منذ عشرة أعوام, والعراق يعيش دوامة دموية مستمرة, جعلت من مفهوم المقبرة, ينطبق وبشكل كامل كتوصيف لحال هذا البلد . وعلى الرغم من استلام الحكم من قبل أناس كانوا يوما حاملين للواء المعارضة ضد النظام الذي أوغل في دماء الناس, إلا أن هؤلاء الحكام الجدد أثبتوا أنهم عاجزون تماما عن طرد هذا الموت عن هذا البلد, حتى أن المعركة الحقيقية, تكاد تكون معركة ضد عدو اسمه الموت فقط ; بل وشهد العراق تماديا وجرأة ملحوظة في الاستهانة بأرواح الناس ودمائهم, من قبل طرفين, الأول : العصابات الإرهابية ومن يقف خلفها من أعداء الداخل والخارج; والثاني : هو إهمال رجال السلطة والحكومة والمسئولين الكبار عن الملف الأمني, في إيجاد الحلول الناجعة, والخطط العملية لحل هذه المشكلة .
إزدياد العمليات الإرهابية في هذه الفترة بالذات, حمل مؤشرات مهمة وكثيرة قد لا تظهر الا لمن يتأمل بها جيدا; ساعد في توسعها وقوتها عوامل كثيرة, مجموع هذه العوامل فتح الأبواب وشرعها, لتصول القاعدة وتجول في هذا البلد .
وأول هذه الأسباب, هي الأحداث الإقليمية, وبالأخص منها الملف السوري, والمعارك الأخيرة التي حصلت في هذا البلد, والانتصار الذي حققه محور سوريا إيران حزب الله والى حد ما العراق, وهذا المحور, يمكن أن نطلق عليه المحور الشيعي .
قبالته المحور الثاني المتمثل بـ: الوهابية السعودية, تركيا, قطر و مصر قبل السيسي الى حد ما. ما حصل من أحداث عسكرية واستخباراتية, وما حصل من معارك إعلامية, ومعارك السيطرة على الرأي العام العربي والعالمي, أثبت ومن كل النواحي قوة الطرف الأول المقاوم في هذه الحرب, وهو طرف إيران وحليفاتها .. الأطراف الغربية المشاركة والداعمة في هذه الحرب للمحور الثاني, قد أمسكت بنفسها أن تدخل في معترك حرب, تستنزف منها ما تبقى من ماء وجه العظمة والجبروت, الذي ميزت نفسها به خلال أكثر من نصف قرن, على الرغم من بذلهم لجهود كبيرة, من أجل فوز الطرف السعودي في الحرب.
الدول العربية أو الإسلامية الأخرى مدفوع بدوافع سياسية, وأيديولوجية دينية ومذهبية, دافعهم السياسي الأهم, هو عدم ظهور قوة إقليمية تنافس عملية تسيدهم (المزيفة) للمنطقة ; عاملهم الأيديولوجي الديني المذهبي, هو تبنيهم لفكرة القضاء على المذهب المخالف لهم, وعدم السماح له بالانتشار, أو إمساكه لمفاصل الحكم . عملية الانتصار الأخيرة لأطراف المحور الأول, إضافة إلى انسحاب الولايات المتحدة, كشريك دفاع وسند, للمحور اليهودي السني, وتحول أنظار الإدارة الأمريكية إلى آسيا التي بدأ تنينها الصيني بالنهوض اقتصاديا, موازيا اقتصاد الإمبراطورية الأمريكية. كل هذه العوامل, جعلت الانتصار في هذه المعركة, يزيد من رصيد القوة التعبوية والنفسية والجماهيرية والسياسية والاقتصادية, للمحور الشيعي .
إن فرض هذا المحور لنفسه كشريك قوي في المنطقة, من خلال إذلاله لأكبر دولة في العالم, جعل دول المحور السني- اليهودي يدخلون حالة من الإنذار المبكر; حيث أن هذا الانتصار, حمل رسالة مستقبلية, تمكن قادة محور السعودية, وسنة العراق وأنصارهم من قراءتها, كتمدد لسلطة الشيعة في العراق, على حساب السنة الذين لم يتمكنوا من إيقاف هذا المد والتطور والنمو; أو فلنقل, لم يتمكنوا من إيقاف هذه النهضة الشيعية في المنطقة, خاصة بعد الانتصار الكبير والتلاحم الجميل بين أطراف المحور الشيعي في المعركة الكبرى التي انتصروا فيها.
إذا فزيادة الهجمات الإرهابية, وزيادة عدد المفخخات في العراق, وتركيزها في المناطق الشيعية, هي رسالة يريد من خلالها المحور السعودي الوهابي, أن يعطي رسالة إلى من يهمه الأمر, أنهم لازالوا موجودين! وأنهم لازالوا أقوياء !(كما يوهمون أنفسهم!) .
ما ساعدهم في مخططهم هذا, هو ضعف رموز السلطة الحكومية العراقية, وبالأخص , ضعف الرموز العليا للقيادة الأمنية, والمتمثلة بالماسكين بزمام وزارتي الدفاع والداخلية. ضعفهم هذا ليس ناتج عن قلة خبرة- مع أن الخبراء أكدوا تقليدية الخطط الأمنية المتبعة من قبلهم- أو انه ناتج عن قلة في الدعم المادي أو اللوجستي, حيث بلغت ميزانية وزارتي الدفاع والداخلية ما مقداره 36 ترليون دينار عراقي, كما صرح بذلك اللواء جبار الياور. بل أن هناك أسبابا رئيسية وجوهرية تضرب في أسس نشاط هذه الوزارات, وتعمل عمل معاول الهدم لأي خطة إستراتيجية وحقيقية لتخليص هذا البلد مما هو فيه .
ضعف إدارة الملف الأمني, وتدهور الوضع, وكثرة سقوط الشهداء من المواطنين الأبرياء في الأشهر الأخيرة, نتيجة المفخخات والإنفجارات الإرهابية , وخاصة الشهر الأخير الذي سقط فيه وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة, أكثر من 3442, بين شهيد وجريح; كل ذلك يعود لأسباب عدة, ولكن أهم هذه الأسباب في نظري هو, الإهمال المتعمد لهرم السلطة في إدارة هذه الملفات, بعد قرب موعد الانتخابات, وانشغال القائمين على الهرم الأعلى منها, بالبحث عن طرق لتحسين صورتهم أمام الناخبين, وانشغالهم بملفات ثانوية, ومحاولة التركيز على مصدات الدفاع الإعلامية الخاصة بهم, لترسيخ مفهوم استحقاقهم للولاية الثالثة, إضافة إلى ثقة القائمين على هذا الملف بالكثير من القيادات البعثية, وزجهم في إدارة الملف الأمني, معتبرين إياهم من ذوي الخبرة, آملين أن يكون الأمن والأمان متحققا على أيديهم; كل ذلك, جعل الضربات الإرهابية تأتي متسقة ومتناسقة.
العراق بحاجة الى قيادة حكيمة, تقوده باعتباره محورا مهما وقويا وفاعلا في المنطقة.
العراق بحاجة إلى مشروع بناء دولة, وليس بحاجة إلى إصلاح ملفات مفردة .فتجزئة الإدارة في هذا البلد, سببت الكثير الكثير من حالات التداعي والفساد الإداري والمالي.واستمرار الوضع على ماهر عليه, ينبأ بكارثة سوف تقع مستقبلا من خلال ضربة تقسيميه, قد تحطم ما تحقق من نصر على أرض الواقع ....
والحر تكفيه الإشارة ! .
2/5/131031
https://telegram.me/buratha