بقلم :ــ حكمت مهدي جبار
في كتابه القيم (فلسفتنا)أكد السيد الشهيد محمد باقر الصدر(رحمه الله) على جملة من الأمور التي تهم الحياة البشرية وتعالج قضايا الأنسان المعاصر وهو يتصدى للحياة الراهنة بأطار تنوع مابين الرؤية الدينية ورؤية المفكر الحصيف والمتفلسف.وفيما يخص القضية الأجتماعية لبني البشرفقد أعتبرها (مشكلة العالم) التي طرح أزاءها سؤالاً قال فيه :ـماهو الحل الأمثل لقضية الأنسان وهو يتصدى للحياة من أجل صناعة سعادته وسروره؟ بالشكل الذي يجعل منه مخلوقا يؤدي أمانته في الأرض كخليفة لله ليعود مطمئنا راضيا مرضيا يوم يقوم الحساب.لقد أعتبر المفكر محمد باقر الصدر(رحمه الله) أن قضية الأنسان قضية عميقة الجذور في تاريخ البشرية.وقد أحتلت مكانا خطيرا في مسيرة الفكر الأنساني.حيث تنوعت الأجتهادات في تقديم الحلول,من خلال وضع النظريات من قبل الكثير من المفكرين والمنظرين والفلاسفة والعلماء.وأستمر الكفاح الفكري في البحث والتنقيب في المشاكل الأنسانية .وجاءت اتجاهات فكرية وفلسفات عديدة ومتنوعة قطع فيها اصحابها أشواطا في هذا الميدان الواسع.فتأسست مذاهب وميول.وقد حدد لنا المفكر الصدر,مجموعة من المذاهب التي اعتبرها هي السائدة في مسيرة الفكر الأنساني وهي كما جاء في الكتاب:ــ1 - المذهب الديمقراطي الرأسمالي2 - المذاهب الأشتراكي والماركسية والشيوعية3- المذهب الأسلامي.
((المذهب الديمقراطي الرأسمالي))اعتبر المفكر الصدر,ان هذا المذهب هو (أساس الحكم في بقعة كبيرة من الأرض) ولم ينكر أنه نظام أجتماعي قدم للأنسانية ماقدم عندما حارب الديكتاتوريات والأحتكار الأقتصادي. وسعى الى حرية سياسية.وهذا النظام كما يقول المفكر الصدريقوم (على الأيمان بالفرد أيمانا لا حد له,وأن الأهتمام بمصلحة الفرد الخاصة انما هو أهتمام بمصلحة المجتمع العامة. وأن (فكرة الدولة) هي مؤسسة تحمي الأفراد ومصالحهم الخاصة.ويؤكد هذا النظام على الحريات الأربع وهي:ــالحرية السياسية: - التي تسمح بحرية التعبير في الكلام والرأي وأحترام ميول الآخرين ووجهات نظرهم في تحديد صورة الحياة العامة,ووضع خططها ورسم قوانينها وتعيين السلطات ونوع الحكم.كل ذلك ينطلق (حسب هذا المذهب) من أهمية الحرية السياسية للناس,والتي تبدأ من حرية الفرد والتي بدورها تجعل الحياة مرفهة وسعيدة لتكون أساسا للمجتمع.تؤكد الحرية السياسية على عدم تفرد شخص أو مجموعة معينة بالحكم والسلطة.وأن يكون الحاكم أذا ما أراد وحدة المجتمع والوطن أن يتسامى فوق أهواءه ومصالحه وانتماءاته الخاصة سواء الحزبية أو الدينية.فضلا عن أعلان المساواة وتطبيق مبدأ الأنتخابات وحق التصويت وألأخذ برأي الأكثرية وأحترام رأي ألأقلية. الحرية الأقتصادية: -وفق مذهب الديمقراطية الرأسمالية,فأن ألأقتصاد يجب أن يكون حراً.حيث يباح التملك في الأنتاج والأستهلاك دون قيد وشرط.ولكل فرد مطلق الحرية في اختيار أي طريق أو أسلوب لكسب الثروة.ويعتبر أتباع هذا المذهب,انه الكفيل بتحقيق بين افراد المجتمع لتحريكه وبث الحيوية فيه.فهو يخدم مصلحة الفرد والمجتمع سوية.وأن المتنافسين والمتسابقين في السوق كل واحد منهم يخشى من ألآخر في أن يرفع أسعاره أو يخفضها.لذلك تعقد بينهم اتفاقية على الأسعار. الحرية الفكرية: - وتعني حرية الفكر,والتعبير الحر عن المناهج والعقائد بغض النظر عن شكلها وطبيعتها وأساليبها وطرقها.فهم يعبرون عما يعتقدون دون رادع للسلطة ودون تدخل الدولة ودون مراقبة ومحاسبة وقمع وتغييب. الحرية الشخصية: ــــالتعبير الحر في أي سلوك شخصي مهما كان,شريطة عدم غصب حق الآخرين أو الأعتداء عليهم.فلكل فرد الأرادة والأختيار في الملبس والمأكل والمشرب والمسكن والكلام والتظاهر وممارسة الطقوس والشعائر الدينية والأجتماعية والثقافية والشخصية حسب رغباته وأهواءه.منطلقين من أن الأنسان كيان حر لا سلطة لأحد من أبناء جلدته عليه.أما دور (الدولة) في نظر هذا المذهب فلا يتجاوز كونه جهاز يسخر لخدمة كل تلك الحريات ويؤمن لها الحماية والأمن ليس أكثر.رأي المفكر الصدر بالمذهب الديمقراطي الرأسمالي:ـــــ1 - انه مذهب مادي,رغم كل ما يدعو له من حقوق أنسانية وما يدافع فيه عن حرية البشر.ينظر الى الأنسان مجرد حيوان ناطق همه الأكل والشرب والشهوات مهملا الجوانب المعنوية والأعتبارية للأنسان,معمقا فيه الحس الوجودي الذي قد يكفره بأنسانيته.ذلك لأنه خلق فكرة: أن الأنسان خلق ليأكل ويشرب ويضاجع وينام,وعندما تنتهي تلك الرغبات لأنها مؤقتة ,يبقى الأنسان يعيش القلق الوجودي والعذاب والشقاء بسبب فقدان تلك الشهوات.ولأن ذلك المذهب لم يرسخ جانب المعتقد الروحي الذي يؤمن بوجود عالم آخر.فيوقع الأنسان بالضياع والغربة. 2- لم يركز المذهب على فهم فلسفي مقنع.فهو ينطوي على خداع وتضليل ويدعو في أن يركض الأنسان وراء شهواته ورغباته الجسدية المادية دون الروحية.3 - عدم الأعتراف بوجود سلطة تنظم حياة الأنسان.حيث لامسؤول ولارب يحاسب وينبه ويصحح الأخطاء تحت ذريعة أن الأنسان ولد حرا.فضلا عما ينعكس ذلك على عدم أحترام العلاقات الأجتماعية بين البشر.فما الفرق بين الحيوان الذي لايعرف السلطة والنظام وبين الأنسان.4- بسبب طغيان المادية في التفكيرالديمقراطي الرأسمالي,فقد أقصيت القيم الأخلاقية.وأن كانت هناك قيم أخلاقية فأنها تتمثل في المصالح الشخصية القائمة على أشباع الرغبات الذاتية والشهوات الأنانية الفردية.منطلقين من أن المصلحة الشخصية هي التي تصنع القيم الأخلاقية,عندما تكون ألمصلحة الشخصية بتنافسها وسباقها المادي مع المصالح الشخصية الأخرى تصنع المصلحة العامة. 5 - أن ألأنصياع للأكثرية وفق الأنتخابات,يصعد الأفراد المتحكمين بالثروات التي حصلوا عليها من تنافسهم الشخصي في حركة السوق حسب ماجاء في مذهبهم.أي العقلية الديمقراطية الرأسمالية.وبذلك فأن الأقلية تسحق وتعدم.
((المذهب الشيوعي وعلاقته بالأشتراكية))قدم المفكر الصدر جانبا من الفكر الشيوعي وهو(الماركسية والمادية الجدلية).وقدم لنا أهم صفاته.معتبرا أن المادية والجدلية مفهومان قديمان وليسا من صنع الماركسية. حيث جاءت منذ الفكر الفلسفي القديم وأكتملت على يد (هيجل) وما كان على (ماركس) إلا أن يتبناها ويطبقها على المجتمعات الغربية.طبق كارل ماركس المادية الجدلية بطريقين:ـ1 - تفسير التأريخ البشري بأنه يسير سيرا ماديا خالصا على أساس التضاد والجدل.2 - ضرورة أقامة مجتمع شيوعي,قائمان على أساس رفض قاعدة (فائض القيمة) للعامل التي يسرقها صاحب العمل والمال. فالقضية الأجتماعية للأنسان كما نظر اليها هذا المذهب وحسب ما عبر عنها المفكر الصدر,هو أنها قضية (صراع أضداد).وذلك الصراع يستمر بين الطبقات الأجتماعية حتى ينصهر كل المجتمع بطبقة واحدة وهو ما تنشده (الشيوعية).حيث تسود الرفاهية والسعادة والسلام وتزول الرأسمالية وتتحقق العدالة.فرًّق المفكرالصدر عن (الشيوعية)و(الأشتراكية) عندما وضع الخطوط العامة للأقتصاد الشيوعي في جملة من النقاط:أولاً - الأقتصاد الشيوعي الغى الملكية الخاصة,ودعى لتسليمها للدولة العادلة بأعتبارها الوكيل الشرعي للمجتمع.ثانيا - الغاء الطبقة الرأسمالية وتوحيد الشعب في طبقة واحدة,وأن لا يستغل الفرد الواحد ثروته ويضخمها ويستغل الناس ويحقق لوحده شهواته.ثالثا - (من كل حسب قدرته,ولكل حسب حاجته) أي من كل فرد تأخذ الدولة حسب امكانيته,وتعطيه على قدر مايحتاج.وهكذا أقام الشيوعيون (الأشتراكية) كنظام حياتي أجتماعي أقتصادي وأجريت عليه تعديلات من الشيوعية.أذن انحرف الماركسيون عن الشيوعية بهذا النظام.رأي المفكر الصدر في الأقتصاد الشيوعي.يقول المفكر الصدر,أن الأقتصاد الشيوعي لم ينتبه للطبيعة البشرية.ولم يراعي مشاعرهم وأحاسيسهم.ولم يؤمن لهم حاجاتهم التي نادى بها بشعاراته وخطاباته النظرية.فشعر العامل بـ (الغربة) عندما راح يتقاعس ويتهرب من العمل لأنه فقد ذاته ومعناه الأنساني وقيمه الأجتماعية.وهو يبذل جهده وطاقته.فأصطدم الشيوعيون بالواقع عندما قاموا بتطبيق نظرياتهم ألأجتماعية والأقتصادية.فبقوا يعيشون التمنيات حتى اتهموا بالخيالية (اليوتوبيا) في الفكر.من الناحية السياسية,كانت الشيوعية كفكرة تعتبر نفسها هي ماسينتهي اليه العالم من سعادة ورفاهية.وأن تتحقق المعجزة للشعوب دون وجود الدولة ولاسلطة.ولو بعد حين رغم كل التقلبات والتغيرات.وأذا كان هناك حاكم,فلابد أن يكون حاكما عماليا خالصا.وديمقراطيا للعمال فقط.ودكتاتوريا مع العامة من الناس.وهنا يقول المفكر الصدر,أن الأشتراكية الماركسية والشيوعية الماركسية واحدة.فهما نفس الأتجاه والمرامي والغايات.يرتكز على فلسفة مادية لاتعترف بالمثل والقيم المعنوية,ولاوجود للخالق.وهناك فرق بين هذا,وبين الديمقراطية الرأسمالية التي مر ذكرها آنفا.حيث أن الأخيرة لم تتخذ فلسفة محددة مثل الشيوعية والأشتراكية والماركسية..أذن الفكر الشيوعي يعني بالفلسفة أكثر من الديمقراطية والرأسمالية.ويضيف المفكر الصدر,أن الشيوعية (علاج ناقص لايضمن القضاء على الفساد الأجتماعي كله,لأنه لم يحالفه الصواب في تشخيص الداء) وهكذا عاشت المجتمعات الحروب والنزاعات وبقي الشيوعيون متألمون دون حل.مكتفين بنسج فكرة أن ستحدث (المعجزة) ويتحرر العالم وسيخلق الشيوعيون الجنة.!((ألأسلام والمشكلة الأجتماعية))هل في الأسلام حل لقضية الأنسان ؟يجيب المفكر الصدر عن ذلك ,ويقول:ـ نعم في الأسلام الحل ألأمثل للقضية الأنسانية والأجتماعية..كيف؟لأن الأسلام كفكر,ودين ,هو الذي أوجد النظرة الصحيحة للأنسان ومن خلال مايلي:ــ1 - أن حياة ألأنسان منبثقة من مبدأ مطلق الكمال.والحياة هي محطة أعداد لحياة 2 - أن هناك مقاييس أخلاقية لحركة ألأنسان في الأرض في حياته العامة.3 - أن الدين يوازن بين حب الذات وبين حب الناس.انطلاقا من أن حب الذات غريزة توجد داخل كل فرد.لذلك تطلب الموزنة بين المصلحة الذاتية ومصلحة المجتمع.4 - أن سعي الأنسان للكسب المادي أمر مشروع.وتحقيق السعادة واردة لكنها يجب أن تكون على مقدار السعي في سبيل تحصيل رضا الخالق.5 - أن الدين هو صمام الأمان في تحقيق أنسانية الأنسان وأحترامها وحمايتها من دعاة الشر .وهو أعظم فكرة لتحقيق العدالة المادية والمعنوية للبشر.6 - الأسلام قدم تفسيرا واقعيا لاخياليا للحياة الأنسانية .ووسع من فرص المعيشة وشجع الأنسان على السعي في الحياة,من خلال ماجاء في آيات من سور القرآن الكريم:ـ• من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها - فصلت 46• ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب - المؤمن 40• يومئذ
7 - أن المصالح الخاصة والعامة انما مترابطتان.8 - يؤمن الأسلام وبشكل كبير بالتربية والتعليم والتهذيب..لماذا؟لأن لكل أنسان غرائز وشهوات تولد معه ,تشكل بمثابة قوى وطاقات حيوانية.أذا لم تكن لها ضوابط وحدود فأنها تسيطر عليه فتتغلب عليه الصفة الحيوانية على الصفة البشرية,وتموت فيه القيم المعنوية والمعاني الأنسانية.وأن خير أداة تربوية لذلك هي القيم الدينية. وأذا كان هناك حل فلماذا يعاني الفرد المسلم هو الآخرمن فوضى الحياة والضياع الفكري؟. 9 - يركز الأسلام على الفهم المعنوي للحياة أكثر من الفهم المادي.فلو لا المعنى والأعتبار لبقي البشر كما الحيوانات.تأكل وتشرب وتنام.هكذا دعى المفكر الصدر,الى ضرورة أن نتخذ من ألأسلام مبدأً عظيما في فهم الحياة والكون والمجتمع.من خلال التعمق بجوهره وحقيقته مبتعدين عن الأفكار السطحية المجردة
https://telegram.me/buratha