*استشاري تعاقدات وادارة مشاريع هندسية attarihsan@gmail.com
تجربة شخصية تستحق الاستذكار :
ابدأ مقالتي هذه بعرض تجربة شخصية تستحق الاستذكار شائت الظروف ان امر بها في العام 1979 عندما كنت مجازا للدراسة العليا في المملكة المتحدة وبالتحديد مدينة برمنكهام حيث كنت وعائلتي نسكن دارا مستأجرة في احدى ضواحي المدينة المذكورة . جرت في شهر ايار من تلك السنة الانتخابات البرلمانية لمجلس العموم البريطاني لانتخاب 622 نائب عن عموم المملكة التي يزيد تعداد سكانها انذاك عن 60 مليون نسمة .واشتدت الحملة الانتخابية بين الاحزاب المتنافسة – وعددها قليل جدا بالمقارنة مع الكم الهائل من الكيانات في بلدنا العراق - في كافة وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة , اضافة الى الاجتماعات العامة و المناظرات التلفزيونية التي تقيمها المنظمات المحلية بحضور ممثلي اكبرحزبين متنافسين في الدوائر الانتخابية من المدينة .وبصفتي اجنبيا لايحق لي الانتخاب في تلك البلاد فانه لم تكن لي ناقة او جمل في هذه الحملات الانتخابية ولكن بصفتي قادما في حينها من بلد محروم من مثل هذه الممارسات فقد وجدت فيها تجربة جديدة لم استطع كبح جماح النفس المكبوتة من متابعة تفاصيلها باعجاب والتعرف على خفاياها يوما بيوم والسهر حتى مطلع فجر ذلك اليوم التالي للاقتراع امام شاشة التلفزيون لمتابعة عمليات فرز الاوراق بشكل علني في مقرات الدوائر الانتخابية واعلان النتائج الفورية لفوز المرشحين في كل دائرة حسب وصولها في ممارسة جماهيرية رائعة تصل ذروتها في تقليد بريطاني معروف يظهر فيه اولا مع ساعات الصباح الاولى على شاشات التلفزيون رئيس الحزب الخاسر ليعلن على النبأ هزيمته في الانتخابات وشكره للناخبين الذين ادلوا باصواتهم لصالحه والتعهد امام الله وامام الشعب البريطاني بانه سوف يخدم الملكة والوطن ويكون باعتباره رئيسا لحكومة الظل المعارضة في البرلمان عونا لزميله ومنافسه رئيس الوزراء الفائز من اجل خدمة بريطانيا ومصالح شعبها . بعد ذلك بدقائق يظهر رئيس الحزب الفائز ليشكر ناخبيه ويتعهد بخدمة الملكة والشعب البريطاني من خلال المباشرة بالتطبيق الفعلي لبرنامجه الانتخابي المعلن والذي حظى بتأييد اغلبية الناخبين .
لذلك كنت حريصا على متابعة اخبار الحملة الانتخابية كلما سنحت لي مشاغلي الدراسية لمشاهدة الاخبار. وفي احد الايام القليلة الباقية التي سبقت انتهاء الحملة الانتخابية طرق جرس باب داري طارق فتحت على اثره الباب لاكون وجها لوجه امام المرشح عن حزب المحافظين في المنطقة الانتخابية التي اعيش فيها , جاء الرجل بصحبة زوجته دونما حماية او جعجعة انتخابية يحمل كل منهما على صدره شارة الحزب المعروفة بادراني بالتحية واستأذنا بالدخول .
كانت هذه فرصتي للتعرف على المزيد عن هذه التجربة الفريدة , وحيث ان الرجل لم يسألني عن جنسيتي او ديني اومذهبي فانني بدوري لم أشأ الاستعجال باخبار الضيف انني اجنبي لا يحق له التصويت حيث كان سينصرف عني الى الدار المجاورة .أدخلت الرجل وزوجته وجلسنا في صالة البيت البسيطة بينما عملنا له القهوة تعبيرا عن ضيافتنا لهما وعلى فنجان القهوة جلسنا نتجاذب اطراف الحديث حيث قدم لي نسخة من البرنامج الانتخابي لحزبه وبدأ يشرح لي المحاور الواردة فيه مركزا بشكل واضح على النقاط التي تخدم الدائرة الانتخابية التي نعيش فيها . لم أشأ ان اخذ الكثير من الوقت الثمين لهذا الرجل وزوجته ومع اكمال فنجان القهوة اعلمته بانني اجنبي لايحق لي التصويت وانني طالب عراقي في الجامعة وتمنيت له التوفيق والفوز في هذه الانتخابات . وعلى العكس مما كنت اخشاه في ان يمتعض الرجل من اضاعة وقته الثمين معي فانه وزوجته شكراني على حسن الاستقبال والضيافة وتمنى لي بالمقابل النجاح في دراستي وعدم التردد في الاتصال به لاي مساعدة قد احتاجها واعطاني عنوان داره التي يسكنها في نفس المنطقة الانتخابية التي نسكنها والتي اكتشفت انها على بعد شوارع قليلة من شارعنا وان داره لم تكن سوى دار بسيطة لا ترتقي كثيرا عن تلك التي اسكنها .ودعت الرجل وزوجته وهما يغادران عتبة باب دارنا وبقيت نظراتي تتابعهما حيث توجها مباشرة لطرق باب الدار المجاورة ومن ثم مواصلة حملتهما الانتخابية بيتا بيتا في الشارع في محاولة للتعرف بالساكنين وعرض برنامجهم الانتخابي وليتعرف اهل الحي على مرشحهم والنائب المحتمل لدائرتهم الانتخابية وجها لوجه ويدا بيد .
شائت الظروف ان يتكرر نفس المشهد , فقط بعد ثلاثة ايام مرة اخرى ,حيث كان طارق جرس الباب هذه المرة مرشح حزب العمال المنافس عن المنطقة الانتخابية التي اعيش فيها .جاء الرجل مع زوجته ايضا وعلى صدر كل منهما شارة الحزب المعروفة .بادراني بالتحية واستأذنا بالدخول .هنا جاءت فرصتي للتعرف على اهداف وبرنامج حزب العمال بالمقارنة مع غريمه حزب المحافظين .دعوت الرجل وزوجته وقدمنا لهما القهوة من باب الضيافة ثم جلسنا نستمع الى المرشح العمالي يشرح البرنامج الانتخابي لحزبه الذي سلمني ايضا نسخة منه , ومع انتهاء فنجان القهوة كان علي ان اعتذر للرجل من انني اجنبي ولا يحق لي التصويت وكزميله السابق من حزب المحافظين تمنيت له النجاح والفوز في حملته الانتخابية وهو بالمقابل لم يمتعض لاضاعة وقته معي وانما تمنى لي النجاح في دراستي وشكرني على حسن الاستقبال والضيافة واعطاني عنوان داره في المنطقة الانتخابية مبديا استعداده للمساعدة في اي مشكلة قد تواجهني اثناء وجودي في بريطانيا . ودعت الرجل وزوجته بمثل ما استقبلته بهما من حفاوة وتكريم ولكن بقيت عند عتبة الباب متابعا خطاهما وهما يتوجهان الى دار جارنا المجاورة ومن ثم الى الدور الاخرى في الشارع بيتا بيتا للتعرف على الناخبين والترويج لحملتهما الانتخابية في محاولة لكسب اكبر عدد مكن من الاصوات كما فعل منافسهم من حزب المحافظين المنافس قبل ذلك بثلاثة ايام .
استخلصت من هذه التجربة القصيرة التي عشتها ان العملية الانتخابية في العالم الديمقراطي هي "عقد اجتماعي " بين المرشح والناخب من خلال لقاء يجمعهما وجها لوجه ويدا بيد اثناء الحملة الانتخابية على النحوالذي شاهدته, هذا العقد يفرض على كل من الطرفين المتعاقدين "المرشح" و" الناخب " جملة التزامات متبادلة كما في اي نوع من العقود , اهمها كما ملخص ادناه :
التزامات المرشح : خدمة مصالح الناخب ومنطقته الانتخابية من خلال تطبيق البرنامج الانتخابي الذي سوف يتم التصويت عليه وتشريع القوانين اللازمة للعمل بالبرنامج ووضعه قيد التنفيذ وخدمة الوطن والحفاظ على امنه وسلامته والحفاظ على المال العام والابتعاد عن كل ما يسيء الى سمعة الشعب والوطن في الداخل والخارج .
ألتزامات الناخب : التصويت للمرشح في صندوق الاقتراع ليكون نائبا عنه في الدائرة الانتخابية ومساعدته بكل الوسائل الممكنة على تطبيق برناجه الانتخابي والابتعاد عن كل ما من شانه اعاقة تطبيق هذا البرنامج ,اضافة الى متابعة اداء النائب وتزويده بالملاحظات التقويمية كلما كان ذلك ضروريا لتصحيح الانحراف في حالة حصوله عن البرنامج الانتخابي .
العقد الاجتماعي بين النائب وناخبيه .
بهذه الطريقة يمكن خلق سلطة تشريعية فاعلة من النواب تعيش حالة وئام كامل وتواصل دائم ليس فقط مع ناخبيهم في دوائرهم الانتخابية وانما الاهم هي حالة الوئام والتعامل فيما بينهم بمهنية سياسية رشيدة تحت قبة البرلمان هدفها الاسمى اصدار التشريعات التي من شأنها خدمة الوطن ومواطنيه على اختلاف قومياتهم واديانهم واعراقهم وطوائفهم واجناسهم والوانهم.
اوردت هذه التجربة القصيرة للمقارنة بين ما شاهدته من ديمقراطية في العالم الاوربي وبين ما وصلنا من ديمقراطية مشوهة حيث شاركت كغيري من المواطنين كناخب في الانتخابات النيابية التي جرت في بلدنا العراق على مدى دورتين الاولى في العام 2006 باستخدام القائمة المغلقة . والثانية في العام 2010 باستخدام القائمة المفتوحة .في كلا الدورتين لم نتعرف على اي برنامج انتخابي لاي قائمة ( ان كان هناك برنامج انتخابي اصلا) كما لم نتعرف على اي من المرشحين فيما عدا صورهم البراقة التي ملئت الشوارع والميادين العامة في اكبر عملية عرض ازياء عرفها تاريخ العراق الحديث . اقول هذا بالمقارنة مع البرنامج الانتخابي الذي كان يوزعه شخصيا المرشحين البريطانيين على ساكني منطقتهم الانتخابية في تجربتنا اعلاه وجها لوجه ويدا بيد توثيقا " للعقد الاجتماعي " الذي سوف يربط كلا منهم بناخبيه في حالة فوزه في صناديق الاقتراع . وبالرجوع الى نتائج انتخابات الدورة الثانية في العراق للعام 2010 فانها مخجلة بامتياز حيث ان عدد المرشحين الذين حصلوا على اصوات اكثر من القاسم الانتخابي استنادا الى الارقام المعلنة من المفوضية العليا للانتخابات هم فقط (17) نائب من اصل (325) نائب بمعنى اخر ان (308) نائب لم يكونوا ممثلين حقيقيين للحد الادنى من الناخبين . لذلك تعثرت العملية السياسية في العراق ولم نصل الى حالة الوئام المطلوبة بين النواب تحت قبة البرلمان وبين ناخبيهم في الشارع العراقي , وكانت النتيجة ان تعطلت القوانين المهمة وتحولت معظم جلسات مجلس النواب التي تميز قسما غيرقليل منه بعدم اكتمال النصاب الى جلسات هرج ومرج بين نواب تنقص بعضا منهم الثقافة المهنية السياسية اضافة الى انه لم يعد هناك اية قناة للاتصال بين النواب وناخبيهم فيما عدا قنوات التلفزيونات الفضائية الى درجة انه لا يمكن لاي عراقي ان يحدد بالاسم من هو النائب الذي يمثله تحت قبة البرلمان تماما على العكس من النائب البريطاني مثلا في قصتنا اعلاه الذي شهدناه يساكن ناخبيه في منطقته الانتخابية الذين هم اصلا جيرانه او اهل محلته ويفتح بيته للاستماع الى ملاحظاتهم وارائهم سلبا كان ذلك ام ايجابا الامرالذي يغني عمله النيابي ويجنبه الاخفاقات المحتملة في تحقيق برنامجه الانتخابي . اننا باختصارفي العراق بسبب حداثة تجربتنا الديمقراطية وضعف ثقافتنا السياسية ما نزال نفتقد الى "العقد الاجتماعي " الذي يجب ان يربط النائب المنتخب شخصيا بناخبيه ويحدد الالتزامات الوطنية والاجتماعية والادبية والاخلاقية لكل طرف منهما تجاه الطرف الاخر.
مستلزمات العملية السياسية في العراق :
التطبيق الصحيح للديقراطية في الدول التي تتبع التعددية الحزبية يتطلب بشكل عام توافر ثلاثة عناصر مترابطة فيما بينها ترابط اضلاع المثلث الذي يتميز في ان اي تغيير في احد اضلاعه ينتج عنه تغييرات في الضلعين الاخرين . هذه العناصر الثلاثة هي :
قانون رصين للاحزاب يعتمد مبدأ الانتماء للمواطنة العراقية اساسا في تشكيلها وتحديد عضويةالمنتسبين اليها بعيدا عن التمييز العرقي او القومي او الطائفي .وهذا القانون لاهميته القصوى يمثل قاعدة المثلث الانف الذكر.
قانون رصين للانتخابات يحدد الية الترشيح والانتخاب ومعايير الفوز بشكل يضمن منع حصول النزاعات مابين الاطراف والكيانات المشاركة في العملية الانتخابية قبل الاقتراع وبعده ووضع ضوابط لحل النزاعات المحتملة في حالة حصولها .
مفوضية عليا مستقلة للانتخابات تنظم وتوفرجميع مستلزمات العملية الانتخابية من مواد ومعدات وافراد وادارة ولوائح عمل وتشرف بشكل نزيه ومستقل على عملية الاقتراع وفرز الاصوات وحتى اخر مراحل اعلان النتائج والتصديق عليها .
هذا المثلث غير متكامل في العراق الان حيث ان مجلس النواب الحالي وعلى الرغم من المناقشات الطويلة لمسودة القانون فانه ولاسباب لايعلمها الا النواب انفسهم لم يفلح لحد الان في التوصل الى تشريع قانون الاحزاب الذي طال انتظاره. كما ان قانون الانتخابات هو الاخر عليه اعتراضات ولم يتم اتفاق النواب على صيغة نهائية لتعديله وهناك جدل قائم بينهم على الصيغة الامثل لانتخابات الدورة القادمة هل هي القائمة المغلقة ام انها القائمة المفتوحة .
في الحقيقة ان تجربة الدورتين السابقتين تشير ان كلتا القائمتين لا تصلحان للعراق وان الترشيح الفردي للدوائر المتعددة هو الخيار الافضل .
الترشيح الفردي للدوائر المتعددة للمستقلين والحزبيين :
ان الذي يصلح للعراق هو الترشيح الفردي للدوائر المتعددة للمستقليين والحزبين بعدد مقاعد مجلس النواب , واننا بهذا الصدد نؤيد ما ذهب اليه الاستاذ الفاضل عادل اللامي اول رئيس للمفوضية العليا المستقلة الانتخايات في مقاله المنشور قبل اسابيع والذي اقترح فيه تقسيم العراق الى عدد من الدوائر الانتخابية تساوي عدد النواب في المجلس ويتم في هذه الدوائر الترشيح الفردي للمستقلين والحزبيين على حد سواء ويحددالفائز في الدائرة بالشخص الذي يحصل على اغلبية الاصوات من بين المرشحين – وهو النظام المعمول به في بريطانيا ودول الكمونولث وفرنسا والولايات المتحدة وفي 93 دولة من دول العالم حاليا – ويمكن تعديل ذلك جزئيا بتحديد الفائز بالاغلبية المطلقة من خلال االذهاب الى نظام الانتخاب بمرحلتين بالنسبة للمرشح الذي لا يحصل على الاغلبية المطلقة المطلوبة بموجب النظام الانتخابي في دائرته في المرحلة الاولى وكما هو معمول به في عدد اضافي من الدول ومنها على سبيل المثال جمهورية ايران الاسلامية حيث قسمت البلاد باكملها في انتخابات 2012 الى 207 دائرة انتخابية لانتخاب 290 نائب ( بمعدل نائب اونائبين لبعض الدوائر الكبيرة ) تنافس عليها 3400 مرشح يحمل كل منهم شهادة الماجستير كحد ادنى لتحصيله الدراسي كاحد الشروط الجديدة التي ادخلت للمشاركة بدلا من شهادة البكالوريوس المعتمدة في جميع الانتخابات السابقة .
ان اهم مزايا طريقة الانتخاب الفردي هذه هي التلاحم الذي يتم خلقه بين المرشح في الدائرة الانتخابية وبين ناخبيه وهذا بدوره يخلق " العقد الاجتماعي " الذي سيربط الطرفين على مدى الدورة الانتخابية باكملها. كذلك انه يسهل على المرشح التركيز في حملته الانتخابية على سكان منطقته الانتخابية فقط الذين هم اصلا اقرب الناس اليه .كما ان هذا النظام هو ليس بجديد علينا نحن العراقيين انه نفس النظام الذي سار عليه ابائنا المؤسسون لدولتنا العراقية الحديثة وفي كل الانتخابات التي جرت في العهد الملكي كانت المحافظات (الالوية) العراقية تقسم الى مناطق انتخابية يتنافس فيها المرشحون مستقلين وحزبيين ضمن مناطقهم ولم تكن هناك قوائم مغلقة او قوائم مفتوحة وانتجت هذه الانتخابات في حينها مجالس نيابية مايزال العراقيون يفتخرون بمستوى ادائئها والدليل على ذلك هو ان معظم القوانين النافذة لحد يومنا هذا هي من نتاج تلك المجالس النيابية ويمكن لمن يرغب بالمزيد الرجوع الى ارشيف التشريعات العراقية المنظمة للانتخابات ولعمل مجالس النواب في عهد ابائنا المؤسسين للدولة العراقية الحديثة في وطننا العراقي الحبيب .
الكوتا النسائية في قانون الانتخابات الحالي :
اعطى قانون الانتخابات الحالي (25%) من عدد المقاعد الى العنصر النسوي ضمن ما يسمى بالكوتا النسائية فيما اثبتت الانتخابات على مدى الدورتين السابقتين ان واحدة فقط من بين اكثر من (80) نائب في المجلس حققت الفوز من خلال صناديق الاقتراع اما الباقي فقد حصل على اصوات قليلة جدا ولكن تم ترشيحن من قبل قوائمهن ووصلن تحت قبة البرلمان بفضل قاعدة الكوتا النسائية .
ان حالة الكوتا هذه هي حالة وقتية ويجب اعتبارها مرحلة انتقالية وعدم الاستمرار بها والتخلي عنها باسرع وقت ممكن بل يجب تشجيع العنصر النسوي على تحسين الاداء وبذل جهد اكبر بما يمكنهن من الحصول على موقع تنافسي افضل للفوز من خلال صناديق الاقتراع وليس الاعتماد فقط على نظام الكوتا ,وفي عالمنا المعاصر من النساء اللواتي وصلن الى مراكز عليا من خلال صناديق الاقتراع ومنهن مثلا (ماركريت ثاجر) في بريطانيا و(انجيلا ميركل ) في المانيا و(انديرا غاندي ) في الهند و(بناضير بوتو ) في الباكستان وغيرهن من نساء العالم. المقترح الافضل هو اتباع التجربة المصرية حاليا كمرحلة انتقالية بايجاد صندوقين في المركز الانتخابي الاول للمرشحين بشكل عام (رجال ونساء ) والثاني للمرشحات من النساء فقط (صندوق الكوتا ) والسماح لاي امرأة تجد في نفسها القدرة والكفاءة على التنافس مع الرجال خارج الكوتا , فيمكن ان ترشح نفسها ويتم التصويت لها في الصندوق الاول . بهذه الطريقة يمكن تدريجيا التخلص من نظام الكوتا النسائية ونتمنى ان يأتي اليوم الذي نسمع فيه تحت قبة البرلمان العراقي اصوات نواب من العنصر النسوي من اللواتي حققن الفوز بجدارة و لا يقل مستوى ادائهن السياسي المهني عن نضرائهن من الرجال .
مشاركة منتسبي القوات المسلحة في الانتخابات :
يميل الرأي العام العالمي الى ان منتسبي القوات المسلحة وقوى الامن الداخلي خاصة في بلدان العالم الثالث هم من المحسوبين على والموالين بحكم موقعهم الوظيفي للحزب او الائتلاف الحاكم في تلك البلاد وعلى الرغم من كونهم ممنوعين من الترشيح بحكم القانون الا ان مشاركتهم في عملية التصويت بهذا العدد الكبير نسبيا من شأنه ان يعطي ارجحية في المجموع الكلي للاصوات للحزب او الائتلاف الحاكم . ولضمان عدالة اكبر بين الاطراف المتنافسة وللحفاظ على الاستقلالية التامة للقوات المسلحة وقوى الامن الداخلي فان من الافضل عدم مشاركتهم لا في الترشيح ولا في الاقتراع وهو ما ذهبت الى تطبيقه عدد غير قليل من دول العالم من بينها على سبيل المثال دول امريكا اللاتينية واندونيسيا وتركيا ولبنان . ان في عدم مشاركة القوات المسلحة وقوى الامن الداخلي هذه اقتصاد في نفقات العملية الانتخابية وتقليص في جهد المفوضية العليا للانتخابات اضافة الى انه يتيح لهده القوات دورا اكثر فاعلية في المحافظة على الامن والنظام وانسيابية سير كافة الانشطة والفعاليات المتعلقة بالانتخابات في كافة ارجاء البلاد قبل واثناء العملية الانتخابية.
تضارب المصالح في عمل عضو مجلس النواب :
من المعروف في اي عمل وخاصة الاعمال المدنية الالتزام بمبدأ عدم وجود تضارب مصالح في واجبات ومسؤوليات المكلف بالعمل . مثال ذلك لا يجوز للمهندس الاستشاري المصمم لبناية معينة ان يكون ايضا مقاولا لتنفيذها بسبب حصول تضارب مصالح بين كونه مصمما لمشروع البناية من جهة وتولي عملية تنفيذها من جهة اخرى. كما لا يمكن للسبب نفسه للمحامي ان يكون وكيلا لطرفي الدعوى في قضية معينة .كذلك فان الموضوع اسوأ واكثر خطورة في المناصب السياسية ومنها منصب النائب في مجلس النواب الذي يحمل جنسية بلد اخر حيث يواجه مشكلة كبيرة تتمثل بتضارب المصالح بين كونه نائبا عن ناخبيه في وطنه الأم التي يحمل جنسيتها اصلا وبين مصالح الدولة الاخرى التي اكتسب جنسيتها في وقت لاحق اضافة الى جنسيته الاصلية .هذه الحالة تضر بعمل النائب ضررا بليغا بسبب حالة ازدواجية الولاء التي سيعاني منها والتي سوف تسبب له حالة صداع ولائي دائم لا يخدم العملية السياسية في وطنه الأم ,لذلك فان معظم بلدان العالم قد وضعت ضوابط صارمة في التشريعات الخاصة بالترشيح للمناصب النيابية بما يضمن معالجة حالات تضارب المصالح في اداء اعضاء مجالس النواب لواجباتهم بما يحافظ على المصلحة العليا للبلد وعلى السمعة الحسنة لعضو مجلس النواب فيها .
حقوق وامتيازات الخدمة النيابية :
تعالت في الفترة الاخيرة صيحات الرأي العام العراقي حول حجم الرواتب والمخصصات والامتيازات والرواتب التقاعدية التي يتقاضاها اعضاء مجلس النواب العراقي ووصل الامر الى تظاهرات مشروعة و منظمة عمت معظم المحافظات تطالب بالترشيد والالغاء لمعظم هذه الامتيازات.وبالتعمق في حقيقة الامر نجد ان ادارة مجلس النواب لم تتعامل بشفافية بخصوص هذا الموضوع فبدلا من ان تكون هذه الرواتب والامتيازات مقننة ومعلنة وغير مبالغ فيها شأنها شأن التشريعات الخاصة برواتب الملايين من موظفي الدولة العراقية , بقيت رواتب وامتيازات النواب سرا مكنونا من الاسرار لم يكن من السهل على اي مواطن عادي من الاطلاع عليه ولم تظهر حقيقة هذه الرواتب والامتيازات الابعد ان تراشق النواب فيما بينهم على شاشات الفضائيات التلفزينية متهمين بعضهم البعض الاخر بالغلو والاسراف وتبذير المال العام الامر الذي اثار حفيظة جماهير واسعة من الشعب العراقي ودفع بها الى الشارع للتظاهر.على العكس مما تتعامل به معظم برلمانات العالم ومنها البرلمان البريطاني على سبيل المثال الذي يظهر بكل شفافية على موقعه الالكتروني www.parliament.uk لاطلاع الراي العام المحلي والاجنبي والصحافة وكل ذي شأن على كافة التفاصيل التي تخص الرواتب والمخصصات والاجور وحتى الحدود العليا لمصاريف الطباعة والاستنساخ ومبالغ الطوابع البريدية واجور السفر بمختلف وسائط النقل ....الخ المعقولة وغير المبالغ فيها التي يتكبدها عضو مجلس النواب البريطاني لاغراض اداء واجباته النيابية تجاه ناخبيه في منطقته الانتخابية , يقابل ذلك نظام صارم والية معلنة من قبل الدائرة المالية في المجلس المذكور للتحقق من الصرف الفعلي لهذه المبالغ بما لايلحق الضرربالمال العام ولا يدع مجالا للشك في نزاهة النائب وتوجيه الاتهام اليه واضاعة الوقت الثمين للمجلس في التشكيك وتبادل الاتهامات بدلا من تشريع القونين المفيدة. لذلك وبعيدا عن التشنج وتعالي الصيحات يجب ان ننظر الى موضوع رواتب ومخصصات وتقاعد اعضاء مجلس النواب نظرة واقعية بناءة وعلى اساس ان الخدمة النيابية هي خدمة عامة يفترض ان يتولاها خيرة ابناء وبنات الامة و يجب احتسابها بمنتهى العدالة غلى الاقل لمصلحة النفر الخير في هذا المجلس الذي يبني عليه العراقيون والعراقيات امالا كبيرة وان هذه الخدمة ومايترتب عليها من تبعات عندما تكون مخلصة ونزيهة يجب ان يتم احتسابها دونما الحاق الضرر بالمال العام اوالغبن بالشخص الذي انتخبناه واعطيناه اصواتنا ليكون نائبا عن منطقتنا الانتخابية وفق مفهوم "العقد الاجتماعي " الانف الذكر بيننا . وفي سبيل تحقيق ذلك يجب ان لا ننطلق من فراغ متأزم , خاصة وان تجربتنا الديموقراطية ماتزال في مهدها ولم يتصلب عود خبرتنا فيها بعد, وعلينا ان تعلم الكثيرمن من سبقونا فهذه برلمانات العالم من حولنا ندخل على بعض من اقربها الى واقعنا وندرس انظمة الخدمة والرواتب والمخصصات , والتقاعد ان وجد لاعضائها وآلية احتسابها وصرفها ونختار منها ما يلائم خصوصية وطننا العراقي , وبعد تشريعه والاتفاق عليه ننشره بكل شفافية في وسائل الاعلام وعلى موقع مجلس النواب العراقي للعمل به وليطلع عليه العالم اجمع ولنقدم اليهم نموذجا مشرقا عن العراق وشعبه بدلا من الوضع المخجل والمتعثر حاليا لعمليتنا السياسية.
جريدة المواطن
19/5/131025/ تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha