دراسات

إشكاليات الشهادة والخلود

2639 00:32:00 2013-11-12

الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي المملكة المتحدة - لندن

توطئة:يشكل الفهم التأصيلي للشهادة بإعتبارها أحد أشكال القيم العليا لعملية الانتقال من عالم الوجود المادي إلى عالم التكوين متجاوزاً في الكثير من أحوالها عالم البرزخ لما تمثله الشهادة من تعالٍ كوني يرتبط باللانهائي مباشرة دون الحاجة الى مراحل إنتقالية، بإعتبار ان الشهداء يمثلون طبقة خاصة وفريدة في مجمل العلاقات الكونية.فالإرتقاء عملية تكاملية تنحو نحو التخلص التدريجي من العلاقات المادية ذات الجانب السلبي في عالم الوجود، وصولاً إلى النور الكوني الذي يسعى اليه الشهداء من خلال التضحية بالجسد المادي.من هنا كانت الشهادة فعلاً تأصيليا للإرتقاء، إذ إن قيم التضحية تتجلى في قيمة ما يضحى به، وكما يقال: " فالجود بالنفس أقصى غاية الجودي ". والحسين (ع) في شهادته قد جمع كل عناصر الارتقاء والفرادة، فهو آخر الاسباط، وهو آخر الخمسة من أهل الكساء، وهو آخر أصحاب المباهلة، وهو آخرالمشمولين بآية التطهير من الخمسة.وحين يتم التعرف على كل هذه المفردات تاريخياً وفلسفياً وروحياً ندرك كم كان الحسين (ع) فريداً في فرادته.من المؤسف ان يتم إختزال تاريخ هذه الشخصية العظيمة في حدود العاشر من محرم، في حين أن الموقف الكوني له يتجاوز حدود الزمان والمكان.عناصر الخلود:هل يمكن إعتبار الخلود نتاجاً طبيعيا للتراكم الايجابي للفعل؟ أم انه مجرد إستدراك آني لحدث ما في إيقاعات حركة التاريخ؟ وهل يمكن مقايسة فعل كيان في منبع اللطف الالهي كالامام الحسين بن علي (ع) بغيره؟فقد تصبح كلمة ما سبباً في تخليد إنسانٍ ما، حين يكون لهذه الكلمة عنصر التأثير في حركة الوجود، وقد يصبح فعل إنسانٍ ما خالداً فيخلد به صاحبه، لانه كان مفرقاً أصيلا في مفارق مسيرة الانسانية جمعاء.لقد كانت قضية الامام الحسين عليه السلام تكمن في إرتباطه بالمثل الاعلى (الله)، حيث كان مع الله في كل خطواته كما كان أبيه من قبلُ، وحين يتعلق الامر بالحسين (ع) فان فهم هذه العلاقة يتجلى في تحقيق أعلى مستوياتها، وقد جسد حقيقتها حد الاستشهاد. يقول الحق سبحانه: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعمَ الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحين اؤلئك رفيقاً ". النساء: 69.هنا يكمن معنى الشهادة والسعي الدؤوب في ساحة الطفوف لتحقيق غاياتها فمرافقة النبيين والصديقين لا يتحقق إلا بشروط. وقوله: تعالى شأنه : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاَ بل أحياء عند ربهم يرزقون ". آل عمران:169.ولما كان الخلود يعني مطلق الحياة فكل الاعمال المتعلقة بالخلود سوف تتجلى في مطلق كينونتها، بأعتبار ان الحياة الدنيا تتجلى فيها القيم السلبية والايجابية على السواء، فالقتلة يعيشون جنباً إلى جنب مع الانبياء والصديقين والصالحين في الحياة الدنيا، بسبب معاصرة السلبي للايجابي، في حين الخلود يعني مطلق الحياة، حيث الكمال اللانهائي، ومن هنا فقد قال الله تعالى: " وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وأن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ". العنكبوت: 64.فالحيوان هي مطلق الحياة حيت تتجلى فيها كل القيم الكونية والعلاقات الايجابية في اعلى مستوياتها، وهناك تتحدد المسافات بين الوجودي والكوني في حدود اللانهائي. الإنسان شهيداً:ربما تتشكل العلاقة بين الانسان والوجود باعتباره جزء من حركة الوجود، غير أن هذا التعريف وحده لا يكفي في الموقف الفلسفي، إذ أن الانسان ومنذ بدايات ظهوره صار عنصراً في صناعة حركة التاريخ، وبالتالي لم يتوقف تأثيره على الحدث الآني حين صار ذلك التأثير معنياً بالموقف المستقبلي للانسان على الارض.لاشك ان الانبياء كانوا بشراً مختارين ليحققوا إرادة السماء، لكنهم جسدوا المطلق في قيم العلاقة بين الشريعة وصيرورة الانسان. بإعتبار ان الفعل الإنساني كان بالاصل فعلاً لصناعة الحياة وإعمار الارض. وإذا كانوا يمثلون كمال الشخصية الانسانية فان الاستمرار في السعي للحفاظ عليها كان على الدوام يعني محاولات تخليص الانسانية وإنتشالها من منحدرات الفعل السلبي.وإذا قلنا أن الشهادة أحدى سبل التكامل، فهل ستكون الشهادة إختياراً ذاتياً؟ لعلها نادرا ما تكون كذلك. وهي غير تلك الشهادة المزيفة حين يقرر إرهابي ما أن يدخل الجنة بشروط لا أخلاقية.فالانسان بالاصل لم يخلق ليكون شهيداً بل ليكون صانعا للتاريخ، إلا إذا كانت الشهادة هي السبيل الوحيد لولوج حركة التاريخ حين تتاسقط كل العلاقات الوجودية، وحين ينتهي المنطق إلى حدود الجمود الفكري للمقابل، يظهر الانسان الشهيد ليعيد الامور الى نصابها.***الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيالمملكة المتحدة - لندن11 تشرين الاول 2013م

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك