حول مبادرة التحالف الوطني والتي سيتم إطلاقها تزامناً مع تحرير الموصل والمسمّاة (التسوية الوطنية)
حسين العادلي/ مستشار لجنة المصالحة الوطنية
مفتتح
1- مبادرة التحالف الوطني تأتي في وقت تنعدم فيه المبادرات الشاملة والممكنة والواقعية، وعليه فهي فرصة تاريخية يجب توظيفها، سيما وأنها مورد اجماع قوى التحالف، وهي بشراكة تامة مع بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، ومراكز القرار الإقليمي والدولي على علم ودعم لها، وهذا يعني: أنها تتمتع بالشرعية والدعم، وهي جادة ومسؤولة لا يمكن التنصل عنها واعتبارها مبادرة مناورة أو تسويف.
2- التسوية الوطنية تمثل توجهاً حاسماً للحكومة العراقية والتحالف الوطني للتعاطي ومرحلة ما بعد داعش على وفق مقتضيات والتزامات مشروع سلام شامل وشراكة كاملة مع جميع مكونات وقوى الدولة الراغبة بطي صفحات الماضي والبدء بمرحلة جديدة. وهي رسالة جادة مفادها: أنَّ الحكومة وقوى التحالف ليسا بصدد فرض الأمر الواقع أو إبقاء الواقع على ما هو عليه أو اعتماد سياسة كسر الإرادة وفرض الحلول، بل هي رسالة تفيد بتحرير الإرادات صوب وحدة الإرادة الوطنية، وأنَّ السلام لا الإنتقام هو مآل الصراعات.
3- مبادرة التسوية الوطنية من أكثر المبادرات جدية وشمولاً منذ انطلاق مشاريع المصالحة، فهي ترتكز على أربع ميزات: الرؤية والخطة والشراكة الأممية والضمانات، فهي ليست إطار مبادىء، بل رؤية شاملة لمعالجة جميع القضايا الخلافية، وخطة تنفيذية للتسوية، وشراكة تامة مع بعثة الأمم المتحدة (يونامي)، وضمانات تنفيذ.
4- التسوية الوطنية تمتاز بعراقيتها إرادةً وتخطيطاً وتنفيذاً،.. هي نتاج عراقي بامتياز، استعان بالأمم المتحدة للمساندة والتسويق وتوفير عنصر الضمانات، وليست حلاً خارجياً يفرض على الداخل العراق، بمعنى هي ليست طائفاً جديداً (حل خارجي يفرض على الداخل).
5- التسوية الوطنية هي مبادرة التحالف الوطني، وصيغتها الملزمة ستكون بعد مرحلة التفاوض بين ممثلي المكونات والأطراف العراقية، هي حالياً إطار مبادىء وخطة تنفيذ سيتمخض عنها بنود واتفاقات الأطراف التي ستشكل نص التسوية النهائي المشمول بالضمانات.
6- مبادرة التسوية الوطنية نتاج جهد طويل وتراكمي قامت به لجنة متابعة وتنفيذ المصالحة الوطنية بالتعاون واليونامي وشخصيات سياسية مرموقة، فلا يحق لجهة سياسية احتكار إنتاجها أو حصر ملكيتها. أيضاً، ليس لمبادرة التسوية الوطنية علاقة بالجو الإنتخابي أو بالحسابات السياسية لهذا الفريق السياسي أو ذلك. مبادرة التسوية الوطنية عراقية وطنية مسؤولة تريد أن تجعل السلام والشراكة والتعايش المشترك خياراً وطنياً يُصار إليه وسط الخيارات الكارثية المتوقعة.
جوهر التسوية
لكل وثيقة جوهراً وشكلا، وعلى الفرقاء الوطنيين التركيز على جوهر التسوية الوطنية، ومن الحكمة الوقوف عند مفاصل التسوية ومرتكزاتها الأساس والبناء عليها وليس الوقوف على القضايا الفرعية أو الشكلية. إن جوهر التسوية يستند إلى:
1- اعتماد تنوع قوى الإتفاق، فالتسوية الوطنية وسّعت من قاعدة القوى المشمولة بالحوار والإتفاق، وقالت بالتفاهم مع كل القوى الفاعلة في المجتمع العراقي على تنوعها سواء كانت داخل أطر الدولة او العملية السياسية أو خارجها بما فيها الوجودات السياسية والدينية والمجتمعية والمعارضة والجماعات المسلحة وضمن سقف الدستور (استثناء حزب البعث وداعش وكل كيان إرهابي وتكفيري وعنصري)، باتجاه اتفاق تاريخي يُعقد مع ممثلي هذه الأطراف التي تمتلك المقبولية والتأثير على الأرض.
2- اعتماد مبدأ وحدة الرؤية والتمثيل لجميع الأطراف، فجميع الأطراف مطالبة بتقديم رؤية شاملة إضافة الى تمثيل رسمي لممثلي المكونات والأطراف العراقية للدخول بمسار تفاوضي يفضي الى حل شامل وملزم.
3- اعتماد مبدأ العقد السياسي تحت سقف الدستور، والذي سيشتمل على جميع ما يتفق عليه من الملفات الخلافية المتصلة بقضايا الأرض والسلطة والثروة والهوية وعموم قضايا الدولة المراد الإتفاق على ملفاتها تفاوضياً.
4- اعتماد المبادرة لمبدئي المصالحة والإصلاح معاً، فمبادرة التسوية الوطنية هي ليست فقط لانهاء الخلاف على قضايا الدولة بل تسعى لإعادة بناء الدولة بشراكة عادلة وتامة لضمان استمرارها وتقويتها في وجه تحديات الإرهاب والتقسيم واللا أمن واللا عدالة واللا محاسبة واللا استقرار واللا تنمية والفساد والفوضى.
5- اعتماد المبادرة لدولة المواطنة والمؤسسات كنموذج نهائي للدولة، فالتسوية الوطنية تنطلق من حقيقة واقع الإنقسام المكوناتي للمجتمع والسلطات الحاصل اليوم، وترسم مساراً يقود الأطراف الى حلولٍ تفضي للقضاء على الإنقسام المكوناتي نحو دولة المواطنة والمؤسسات.
6- اعتماد مبدأ التسوية الشاملة، وليست الحلول المبتسرة أو الإرضائية أو الإبتزازية أو الإجهاضية أو الترقيعية أو التسويفية أو المتحللة من مسؤوليات الرفض أو القبول.
7- اعتماد مبادىء اللاغالب واللامغلوب وتصفير الأزمات ورفض استخدام العنف سياسياً، وهي مبادىء أساسية لتسوية حقيقية راسخة ومورد قبول الجميع.
8- اعتماد خطة بمراحل خمس تبدأ بحسم الرؤية والتمثيل، وتنتهي بالتفاوض الشامل المفضي الى اتفاق نهائي يصادق عليه عراقياً حكومة/مجلس نواب، مع مباركة لمرجعيات دينية ودعم وضمانات اقليمية ودولية.
9- اعتماد الشراكة الأممية، فالمبادرة أشركت الأمم المتحدة بالدعم والمساعدة لتيسير وتسويق التسوية داخلياً وإقليمياً ودوليا، وأدخلتها رسمياً على خط الضمانات والإلزام بتنفيذ التسوية. وأدخلت أيضاً على خط الضمانات جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والإتحاد الأوربي والدول المؤثرة.
ثوابت مبادرة التسوية
لكل مبادرة ثوابت تستندها كأساس تقوم عليها الإتفاقات والإلتزامات المتبادلة المنتجة لاتفاق التسوية، وأهم ثوابت هي:
1- الإلتزام بوحدة العراق ورفض تقسيمه تحت أي ظرف.
2- الإعتراف الملزم بشرعية النظام السياسي بعد 2003م.
3- إصلاح العملية السياسية وتعديل الدستور ومؤسسات الدولة يتم تفاوضياً وعلى أساس من الإعتراف بشرعية النظام السياسي وسقف الدستور وآليات تغييره.
4- تحميل حزب البعث والنظام الصدامي المسؤولية الكاملة عن جرائم فترة حكمه دون تحميل المسؤولية لأي مكوّن عراقي.
5- تحقيق مطالب الإصلاح وفي مقدمتها بناء دولة المواطنة والمؤسسات، وتحرير الدولة وكل مؤسساتها من نظام المحاصصة العرقية والطائفية إلى نظام الإستحقاق السياسي على وفق معايير الكفاءة والمهنية والنزاهة.
6- سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة وعدم السماح بوجود كيانات مسلحة أو ميليشيات خارج إطارالدولة، ومواجهة الخارجين عن القانون دونما تمييز.
7- رفض جميع أشكال التغيير الديمغرافي ومعالجة جميع آثاره سابقاً ولاحقاً، والعمل على عودة النازحين والمهجرين الى ديارهم.
8- الالتزام بتوفير حماية تشريعية ومجتمعية لجميع الأقليات العراقية على تنوعها الديني والقومي والطائفي، وعدم ممارسة الاقصاء او التهميش او العدوان عليها، وضمان تعويضها وارجاعها الى مناطق سكناها، واحترام خصوصياتها الدينية والمدنية.
9- تجريم الطائفية والتكفير والتحريض الطائفي والعنصري، والإلتزام بالتعايش وقبول الآخر، ونبذ ومحاربة الإرهاب والجريمة، والإحتكام الى الحوار والآليات الديمقراطية والقانونية لتحقيق المصالح بعيداً عن العنف أو الإحتكام الى السلاح.
10- تعزيز وتيسير الاصلاح السياسي والاقتصادي والقضائي والأمني والتعليمي والحكم الرشيد والشفافية مع ايلاء اهتمام خاص لمحاربة الفساد بما في ذلك المحسوبية السياسية والمحاصصة والمحاباة.
11- الإلتزام بالدفاع عن مصالح العراق العليا ووحدته وسيادته إزاء التدخلات الخارجية، والإلتزام بإبعاد العراق عن ساحات الصراع الإقليمي والدولي وعدم تدويل ملفاته، وأن تُحدد علاقاته ومصالحه مع دول الجوار والعالم على ضوء تبنيها ودعمها لمشروع التسوية الوطنية.