مع احتدام الجدل بين الكتل السياسية، وبخاصة المؤثرة في المشهد العراقي حول التوجهات العامة للسلطتين التشريعية والتنفيذية حيال مختلف القضايا الخاصة بمسار العملية السياسية، تدخل مناقشة قانون الموازنة العامة في العراق لعام 2014 جلساتها الحاسمة تحت قبة البرلمان، بعد أن تنامت شدة الخلافات حول طبيعة فقراتها منذ ارسالها من الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى رئاسة مجلس النواب، وبالاستناد إلى التسريبات ضيقة الحدود التي أعلنتها اللجنة المالية النيابية، فإن إجمالي التخصيصات المالية المقترحة لقانون الموازنة العامة يصل إلى أكثر من ( 174 ) تريليون دينار عراقي، وهو ما يعادل ( 160 ) مليار دولار امريكي، خصص منها ما نسبته ( 63 % ) إلى أغراض (النفقات التشغيلية)، في حين لم تتجاوز تخصيصات (النفقات الاستثمارية) في هذا القانون حاجز الـ (36%) من القيمة الكلية للموازنة العامة التي تزامنت عملية البت في إقرارها مع اقتراب الانتخابات النيابية العامة التي من غير المستبعد استثمارها وتوظيفها من بعض الكتل السياسية لأغراض تتعلق بالدعاية الانتخابية في نهج مرفوض شعبيا؛ لما يحمله من معان وتوجهات من شأنها الإضرار بالعملية السياسية وتحجيم التجربة الديمقراطية الفتية التي دفع من أجلها شعب العراق تضحيات جسام، أثبتت تجربة السنوات الماضية غيابها عن أجندة بعض النواب.
ومثلما أفضت إليه طبيعة بناء قوانين الموازنة العامة الخاصة بالأعوام الماضية، كان أبرز ما يميز موازنة العام الحالي المقترحة هو زيادة نسبة النفقات التشغيلية على حساب الحصة المقترحة للنفقات الاستثمارية، ما يفرض على كاهل السلطتين التشريعية والتنفيذية النظر بجدية إلى ضرورة البحث في مهمة ردم الهوة الواسعة بين تخصيصات الموازنة العامة بشقيها التشغيلي والاستثماري، فضلا على العمل على زيادة نسبة النفقات الاستثمارية؛ بغية توافقها مع حاجة البلاد إلى مشروعات البناء والإعمار والخدمات البلدية والاجتماعية التي ينبغي أن تتضمنها استراتيجية التنمية الوطنية من أجل إقامة وتأهيل بنى البلاد الارتكازية التي تعرضت أغلب موجوداتها إلى الانهيار بفعل جسامة التداعيات التي أحدثتها سنوات الحروب والعقوبات الدولية التي عاش تحت وطء شدتها شعب ما يزال يضغط على جراحه وهو يواجه العمليات الإرهابية وغيرها من التحديات المحلية والإقليمية والدولية. ومما يلفت الانتباه أن الخط البياني لحجم النفقات التشغيلية من إجمالي قوانين موازنات الأعوام المنصرمة في تصاعد مستمر منذ عام 2003 م؛ بالنظر لطغيان عقدة الصفة الاستهلاكية على الفعاليات التي تعكس توجهات وزارات الدولة ودوائرها، فضلا على غياب المؤسسات الانتاجية التي بوسعها أن تشارك إيجابيا بإضافة موارد إلى الدخل في ظل الحاجة إلى زيادة تخصيصات الفعاليات الاستثمارية وتوظيفها بتخطيط علمي منظم يتيح للقيادات الإدارية إمكانية توجيه إدارات مختلف القطاعات الانتاجية لتنمية مواردها وتطوير كفاءة ادائها.
إن مهمة دعم المشروعات الاستراتيجية والتنموية في العراق الذي يتميز بتشتت قدراته، وتهالك القسم الأعظم من بناه التحتية تستلزم رصد تخصيصات مالية كافية لتأهيلها وتحديث قدراتها المادية والبشرية والفنية والتقنية، بغية المساهمة في ممارستها الخيارات المتاحة، واستثمار ما تملكه من عوامل بوسعها التأثير في مهمة تدعيم الاقتصاد الوطني، ما يجعل الأمر منوطاً بالقيادات الإدارية للشروع في بحث وتحليل تجارب عمل السنوات الماضية عبر الاعتماد على مراكز الدراسات والبحوث والمتخصصين في ميادين التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومثقفي البلاد وسياسييها، فضلا على الاستعانة بوسائل البحث العلمي وآلياته من أجل تلمس نقاط الضعف في موازنات الأعوام الماضية وسبل تفادي ما يترتب عليها من أخطار، بغية الارتقاء بسبل إقامة مشروع قانون الموازنة الاتحادية حاضراً ومستقبلاً بما يضمن فاعلية مضامينها الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب تخصيص الجزء الأكبر من قدراتها لأغراض النفقات الاستثمارية، بوصفها المعيار الحقيقي الذي يتوافق مع التوجهات الخاصة بإقرار التنمية المستدامة التي تشكل الركيزة الأساس في عملية تحقيق الاستقرار المالي والتنمية الاقتصادية، علاوة على ضمان صحة الرؤى الطموحة في مهمة اللحاق بركب العالم المتمدن بعد سنوات الحروب والعزلة والتخلف.
4/5/140225 تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha