانوا الكورية وتم تخويل رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار بالتوقيع على العقد، وقد تم التوقع على العقد في 30 أيار بحضور رئيس الوزراء العراقي.
ثامنا: تم الاعلان عن سعر جديد للمتر المربع في مشروع بسمايه وهو 630 دولار في 3 حزيران 2012 وبلغ عدد المسجلين على الوحدات والذين دفعوا المقدمة 700 شخص فقط. يضع السيد رئيس الوزراء الحجر الاساس لمشروع بسمايه في 4 حزيران 2012 ويعلن عن مشروع جديد لبناء 200 ألف وحدة سكنية توزع للفقراء مجانا! وكانت قيمة العقد الموقع مع شركه هانوا هو 7.750 سبعة مليارات وسبعمائة وخمسون مليون دولار أمريكي.
تاسعا: لم تعلن الهيئة الوطنية للاستثمار عن عدد المسجلين الفعليين على الوحدات السكنية والذين دفعوا المقدمة، وهل تم دفع 10 أو 25 بالمائة من قيمة الوحدة، وهنالك بعض التسريبات تشير إلى ان عدد المسجلين هو اقل من 8 بالمائة، منهم فقط 700 شخص دفع 25 بالمائة. وإذا جمعنا مجموع ما دفعه هؤلاء المواطنين، فسيكون 68.4 مليون دولار كمقدمه، في حين يجب دفع مبلغ 775 مليون دولار أو 10 بالمائة من قيمة العقد خلال 60 يوم، أي قبل الأول من آب 2012 إلى شركه هانوا حسب شروط العقد. وتستنجد الهيئة بالحكومة لإجبار مصارف الرشيد والرافدين والتجاري بتوفير أكثر من 700 مليون دولار لتدفع لهانوا قبل الأول من آب 2012، وهذه الدفعة لم تكن بالحسبان، وتم دفع ما مجموعه 1.822 مليار دولار من المصارف الثلاث لغاية 17 تشرين أول 2014 إلى هانوا لإكمال دفع 25% من قيمة المشروع وحسب العقد المبرم معهم، وكان المفترض ان لا تدفع المصارف الثلاث أي شيء قبل تسليم وحدات مكتملة من المستثمر بداية 2016.
عاشرا: وبفترض ان المشروع يحتوي على شقق ذات 100 و 120 و 140 متر مربع وبما ان الهيئة الوطنية للاستثمار لم تعطي عدد الوحدات السكنية من كل نوع كعادتها بعدم توفير معلومات كافية عن المشروع، فقد افترضنا عددا متساويا من هذه الشقق لغاية إجراء الحسابات، لذلك تكون قيمة الإجمالية لبيع هذه الشقق 7.56 مليار دولار. واذا اضفنا مليار دولار تمثل مساهمة الحكومة في البنية التحتية، في حين سيتم دفع 7.75 مليار دولار فقط إلى المستثمر شركه هانوا، سيكون هنالك فائض قدره 810 مليون دولار لم تصرح الهيئة الوطنية للاستثمار في أي وقت من الأوقات عن أوجه صرفها أو حتى عن وجودها، واذا افترضنا ان نصف الشقق ذات غرفة واحدة وربعها ذات غرفتين والبعض الآخر ذات ثلاث غرف عندئذ سيقل الفائض ولكن لن يكون اقل من 490 مليون دولار، وسوف لن نستغرب عن مفاجأت سوف تظهر عند الكشف عن هذا الأمر، فالهيئة لم تعلن عن كلفة حملة التسويق الفاشلة للمشروع، والتي تثار حولها الشبهات.
حادي عشر: من المتوقع وحسب اعلانات الهيئة الوطنية للاستثمار أن يتم توزيع 1440 وحدة سكنية في كانون ثاني 2016 تعقبها 1800 وحدة سكنية كل شهر، وبذلك ستسلم 21240 وحدة عام 2016 ولكن في الواقع تم الاعلان عن تسليم 100 وحدة في 3 نيسان 2016 ولم يعقبها أي اعلان رسمي من الهيئة. ومن المتوقع تسليم آخر وجبة من الوحدات في النصف الثاني عام 2020، وعلى المصارف الثلاث دفع حوالي 900 مليون دولار لشركة هانوا كل عام لغاية نهاية عام 2020 وعلى فرض بيع جميع الوحدات، وإلا ستكون الدفعات أكثر، في حين تم الاعلان عن تسديد 210 مليون دولار عام 2015، إضافة إلى 166 مليون دولار عام 2016 ثم 560 مليون دولار بداية عام 2017.
ثاني عشر: بالرغم من التمويل الهائل الذي ستقدمه المصارف العراقية الثلاث الرافدين والرشيد والتجاري لمشروع إسكان بسمايه وسيكون تقريبا 6.2 مليار دولار في حال بيع جميع الوحدات وتمثل 80 بالمائة من قيمة العقار الدفترية، لا أحد يعرف ما هي قيمة العقار السوقية عند اكمال المشروع، وهي مخاطرة لا يقدم عليها أي مصرف بتمويل مشروع سكني ضخم يتم سداد قيمته بعد عشرين عاما من اكمال المشروع وبسماحية في الدفع لمدة خمس سنوات. وكان من واجب البنك المركزي العراقي حماية مصارفها، الا ان ضعف المصارف والبنك المركزي مقابل القرار السياسي أديا إلى هذه الحالة. لذلك فمن واجب المصارف الثلاث اخذ المبادرة لحماية استثمارها، فهي المالك الحقيقي لكامل مشروع بسمايه وليس الهيئة الوطنية للاستثمار أو حتى مشتري الوحدات السكنية منفردين، وعلى المصارف الثلاث الاتفاق على تشكيل وحدة خاصة للمشروع تقوم وبالتعاون مع جهات ذات اختصاص مثل وزارة الإسكان ووزارة الشؤون الاجتماعية ومحافظة بغداد وجمعيات الإسكان وجهات استشارية مختلفة، لضمان مطابقة الأعمال والمواد مع المواصفات العالمية المعتمدة ومواصفات المشروع، واستلام الوحدات السكنية من المطور بالطرق السليمة، والتأكد من قيام المطور بضمان سلامة الوحدات بعد التسليم وحسب المعايير الدولية، والتأمين على المشروع ضد المخاطر، وتوفير جميع الخدمات اللازمة للمشروع، وصيانة وادارة المشروع من قبل شركات متخصصه بإدارة المرافق للمحافظة على المشروع ورفع مستواه، والتسويق بشكل حرفي للمشروع وتأجير الوحدات غير المباعة وخاصة للمؤسسات والشركات الكبيرة، واعتماد اسلوب التأجير المؤدي للتملك كوسيلة تشجيعية لعدم إبقاء الوحدات غير المباعة غير مشغولة، وعلى المصارف التحرك بشكل إيجابي لحماية استثمارها.
ثالث عشر: وعلى الرغم من توقيع الهيئة الوطنية للاستثمار اتفاقيات عديدة مع شركات استثمارية اجنبية مختلفة وبحضور رئيس الوزراء السابق لمشاريع إسكان كبيرة مثل مدينة الاحلام وجنة بغداد ومشروع معسكر الرشيد ومدينه المستقبل 1 و2 وضفاف كربلاء ومدينة البصرة الجديدة وغيرها والتي تشمل بناء اكثر من 370 الف وحدة سكنية، الا ان أي منها لم يبدأ لحد الآن، وقد لا تنفذ بتاتا وجميعها كانت اعلامية وبعضها لغرض الانتخابات، ولا نعرف ماذا حصل لتصريحات رئيس الهيئة والتي أعلن فيها عن تقدم اكثر من 100 شركة استثمارية لبناء اكثر من مليون وحدة في العراق جعلته يتحكم بمعظم مفاصل الاستثمار من دون تقديم مشاريع جدية.
من الملاحظات اعلاه ومتابعة مشاريع الإسكان في داخل العراق وخارجه والعوامل المؤثرة فيه نستطيع استنتاج ما يلي:
أولا: وضعت الهيئة الوطنية للاستثمار نموذجا غير عمليا لتمويل وتطوير السكن لم تأخذ فيه الحالة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للشريحة المستهدفة، وهي الطبقتين الوسطى والفقيرة، وثم ادارتها بشكل سيء. يبدو ان الهيئة لم تستشر الخبراء بالموضوع ولا هي تمتلك الخبرة اللازمة لتخطيط وتسعير وتسويق وادارة مشاريع إسكان كبيرة. كانت البداية بوضع سعر 500 دولار للمتر المربع للوحدة السكنية شاملا البنية التحتية للمشروع ومن دون دراسة واقعية، وأعلنتها للمواطنين وللمستثمرين وسرعان ما رفعتها إلى 600 دولار عند اتفاقها مع شركة استثمارية ثم رفعتها مجددا إلى 630 دولار مضافا اليه 100 دولار مساهمة الدولة في جزء من البنية التحتية، بعد الاتفاق مع شركة اخرى واصبح كلفة بناء المتر المربع 730 دولار أي بزيادة 46 بالمائة من دون تقديم أي تبرير، و لم تعلن عن اسماء الشركات المختلفة والتي قدمت عروضها، وذكرت الهيئة انها اكثر من 100 شركة، مما اثار الشك بوجود فساد إداري ومالي في المشروع. وكان يفترض حسب نموذج الهيئة ان يكون تمويل المصارف الثلاث للمشروع 3.9 مليار دولار وتبدأ الدفعة الأولى منه بداية 2016 مع تسليم أول وحدات سكنية للمواطنين، والتمويل هو 65 بالمائة من قيمة الوحدة مقابل الرهن العقاري للوحدة في هذه المصارف والتي يتم سداد قيمة الرهن من قبل مشتري الوحدة السكنية خلال عشر سنوات، ولكن النموذج فشل وقامت الهيئة وعلى عجالة بتغيير قيمة الوحدة وشروط التسديد ومدة التسديد، واصبح لزاما على المصارف دفع مبلغ 6.04 مليار دولار في حال بيع جميع الوحدات السكنية وقد يرتفع لأكثر من 7 مليارات في حال عدم بيع جميع الوحدات، وسددت أول دفعة عام 2013، والتمويل يمثل 80 بالمائة من قيمة الوحدة مقابل رهنها ويتم سداد قيمة الرهن في مده عشرين عاما مع سماح لمده خمس سنوات. ان الخطورة الكبيرة على المصارف ليست فقط في دفع سلفة تساوي 80 بالمائة من القيمة الدفترية للعقار من قبل المصرف، بل ان أول دفعة يستلمها المصرف هو بعد خمس سنين من استلام المشتري للوحدة، ويسكن المشتري العقار لمدة خمس سنوات مقابل 20 بالمائة من قيمتها فقط، وإذا ترك المشتري العقار في نهاية الخمس سنوات لأي سبب كان، تقع المصارف في ورطة كبيرة في كيفية استرداد تمويلها لان ما دفع من قبل المشتري لا يغطي حتى فوائد التمويل، ولن تستطيع المصارف القيام بالتأمين لهذا التمويل عند أية شركه تأمين لضمان حقوقها.
ثانيا: كان نموذج الاستثمار المعتمد لدى الهيئة للمشاريع السكنية، هو تسليم الارض للمطور الاستثماري مجانا وتسليفه 25 بالمائة من القيمة الكلية للمشروع وعلى دفعات، وهذه تمثل تقريبا كلفه البنية التحتية للمشروع لتشجيع المستثمرين. وتستحصل الهيئة المبلغ المدفوع للمستثمر من مشتري الوحدات السكنية والذين سيدفعون 25 بالمائة من قيمة الوحدة السكنية عند التسجيل. ولا يستلم المستثمر أية دفعات لغاية اكماله بناء مجموعة من الوحدات السكنية وتسليمها للهيئة، عندئذ يستلم 75 بالمائة المتبقية من قيمة الوحدات المسلمة، أي ان المستثمر فعليا هو مقاول، انجز البنية التحتية مقابل دفعات، ويستلم قيمة البناء بعد تسليم الوحدة، ويدفع المشتري 10 بالمائة من قيمة العقار في حين تقوم المصارف الثلاث بدفع 65 بالمائة من قيمة العقار مقابل رهن العقار، وتستوفي المصارف هذا المبلغ من المشترين خلال عشر سنين. لكن التسويق كان سيئا والرغبة من الجمهور لشراء الوحدات السكنية منخفضا جدا على الرغم من الحاجة الماسة للسكن، بسبب تغيير سعر المتر المربع للوحدة من 500 دولار إلى 600 ثم إلى 630 وعدم إعطاء الهيئة للقيمة التقريبية لخدمات وصيانة وادارة الاماكن المشتركة في المجمع السكني والذي يجب دفعه شهريا من قبل المشتري، حتى ان البعض اعتقد انه بحدود 400 ألف دينار سنويا مما اضطر الهيئة إلى تقليل دفعة التسجيل الأولي من 25 بالمائة إلى 10 بالمائة وابقاء دفعة الاستلام 10 بالمائة، وجعل تسديد المتبقي من قيمة العقار عشرين عاما مع فتره سماح تبلغ خمسة اعوام بدلا من عشرة اعوام سابقا. ولكن حتى هذه المغريات لم تشجع على بيع الوحدات، ولم تعلن الهيئة لحد الآن عدد مشتري الوحدات السكنية والذين سددوا المقدمة.
ثالثا: وبما ان المصارف العراقية الثلاثة، الرافدين والرشيد والتجاري، قد دفعت ما يقارب 1.822 مليار دولار لتمويل المشروع ومن دون ضمان، لأنه ليست هنالك أية وحدات سكنية مكتملة يمكن رهنها مقابل هذه الدفعات، وعليها دفع مبالغ اخرى عند استلام الوحدات المكتملة من المستثمر، وستكون هي الممول الاكبر لمشروع بسمايه والذي سيصل قيمته على الاقل حوالي 6 مليار دولار، ولحماية وضعها المالي وحقوق المودعين فعليها اخذ المبادرة والقيام بالإشراف على تسويق الوحدات السكنية للمشروع ومتابعة مواصفات وتنفيذ المشروع ومراجعه بنود العقد لتحسين شروطه وجعل الوحدات والمشروع اكثر جاذبية للبيع، وبعد الاستعانة بالخبراء والاستشاريين في وزارة الإسكان ووزارة الكهرباء ومحافظة بغداد وامانة العاصمة والمكاتب الاستشارية المتخصصة وغيرها من الجهات الفنية، ولو ان مجلس الوزراء قد قرر الآن تشكيل لجنة برئاسة وزيرة الإسكان للقيام بهذه المهمة، الا انه كان من واجب البنوك المبادرة بذلك، و لكن يبدو ان مدراء البنوك ليس بيدهم أي قرار.
رابعا: بما ان تسديد قيمة الرهن العقاري للوحدات السكنية قد مددتها الهيئة الوطنية للاستثمار لعشرين عاما، فانه من واجب المصارف العراقية الممولة للمشروع ان تتأكد وتساهم في ابقاء المجمع بحالة جيدة، وان تكون الصيانة والإدارة والخدمات المقدمة بأعلى مستوى لرفع القيمة السوقية للوحدات، ولتشجيع مالكي الوحدات بتسديد الاقساط المستحقة بأوقاتها، ولأن هذا سوف يساهم في ضمان استرداد المصارف لكامل تمويلها للمشروع.
خامسا: حاول رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار مقارنة مشاريع الإسكان المزمع اقامتها بالعراق مع مثيلاتها في دبي وابو ظبي والدوحة، متناسيا الاختلاف الكلي بين وضع العراق وهذه المدن، ففي حين ان البنية التحتية والتمويل المصرفي في تلك البلدان متوفرة ويقوم المستثمر الوطني أو الاجنبي بشراء الارض من المطورين الرئيسيين للأراضي وهم في الغالب شركات حكومية أو شبه حكومية، ثم يقوم المستثمر ببناء المشروع العقاري وبيعه مباشرة للجمهور وبالسعر الذي يحدده السوق العقاري، وغالبية مشتري الوحدات السكنية هم من الاجانب وكثير منهم يقوم بالمضاربة عليها في السوق ويستخدمها كاستثمار، نجد ان معظم مشتري الوحدات السكنية في العراق هم مواطنون ذوي دخل محدود وهو أول مسكن يشتروه وقد يكون الوحيد، ولا تتوفر البنية التحتية اللازمة في العراق، والتمويل المصرفي محدود لذلك لا يجازف المستثمرون في مشاريع سكنية عملاقة وغير مضمونة البيع. وهكذا أصبح التمويل المحلي أصعب وخاصة بعد توريط أكبر المصارف العراقية بتمويل ما يزيد عن سته مليارات دولار غير مضمون السداد في مشروع بسمايه.
سادسا: استغلت بعض الشركات الأجنبية حاجة العراق الماسة لمشاريع الإسكان الضخمة وتهافت الكثير من المسؤولين في الدولة العراقية على الظهور اعلاميا وحضور اجتماعات والقيام بتوقيع مذكرات تفاهم لمشاريع إسكانية مختلفة، من دون ان تكون هذه الشركات ذات خبرة أو امكانية فعلية لتنفيذ هذه المشاريع، وتمثل الشركة الكورية تراك للتطوير أفضل مثال، وموقع الشركة الالكتروني يبين ذلك بكل وضوح tracdevelop.com فهذه الشركة لم تنجز أي مشروع في كوريا، ولا ذكر لديها ضمن الشركات الكورية، ومع ذلك وقعت في تشرين الأول 2010 مع الهيئة الوطنية للاستثمار في سيئول مذكرة تفاهم لمشروع إسكاني من 100 الف وحدة سكنية، وفي نيسان 2011 صادق رئيس الوزراء المالكي في سيئول على نموذج المدينة الجديدة المزمع بنائها، وفي تموز 2011 تقوم تراك مع شريكتها الأمريكية هيل انترناشنال بزيارة موقع المشروع في البصرة، و في شباط 2012 يقام مؤتمر في سيئول حول المشروع يحضره رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، لكن تلغي هيل انترناشنال علاقتها بالمشروع، ويصرح ارفن ريتشارد مؤسس الشركة ان سبب ذلك يعود إلى عدم امتلاك تراك أي خبرة في تطوير الإسكان، والحكومة العراقية لا تمتلك الاموال الكافية وان شركته، أي هيل انترناشنال، لم تكن خبيرة في هذا المجال، ومع ذلك وقعت هيل انترناشنال في تشرين الثاني 2013 عقدا مع محافظة البصرة لمدة ثلاث سنوات بقيمة 54 مليون دولار لوضع الخطة الاستراتيجية للبصرة 2040.
وتقوم شركة تراك مع الراجحي في تركيا، بتأسيس شركه تراك الراجحي الشرق أوسطيه في نيسان 2012، ومرة اخرى تجتمع تراك مع الهيئة الوطنية للاستثمار في سيئول في كانون الثاني 2013 حول مشروع البصرة. وفي نيسان 2013 يتم توقيع عقد مدينة البصرة الجديدة بحضور رئيس الوزراء المالكي مع شركة تراك ويعلن المالكي ان المشروع تم بتمويل من مصرفين، سعودي و اماراتي، بفائدة 6 بالمائة وقيام مجلس محافظة البصرة بتخصيص مبلغ 390 مليار دينار للبنية التحتية للمشروع، وتتشكل لجنة مشتركة بين شركة تراك والحكومة المحلية في البصرة في تشرين الأول 2013، وتصادق الهيئة الوطنية للاستثمار على المخطط الرئيسي لمدينة البصرة الجديدة في شباط 2014، وتعرض شركة تراك المشروع في معرض بغداد الدولي وبحضور رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار الدكتور الاعرجي في تشرين الأول 2014، ولا شيء بعد ذلك عن انجاز المشروع ومن جميع الاطراف وكأنه لم يرى النور ولا نعلم هل اشترى احد من المواطنين شقق سكنية في المشروع. ونتفاجأ بقيام شركة تراك بعقد اجتماع مع وزير الاعمار والإسكان في 6 اب 2015 للقيام بمشاريع مشتركة، وتوقيع محافظة ذي قار مذكرة تفاهم مع تراك بقيام شركات كورية وصينية بتطوير البنية التحتية. وتتعجب لماذا لم يكتشف أي من المسؤولين اعلاه معرفة حقيقة شركة تراك وما السر في نجاح هذه الشركة وغيرها من الشركات في خداع مسؤولينا.
سابعا: نعتقد بإمكانية انجاح مشروع بسمايه وخاصة اذا تولت المصارف العراقية وبالتعاون مع مؤسسات وجهات ذات خبرة في التطوير العقاري على تسويق وادارة المشروع، لأن المصارف العراقية هي صاحبة الاستثمار الاعظم في المشروع ومن مصلحتها ضمان استرداد تمويلها العقاري لان كيان هذه المصارف ستكون على المحك، وقد يكون من الافضل عدم المغامرة في مشروع ضخم كبسمايه مرة اخرى، لان فشل المشروع وارد في كثير من حلقاته ويؤدي هذا الفشل لانتكاسة كبيرة في سياسة الإسكان، لذلك فان القيام بتطوير مشاريع يبلغ حجمها ما بين ألف إلى عشرة الاف وحدة سكنية موزعة على مناطق مختلفة في العراق، سيكون اجدى لإمكانية تمويلها بشكل افضل، وهي سوف تشجع شريحة واسعة من المستثمرين والمطورين العراقيين إضافة للأجانب بالمساهمة فيها من دون الخوف من مخاطر الخسارة الكبيرة، ويسهل أيضا في بيع هذه الوحدات.
ولأهمية مشروع بسمايه الإسكاني فمن الضروري توفر مواصفات اساسية فيه تساهم في جعله جاذبا للمشترين وهم في الغالبية ذوي دخل محدود ومن الطبقة الوسطى أو الفقيرة، ولعدم توفر المعلومات الفنية الكافية عن مواصفات المشروع، اقترحُ تضمين المشروع المواصفات التالية ان لم يكن متضمنا فيها: ان يكون العزل الحراري للوحدة السكنية جيدا، وان تكون جميع الجدران الخارجية وسقوف الطابق الاعلى في أي مبنى معزولة حراريا خاصة وان جميع القواطع هي من الكونكريت مسبق الصب. وبسبب اجواء المنطقة الحرارية وعدم توفر التبريد والتدفئة المركزية في المشروع بسبب الكلفة العالية حسب ما ذكرته الهيئة الوطنية للاستثمار، فمن الضروري توفر تسهيلات تُمكّنُ مالك الوحدة من ربط اجهزة التبريد والتكييف والتدفئة لاحقا ومن دون تشويه لواجهة المجمع، وتوفير نقاط الربط الكهربائي الملائمة ونقاط الماء لأجهزة التبريد ولإرشاده لأفضل السبل لتحقيق ذلك، وإلا فإن المشروع سيواجه فشلا ذريعا من هذه الناحية، وتسهيل استخدام الغاز في تسخين المياه والتدفئة والذي سوف يُوَصّلُ مركزيا للوحدة حسب وعد الهيئة.
ومن المهم استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في المجمع وخاصة ان شركه هانوا لديها أكبر مجمع عالمي لتصنيع اللوحات الشمسية وتدعى كيو سيل، واستخدام هذه الطاقة الكهربائية لتجهيز جميع المناطق المشتركة في البناية وللمجمع وربطها بشبكة الكهرباء الخاصة بالمجمع، إضافة لاستخدام الطاقة الشمسية لتسخين المياه وللتدفئة ان أمكن. واهمية ان تكون الإضاءة في كامل المشروع ومن ضمنها اضاءة الشوارع باستخدام مصابيح الليد (LED – light-emitting diode) لأنها تستهلك طاقة كهربائية قليلة جدا، ومن الضروري توفير مواقف كافية للسيارات وبواقع موقف واحد للوحدة الصغيرة وموقفين للوحدات الكبيرة، إضافة إلى مواقف للزوار لا تقل عن عشرة بالمائة من مجموع المواقف لكل حي، وبناء مواقف متعددة الطوابق ان لم يتوفر هذا العدد من المواقف في المخطط العام للمشروع، لأن عدم توفر مواقف كافية سيتسبب بمشاكل مستديمة في المجمع، مع امكانية جعل المواقف مسقفة. وبسبب بُعد المجمع عن بغداد فمن الضروري توفير متنزهات خضراء كافية لساكني المجمع واطفالهم، وتسهيل النقل الجماعي داخل المجمع وخارجه وعمل شبكه طرق تربط المجمع إلى المحافظات الاخرى لتخفيف الزحام المروري المتوقع مع اهمية عمل دراسة للحركة المرورية داخل وخارج المجمع، والتأكد من فتح المدارس والمستوصفات والمراكز الاخرى مع بداية تسليم الوحدات، لطمأنة المواطنين ان المشروع متكامل. إن إعلان مواصفات الوحدات السكنية إضافة لما اقترح اعلاه وغيرها من المقترحات الإيجابية والتي سوف تعتمد من قبل المطور، ستساهم في رفع القيمة السوقية لهذه الوحدات السكنية وتشجع على تسويق الوحدات وسرعة بيعها، مما يضمن سهولة استرداد المصارف للتمويل الكبير الذي ساهمت به في المشروع مرغمة.
وختاما من الضروري مراجعة خطط وسياسة الإسكان العقاري وإبعادها عن الصراعات والمزايدات السياسية، ووضع تصور واقعي لمشاريع الإسكان يمكن تنفيذها من قبل المستثمرين من داخل وخارج العراق وتقديم التسهيلات الحقيقيه لهم، ومن المفيد عقد مؤتمرات للإسكان تساهم فيها وزارة التخطيط والإسكان وهيئة الاستشاريين في مجلس الوزراء والهيئة الوطنية للاستثمار وهيئات الاستثمار للمحافظات والمصارف العراقية والمكاتب الاستشارية وخبراء تخطيط المدن والتطوير العقاري، وخاصة ان الحاجة الفعلية للوحدات السكنية والعمرانية قد زادت بعد التدمير الكبير في مناطق ومدن شمال وغرب العراق وسيطرة داعش على أجزاء مهمه منها، والتي يجري تحريرها، وهي في أمسّ الحاجه للتعمير وإسكان مهجريها.
(*) أكاديمي , وخبير في الهندسة الكهربائية والاكترونية مقيم في الإمارات
شبكة الاقتصاديين العراقيين.10 شباط 2017
http://iraqieconomists.net/
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha