الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
مدخل عام للحوار:في الاربعاء 29 أيار (مايس) 2013م عقدنا جلستنا الحوارية الثالثة بحضور عدد من الطلبة والزملاء البريطانيين في مركز اصدقاء المكتبة البريطانية، حضر زميلي الدكتور هندرسون، والبروفيسورة وليامز، وطالبتاي سلفا داوسن وكاتي ماكلايد، وايضا روبي (روبرت جونسون)، وآدم لونج، وجان هنسكلي، اضافة الى تشالز لوفيت، وساندرا أيمرسون، وكان الباكستاني أمين زماني قد اتصل يعتذر عن الحضور، ثم فجأة وصل برفقة فتاة عرفنا بها باسم فيروز، وقد انعقدت الجلسة في حدود الساعة الحادية عشرة صباحاً، وقد تقرر ان يكون موضوع الحوار قضية الخلود حيث طلب عد من الحاضرين مناقشة الموضوع لاهميته.الحوارات:د. وليد: صباح الخير سادتي أرحب بكم جميعا في حلقة جديدة من حواراتنا، واسمحوا لي بان نرحب بصديقي الدكتور جي هندرسون وبالاخ زماني وكان قد حضر جلستنا الماضية ونرحب بضيفتنا الانسة فيروز. والان ارجو ان تسمحوا لزميلي الدكتور هندرسن بطرح السؤال الاول لانه يريد المغادرة بعد قليل. تفضل سيدي.د. هندرسون: شكرا للدكتور البياتي على دعوته والشكر لكم للسماح لي بطرح السؤال الاول، وأما سؤالي فهو: للخلود في الفكر الفلسفي حضور مكثف ومفاهيم متعددة في الحضارات القديمة وفي الحضارة اليونانية بالاخص، وقد تطرق له الفلاسفة منذ العصورة الاولى، فهل يمكن تحقق الخلود في الحياة الارضية؟د. وليد البياتي: شكراً دكتور هندرسون، أولا يجب ان نحدد ما هو مفهوم الخلود؟ فهل الخلود يعني الإستمرار اللانهائي للحياة؟ أم أن البقاء الوجودي والمادي لفترة تتجاوز المعقول يعتبر خلوداً؟ في تقديري فاني أجد في فلسفتي ان الخلود قضية نسبية، ففي الجواب الاول: لم يتحقق لنا تاريخياً ولا بيولوجياً بقاء وجودي ومادي للانسان إلى ما لا نهاية إلا ما نقله لنا الفكر الديني من خلود ما بعد الموت. وهذا ليس له علاقة بالخلود الأرضي كما نرى، ومن جانب آخر فإذا قارنا معدلات عمر الإنسان الحالي بمعدلات عمر الإنسان في عصري آدم، ابو البشرية ونوح (ع) الذي عاش الفي عام، فإن اؤلئك سيبدون خالدين بالنسبة لأعمارنا، وبما اننا قررنا الابتعاد عن الامثلة الدينية قدر الامكان، ساضرب لكم مثالاً من الفيزياء النووية، فقد وجد العلماء ان اعمار بعض البيزوترونات والميزوترونات لا تتجاوز 1/مليون جزء من الثانية، وبهذه الحالة يكون عمر الانسان الذي معدله (65-75) طويلا ولا متناهيا مقارنة بعمر هذه المكونات الدقيقة، اي أن الانسان مقارنة بعمر هذه المكونات سنعتبره خالداً. ولعلي ذكرت ذلك في حواراتنا السابقة ولم يكن الدكتور هندرسون حاضراً فيها.د. هندرسون: نعم فهمت المقصود، لكن ألا يمكن أن نحقق الخلود على الأرض بطريقة ما.د. وليد البياتي: هذا ما يسعى اليه فعلاً علماء الاحياء حالياً كما تعلمون، والعلم لايزال يزودنا بكل ما هو جديد كل يوم، والحياة لا تزال قائمة، ولهذا لا ارى مانع بيولوجي من الاستمرار بالحياة لولا العوائق الخارجية.آدم لونج: قلت مرة ان تبديل الاعضاء أو زراعة الاعضاء يمثل جانباً من الخلود، ولكن الخلود يتعلق بالروح فكيف نحقق ذلك؟د. وليد البياتي: فعلاً هو الامر كذلك، ونحن إذا تمكنا من إيجاد طريقة لأستمرار العلاقة بين الجسد والروح فان الانسان سيبقى حياً.فيروز: اسمحوا لي لن هذه اول جلسة معكم، وانا هنا أناقش القضية من جانب آخر، فهل يقصد الدكتور البياتي أن الإنسان يمكن أن يتغلب على الموت؟ وكيف ذلك والروح من أمر ربي؟د. وليد البياتي: شكرا فيروز، للموت صفتان وجودية وعدمية، فالصفة الوجودية: هي أن الموت ضد الحياة (الذي خلق الموت والحياة) الملك/2. بإعتبار أن هناك تناقض وجودي بين الموت والحياة فكلاهما ضد الاخر في المفهوم والمعنى. وأما الصفة العدمية: فالموت يعني عدم الحياة، عما من شأنه أن يكون حياً. والذي يعمل عليه العلماء حالياً هو إيجاد سبل لمنح الإنسان فرصة أطول بالحياة، وما الأدوية والعلاجات ومقاومة الامراض والعمليات الجراحية إلا من هذا الباب. وأما الروح في تفسيرها، فالانسان الحالي لا يدعي معرفة كلية بالروح، ولكن يمكن تشبيهها بالطاقة التي تحرك الاجهزة، ولم يتمكن العلماء من تحديد هويتها بشكل نهائي. ومن هنا فهي تبقى أمر الهي. ونحن في هذه الحوارات حاولنا قدر الامكان الابتعاد عن النصوص الدينية لأن الحاضرين غير مسلمين ولا يمكن إعتبار النص الديني حجة عليهم.البروفيسورة وليامز: تحياتي لزميلي البروفيسور البياتي فهذه الحوارات تفتح شهيتي للمزيد من خفايا المعرفة، واني أتفق معه في أن الخلود قضية نسبية، ولكني اجد بالمقابل الحياة نفسها قضية نسبية، كما أن الوجود كله نسبي إذا وضعنا الجميع في علاقات مقارنة. ثم ماذا لو كان الوجود غير حقيقياً وإنما مجرد صوراً ذهنية يشكلها العقل بشكل مستمر؟د. وليد البياتي: أشكر زميلتي البروفيسورة وليامز على موقفها العلمي الرصين، نعم يتفق بعض الفلاسفة بالقول بنسبية الحياة ونسبية الوجود، وبأن يكون كل منهما ظاهرة تكوينية. غير أننا لا يمكن لنا الأخذ بكل اقوال الفلاسفة في تفسيراتهم، وهنا نطرح تساؤلاً من الذي يضع المعايير والضوابط لتبيان أن الوجود حقيقي ام أنه ظاهرة عقلية؟ فالاحلام ظاهرة عقلية كما يقول (باركنسون)، ولكن هل يمكن لنا تجسيد الاحلام لتكون واقعاً مستمراً يؤدي إلى نتائج أولية وثانوية كالافعال؟ ولكن لايمكن إنكار العلاقات النسبية، كما لا يمكن إنكار ان هناك نهايات لكل وجود كما هناك بدايات له.كاتي مكلايد: لا اعتقد بالضرورة ان يأتي مفهوم الخلود ليحدد الشكل المادي فقط، ولكن ألا يمكن ان يكون الخلود الذي نتحدث عنه يعني الخلود الفكري، كخلود النظريات الفلسفية والافكار العظيمة على مر العصور؟البروفيسورة وليامز: اعتقد انني اتفق مع (كاتي) في هذا الموقف، ألا يمكن ذلك دكتور البياتي؟د. وليد البياتي: بالتأكيد فالخلود الفكري يعبر عن جانب مهم من عملية الخلود نفسها، وهذا يؤكد من احد جوانبه القول بنسبية الحياة، نعم الإنسان معرض للموت، ولكن دوره في الحياة يبقى مستمراً، والافكار تبقى دليلا على استمرار العلاقة بين الانسان والوجود.أمين زماني: عفوا، ولكن أي دور يبقى للانسان في الحياة إذا مات؟ فالموت يعني الفناء اليس كذلك.د. وليد البياتي: هل يريد احد ان يجيب على زماني في هذه النقطة؟جان هنسكلي: إسمحوا ان اوضح الفكرة، اني اعتبر ان علاقة الانسان بالحياة تبقى مستمرة من خلال آثاره وما يترك من علاقات ومواد وغيرها، فكل مخلفات الانسان تعبر عن استمرار علاقته، فالكاتب تبقى كتاباته تعبر عن هذه العلاقة، وكذلك العلاقات الانسانية بين الأفراد وغيرها دليل على الاستمرار.البروفيسورة وليامز: كل الفلسفات التي ندرسها لكم الان جاءت من افكار شخصيات ماتوا، وبما اننا لا نزال نتباحث فيها فهذا دليل على الاستمرار.د. وليد البياتي: أحب ان اسمع رأي زميلي الدكتور هنسكلي في هذا الموضوع.هنسكلي: نعلم جيداً ان قيمة الانسان تكمن فيا يترك من آثار إضافة لدوره الاساسي في الحياة، وكلما ترك المزيد من الاثار المهمة، كلما أثر في منظومة العلاقات الانسانية، وبالتالي فهو مستمر في الحياة من خلال آثاره حتى وإن مرت عصور طويلة على وفاته، وهذه الكنائس لا تزال تتبع آثار المسيح بعد اكثر من ثلاثة آلاف على رحيله.د. وليد البياتي: أتفق تماما مع هذه الطروحات، فشكرا لهانسكلي ولزميلتي وليامز، والمهم ان ندرك ان قيمة الانسان تكمن في جانبين أساسيين الجانب المادي، والجانب المعنوي، وهذا يعني أن التراث الذي يخلفه الانسان بعد رحيله سيدخل منظومة العلاقات من هذين الجانبين، فالانسان الذي يخلف عائلة واولاداً وبناتاً واحفاداً قد اضاف شيئاً لمنظومة العلاقات من خلال حلقات التوارث الجيني، وبذلك هو مستمر في هذا الجانب، وإذا خلف ممتلكات مادية (الاموال والممتلكات)، ومعنوية (كالافكار والنظريات والادب والفن وغيرها) فهذه تضيف حلقات لمنظومة العلاقات، وبالتالي هو مستمر من خلال هذه أيضاً، وحتى هؤلاء الذين يشكلون الشكل السلبي في الحياة تبقى آثارهم موجودة، وهم مستمرون من خلال هذه الافكار أو الجرائم التي ارتكبوها. وها نحن ندرس في التاريخ كل الشخصيات السلبية والايجابية على السواء، غير ان قيمة الحياة وقيمة ما يخلف الانسان وراءه تكمن في الاساس في الفعل الايجابي، لأن الحضارات الاصيلة تحمل قيماً إيجابية، على العكس من الحضارات المزيفة التي تبنت قيما سلبية.فيروز: هل تقول ان الإنسان يمكن ان يعيش مدى الحياة أو قروناً عديدة، اعتقد ان ذلك مخالف للارادة الإلهية؟د. وليد البياتي: اعتقد إنني أوضحت أن الحوار هنا حوار عقلي، ولم ننحاز للموقف الديني كما اتفقنا من البداية، ولهذا ساجيبك وفق المنطق العقلي، ألم تلاحظي في الحوار ما دار عن محاولات البحث العلمي في إيجاد سبل تمكن الإنسان من الاستمرار بالحياة؟ من المهم ان نعلم ان ليس الغاية من وجود الإنسان هو الموت، ولكن الغاية من وجوده هو الحياة بما تمثل من صيغ وقيم عليا، ولكن الأشكالية تكمن في عبث الانسان بصيغ الحياة وقيم حقيقتها مما ادى إلى الموت، فالحروب والصراعات تشكل جانباً من الموقف السلبي من الحياة، والعيش بدون ضوابط أخلاقية وإنسانية ونفسية وتبني المواقف السلبية كل ذلك يشكل عبئأ على الحياة، ثم ألا ترين كيف ان الافراد والجماعات البشرية التي تعيش في تآخي، ونظام معقول، وحياة طبيعية بسيطة هم الاطول عمراً، خاصة أنهم يهتمون بالصحة من خلال العمل اليومي، ويتناولون أغذية طبيعية، كما يفعل أغلب الفلاحين وخاصة في الصين، والكثير من مناطق جنوب شرق آسيا حيث مستوى الاعمار هناك أعلى من المعدلات المتعارف عليها حاليا. المشكلة تكمن في الانسان نفسه.سلفا داوسن: جميل ان يشعر الانسان انه قادر على الإستمرار بالحياة لاني اعتقد ان الموت شيء مؤلم. وهنا يمكن ان أسأل عن ميكانيكية الخلود.د. وليد البياتي: طبعا هو شعور جميل، اما ميكانيزم البقاء فيعتمد على توفر كل الظروف الطبيعية والموضوعية بحدودها العليا، ونحن نعيش الحياة داخل منظومة الحدود الدنيا أو المتوسطة وهذا ما يجعل أعمارنا محدودة، فكلما تعلم الإنسان أن يوفر الحدود العليا كما إقترب من البقاء أطول، طبعا من المهم ان نتعلم أن ليس كل الحدود العليا هي حدود مادية ولكن للجانب النفسي والمعنوي والروحي تأثيرات عالية في منح الانسان فرصة أطول بالحياة وهذا ما يجب الإهتمام به والتركيز عليه.كاتي ما كلايد: لقد انتظرت ان تصل إلى هذه النقطة كي أسأل في الجانب الروحي، اين هي المحفزات التي تمنح الانسان القدرة على الإستمرار.د. وليد البياتي: الذي اعرفه إنك تعملين مع حلقة من ممارسي اليوغا، والغاية من اليوغا هو تنقية النفس ودعم الجانب الروحي، وبالتالي فهذا جانب مهم، ذات الشيء بالنسبة لمعتقدي الاديان ومماراستهم كلما اقتربوا من الحقيقة كلما ازداد نقاء النفس والروح، وبالتالي يحدث التكامل بين الانسان والحياة.كا تي ماكلايد: هل يمكن تخصيص حلقة لنتحاور في التكامل بين الانسان والوجود.د. وليد البياتي: لا مانع عندي إذا تم الإتفاق على مناقشة هذا الموضوع، وعلى أية حال لدي بحوث مستقلة في هذا المجال نشرت قسما منها باللغة العربية وساترجمها لك إذا احتجت لها، كما ان طرح المناقشة يبقى قائما بعد ترتيب ذلك مع الجميع، فما رأيكم؟الجميع: لا باس نوافق وكلنا لديه افكار حول الموضوع.هنا إستأذن الدكتور هندرسن والبروفيسورة وليامز لارتباطهم بمواعيد، فطلبت من الحضور أن نتوقف عن الحوار عند هذه النقطة على أن نستكمل البحث فيها وفي موضوعات أخرى بعد ترتيب مواعيد محددة تناسب الجميع.د. وليد البياتي: لابد ان أشكر الجميع على هذه اللقاءات المفيدة والحيوية، وجزيل الشكر لزملائي الدكتور هندرسن والبروفيسورة وليامز. وشكري لكم جميعا.الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيالمملكة المتحدة - لندن18 تموز 2013م
https://telegram.me/buratha