تسعى معظم بلدان العالم لتقديم مختلف انواع الدعم من اجل تنمية وتطوير صناعتها الوطنية وجعلها احد مرتكزات اقتصادها الوطني .وهناك جملة من السياسات والادوات المستخدمة في هذا المجال : منها...
تسعى معظم بلدان العالم لتقديم مختلف انواع الدعم من اجل تنمية وتطوير صناعتها الوطنية وجعلها احد مرتكزات اقتصادها الوطني .وهناك جملة من السياسات والادوات المستخدمة في هذا المجال : منها توفير البنية الارتكازية من طرق ومواصلات وطاقة كهربائية ومياه واتصالات، وكذلك تقديم الاعانات المالية المباشرة والاعفاءات من بعض الضرائب والرسوم ،فضلا عن معاملة المنتجات المحلية معاملة تفضيلية
في المشتريات الحكومية بالمقارنة مع المنتجات الاجنبية وتسهيل توفير مستلزمات الانتاج وبعض الخدمات . ومعلوم ان مثل هذا الدعم يساهم في رفد السوق المحلية بالسلع والخدمات ويولد الدخول وتشغيل الايدي العاملة العاطلة فضلا عن تنويع النشاط الاقتصادي ومعالجة التشوه الحاصل في بنية الاقتصاد العراقي ..وتجدر الاشارة الى ان معظم هذه السياسات كانت مستخدمة خلال الستينات والسبعينات . الا انه منذ سقوط النظام السابق في عام 2003 غابت جميع السياسات والادوات المذكورة عن التطبيق بذريعة متطلبات اقتصاد السوق والمنافسة وبذلك اهملت الصناعة المحلية بشكل كامل رغم الظروف الصعبة التي تواجه هذه الصناعات وكذلك الاقتصاد الوطني بشكل عام ، الامر الذي ادى الى اغلاق العديد من المصانع الحكومية والاهلية على حد سواء .
ورغم الدعوات المتكررة في الصحف المحلية وكذلك الندوات والمؤتمرات العلمية لم يحدث اي تغيير يذكر في هذا المضمار وكأن الامر لا يعني الحكومة والجهات الاقتصادية المعنية .ان مثل هذا الاهمال المتعمد يمكن ان يفسر بعوامل عديدة : منها غياب الرؤيا الاقتصادية السليمة وضعف الشعور بالمسؤولية في هذا المجال ، الى جانب تاثيرجماعات الضغط المختلفة وخاصة المصالح التجارية (المحلية والاقليمية ) وبعض النواب والسياسيين المرتبطين معهم . لهذا فقد انتشر النشاط التجاري بشكل جنوني وتوسع ليشمل كل انواع السلع على حساب اختفاء النشاط الصناعي وحتى الزراعي في البلد .وقد اصبح اللوبي التجاري من القوة بحيث يستطيع الوقوف بوجه جميع المحاولات الرامية الى تحريك النشاط الصناعي . وهذا مايفسر تعثر تطبيق قانون التعرفة الجمركية لمرات عديدة بعد الاعلان عن موعد تطبيقها .
والجدير بالاشارة ان العديد من الدول المجاورة تقدم مختلف انواع الدعم لصناعاتها الوطنية وخاصة تلك المتوجهة للتصدير للسوق العراقية مستفيدة من السوق المفتوحة على مصراعيها وغياب او ضعف الرقابة والسيطرة فضلا عن استشراء الفساد الاداري والمالي في المنافذ االحدودية . وعلى سبيل المثال ما تقدمه الحكومة الايرانية من دعم للصناعات وخصوصا التي تصدر منتجاتها الى العراق ومن ابرزها منتجات الصناعات الانشائية كالسمنت والطابوق والبلوك الخ . وتشمل وسائل الدعم الاعانات المالية المباشرة والاعفاءات من بعض الضرائب والرسوم . والمعروف اقتصاديا ان هذه المنتجات تعد غير ملائمة للمتاجرة ، وخاصة الطابوق كونها ذات حجوم كبيرة وبالتالي ذات تكاليف نقل مرتفعة . لكن الاعانات السخية ووسائل الدعم المختلفة ساعدت على تخفيض اسعارها وجعلتها منافسة للمنتجات العراقية المماثلة . العراقية المماثلة والتي لا تحصل على اي نوع من الدعم والتسهيلات .،
والجدير بالاشارة هو انه بالرغم من البيئة غير المواتية للمصانع العراقية والتي ذكرت انفا فهنالك حالات قليلة استطاعت فيها بعض المصانع العراقية من تجاوز هذه الظروف السلبيةوشق طريقها نحو النمو والتطور .وعلى سبيل المثال ما حصل في الشركة العامة للسمنت العراقية (احدى شركات وزارة الصناعة والمعادن )حيث حققت خلال العام 2013زيادة كبيرة ونسب تطور في الانتاج والمبيعات لمعاملها الاربعة ، وهي الفلوجة وكركوك والقائم وكبيسة ،مقارنة بما تحقق خلال العام السابق 2012 .ففي تصريح للسيد ناصر ادريس ،مدير عام الشركة ، بان اجمالي كميات السمنت المنتج بلغت نحو2.4 مليون طن وبنسبة نمو نحو 155% وازدادت المبيعات بحوالي نفس المعدل المذكور .وبطبيعة الاحوال فقد انعكس هذا الوضع الايجابي على حجم الارباح المتحققة (*) .
وقد استطاعت الشركة تحقيق هذه النسب المرتفعة من الانتاج والتسويق رغم استمرار مشكلة اغراق السوق المحلية بانواع مختلفة من السمنت المستورد وخاصة السمنت الايراني المدعوم من الحكومة الايرانية .ومما ساعد على هذا الانجاز عمليات التأهيل للمصانع المذكورة التي تقوم بها الشركة وتوفير المحطات الكهربائية،فضلا عن تخفيض اسعار البيع للسمنت المنتج بمبالغ تتراوح بين 5-10 الاف دينار للطن الواحدعن سعر بيع مثيلاته المستوردة (باستثناء السمنت الايراني الذي يباع باسعار متدنية جدا . .والى جانب العامل السعري هذا فقد سعت الشركة ايضا للمحافظة على مستوى الجودة و النوعية المطابقة للمواصفات القياسية والتي مكنتها من الحصول على شهادة الجودة العالمية. ان هذا المثال الواضح لنجاح هذه الشركة في مواجهة تاثيرات المنافسة غير المتكافئة يجب ان يحفز الحكومة على التوجه نحو دعم هذه الشركة والشركات الاخرى لمساعدتها البقاء وعلى النمو والتطور وتحسين النوعية
خدمة للصناعة الوطنية والتنمية المستدامة .
(*) انظر :السمنت العراقية : حققنا زيادة في الانتاج بنسبة153% في معاملنا الاربعة ، جريدة المدى العدد3986،الثلاثاء 2014 .
تحرير علي عبد سلمان 21/5/140223
https://telegram.me/buratha