دراسات

التنمية وآفاق تطور الديمقراطية في العراق ..

3944 07:40:00 2014-01-15

 

 

يبدو ان موضوعة التنمية باشكالها المختلفة الاقتصادية منها والاجتماعية ربما تكون اكثر فعالية في النظم الديمقراطية واقل تاثيرا في النظم الدكتاتورية او الشمولية القائمة على مبدأ الفردية الذي يتخذ من مركزية الدولة وسيلة لتظليل الراي العام وتبرير هيمنته على اقتصاديات وثروات البلاد فمقولة المركزية في ادارة اقتصاديات البلاد لها جابنان مختلفان في ظل نوعية نظام الحكم السياسي السائد ففي الدول التي قطعت شواطا بعيدا في بناء الاشتراكية ربما تكون مركزية الدولة مهمة واساسية فعلى ضوء تجربة الاتحاد السوفيتي السابق وبقية البلدان الاشتراكية فان قطاع الدولة قد لعب الدور الاساسي في بناء تنمية اقتصادية واجتماعية غاية في الاهمية الا ان المشكلة الرئيسية بالنسبة لهذه البلدان كانت تكمن في وسائل الادارة السائدة انذاك، فقطاع الدولة الذي لم ينفرد في ادارة الاقتصاد وانما اعتمد ايضا على القطاع التعاوني لم يوفق في تحقيق الترابط المطلوب بين التنمية وحاجة المجتمع للخيرات المختلفة فضلا عن شيوع البيروقراطية القاتلة وانتشار الفساد في مرافق الانتاج وحرمان اوسع قطاعات الشعب منه بممارسة حرية العمل والثقافة والنشر اما في ظل المجتمعات التي تحكم من قبل فرد واحد او مجموعة ذات بعد شمولي او دكتاتوري فان التنمية هنا تقتصر فقط على ما يحقق من مكاسب للواجهة السياسية من بينها اشعار عموم الناس بان البلد يتطور في ظل قيادته الحكيمة ولذلك يمكن بهذه الطريقة امتصاص النقمة الشعبية بعدم انتقالها الى مراحل متقدمة ربما تصل الى حد الثورة هذا النهج سار عليه صدام حسين الذي حصر موضوع التنمية في خانة المساومة على ابقاء حكمه قائما مع وجود الاضطهاد الجماعي، الديمقراطية نظام سياسي يفتح افاقا واسعة امام تطور مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير بل ويحقق مجالات واسعة وشاملة لازدهار القطاعات الاخرى وخاصة العلم والثقافة اضافة الى الحرية بانواعها المختلفة الفردية والجماعية، هنالك اسلوبان للتنمية اولاهما التنمية في ظل نظام يعادي التيارات او الاحزاب السياسية او الحركات الشعبية ويتجنب افساح المجال لممارسة دورها في المجتمع وبذلك يحرم الناس من المشاركة في بناء وضع اقتصادي لائق بهم او تنمية واسعة يشاركون فيها ويفضل الانفراد بها لوحدها وعلى هواه، اما الاسلوب الاخهر فهو كل شيء يعتمد على المنهج الديمقراطي في الحكم اي بمشاركة كافة الناس في صياغة الوسائل الكفيلة بانعاش وتحريك قضايا المجتمع وخاصة الجانب الاقتصادي والعراق واحد من الامثلة التي بدأت تتبلور تدريجيا باتجاه بناء مجتمع ديمقراطي واضح المعالم ولكن الواجهات السياسية المتصارعة او المتآلفة لم تتوجه لحد الان باتجاه تثبيت اسس المجتمع الديمقراطي الجديد فمعظم الاحزاب والحركات السياسية في عراق اليوم مشغولة في خلافات ومناكفات بعيدة كل البعد عن روح المنافسة الديمقراطية، ان اول شرط في الديمقراطية التي نعرفها عن كثب هو موافقة الاطراف السياسية العراقية على كون البرلمان مؤسسة سياسية اجتماعية اختار الشعب اعضاءها لمراقبة اداء الحكومة وسن القوانين والاجراءات التي تتعلق بالمصالحة وعلى الهيئة التنفيذية ممثلة بالحكومة تنفيذها من جهة واقتراح الطرق والوسائل الكفيلة بتطوير البلد من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وان هذا البرلمان يجب ان يخضع لمنطق الاغلبية ويحترم رأي الاقلية فالاكثرية هي التي تقود موكب الحكومة لتنفيذ سياسة الدولة، اما الاقلية فتقوم بدور الرقيب والمحاسب والناقذ لاي ظاهرة او فعل تقوم به الحكومة خارج اطار الخطط التنموية قصيرة او متوسطة او طويلة المدى، ان بعض اعضاء البرلمان العراقي لم يترفعوا بعد الى مستوى ادراك اهمية وظائفهم الاجتماعية على الادلاء بارائهم المتضاربة وربما الانتهازية لايهام الشعب بانهم اكثر حرصا على سلامة وتطور العراق بغية كسب رضى اكثرية الناس، ان محاولات تسقيط البعض للبعض الاخر تدور امام عدسات التلفزيون والفضائيات وحين تعترض على ذلك يواجهونك بالقول «انهم يمارسون الديمقراطية التي كما يقولون قد بدات تغزو العراق. هم من جهة يعترفون بفضل الديمقراطية عليهم ومن جهة اخرى يبتعدون عنها من خلال الممارسات الخاطئة وكأن الديمقراطية سمحت لهم بالتشنيع او فضح الاخرين. الكلام حول حقهم الديمقراطي بمهاجمة الاخرين باشنع العبارات وامام الفضائيات كلام يبتعد عن حقيقة الممارسات الديمقراطية فمندوب الحزب الجمهوري في البرلمان البريطاني مثلا يعتبر ساحة البرلمان هي الساحة الحقيقية والاوسع لوصول صوته لعموم الناس وهو يترفع عن الاداء بتصريحات نارية او ذات اغراض شخصية او فضائحية مهما تعقدت العلاقات السياسية مع الجهات الاخرى او مغايرة منهج الحكومة امام وسائل الاعلام الا ماندر وكذا الحال بالنسبة لمثلي حزب العمال. ان على النواب العراقيين ان يدركوا جيدا بان ساحة البرلمان هي الساحة الحقيقية لاستيعاب ارائهم المختلفة واذا اراد احدهم تسليط الضوء على قضية او فضيحة او تصرف ما يتعلق بزملائه او بالحكومة فعليه ان يطرح ذلك في البرلمان ولا يذهب الى وسائل الاعلام كالفضائيات للتشهير باخرين حتى وان كانوا مذنبين. ان الديمقراطية ليست نظاما منفلتا وانما هي نظام منضبط يقوم على اساس الحجة والوثيقة والقانون ولكن ينبغي مناقشة كل ما يتصل بذلك تحت قبة البرلمان، اولا واخيرا وهذا ما ينطبق على الشركاء السياسيين في الحكومة ايضا فلا يمكن تصور ان احدا ما يشغل مركزا حكوميا متقدما كان يكون نائبا لرئيس الوزراء او وزيرا يذهب الى الفضائيات لمهاجمة حكومته او مهاجمة رئيس وزارته بينما تجده في اليوم التالي يجلس الى جانب من هاجمه في الامس وكان الامور اعتيادية ومستقرة. هذه الازدواجية الانتهازية لدى بعض المسؤولين اصبحت ظاهرة مألوفة للغاية. فمن يعتقد انه يستطيع كسب رضى الناس له بهذه الطريقة فهو واهم فالعراقيون يعرفون جيدا من هو الصالح ومن هو الطالح ولا تكف تلك التصريحات بتظليل الشعب العراقي لكي يمنحه الثقة. ان بامكان من يتصدى للحكومة وهو جزء منها او يتصدى للبرلمان وهو جزء منه ان يغادر مكانه ويتحول الى موقع المعارض لا ان يصبح في المعسكرين في ان واحد بامكانه ان يطرح اراءه المعارضة للحكومة والبرلمان او حتى العملية السياسية خارج اطار هذه المؤسسات ان كان يعمل فيها والا اعتبر بنظر الشارع العراقي انسانا مزاودا يستغفل الناس ويبحث عن مصالحه الذاتية. ان الديمقراطية الحقيقية ليست كما يتصرف هذا الشخص او امثاله فيحب عدم نقل مطالب وحاجات الشعب الغير متفق عليها بعد الى وسائل الاعلام والمتاجرة بها وتحويلها الى سلاح ضد الدولة او الحكومة او البرلمان حتى وان كانت هنالك العديد من الملاحظات على عمل هذه الجهات. ان تغييب اي امل لتحقيقيها ربما يتم عبر المهاترات الرخيصة والطريق السليم هو طريق المؤسسات المعترف بها وهي البرلمان والحكومة. من لا يشارك في تحمل المسؤولية الوطنية عليه ان يخرج وبعدها يصرح بما يريد ولكن دون تجريح او تجريم للاخرين. هذه الحالة تشمل التصويت على القوانين والخطط الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة فعلى اعضاء البرلمان عدم الانصياع لكتلهم فيما يتعلق بمصالح الناس وحقوقهم حيث يجب عليهم احترام مسؤولياتهم الاجتماعية التي تتطلب منهم ان يكونوا شجعانا في اتخاذ القرار وان يعتمدوا على تفويض الشعب لهم فليس من المعقول العودة الى الكتل في كل قضية تطرح في البرلمان وتحتاج منهم الى قرار حاسم وسريع. ان طبيعة الصراع او الاختلاف السياسي قد اخذت تطغى على قضايا الناس وعليه فان المسؤولية لا تعفي احدا يشارك في العملية السياسية ومن يحاول التملص من المسؤولية انما يظلل الاخرين لانقاذ نفسه. الديمقراطية تفترض ان تكون كافة القوانين والاجراءات في خدمة الناس لغرض تحسين اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وبخاصة وسائل بناء وتطوير التنمية. ان العراق بلد غني وبامكانه ان يكون دولة طليعية في انتاج مختلف انواع الخيرات دون استثناء حيث لديه ثروات طبيعية لا تنضب. فالتنمية الاقتصادية تحتاج الى عقول متطورة وثروات كبيرة مخطط لها ان تكون في خدمة انعاش مرافق الحياة المختلفة كقطاع الزراعة الواعد وقطاع الصناعة وبقية القطاعات الاخرى فالزراعة في العراق قد اصيبت منذ بداية حروب صدام حسين بنكبات لم تنهض منها لحد الان اما الصناعة فحدث ولا حرج حيث اصبح العراق ضمن القائمة الاولى من الدول المستوردة للسلع الاجنبية بسبب تراجع دور القطاع الصناعي الانتاجي. الديمقراطية التي من شانها ان تعالج مشاكل التنمية هي الوسيلة الرئيسية في خلق مقومات الانتقال الى مصاف الدول المكتفية ذاتيا ولكن مع الاسف فان بعض القوى السياسية ربما تريد ابقاءه في دوامة التناحرات العقيمة دون ان يتقدم خطوة واحدة نحو الامام وربما يكون الهدف الاساسي من ذلك هو ادامة الوضع الاستثنائي السائد حاليا في العراق وقد يكون ذلك مرتبطا بمصالح ذاتية ولكن عجلة التطور قد تفرض في يوم ما شروطها على هؤلاء ويبدأ العراق مسيرته الحثيثة باتجاه عملية تطوير وتنمية كافة مرافقه الصناعية والخدمية وبذلك يفقدون الامل في ايقاف عجلة التقدم والتطوير نحو الامام.

15/5/140115 تحرير علي عبد سلمان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك