تقدر مجموعات حقوق الإنسان أن هناك حوالي 15 مليون عامل مهاجر في بلدان الخليج العربي، في البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات، يعملون بأجور زهيدة ويعيشون في مساكن قذرة ومكتظة،
ويشكلون العمود الفقري لاقتصاديات العرب النفطية، فبينما تتباهى مشيخات النفط والغاز في قطر والإمارات بناطحات السحاب اللامعة وبأعلى معدل لدخل الفرد في العالم، يكمن السر القذر وراء نجاحهم الظاهر في استغلال الملايين من البشر من آسيا وأفريقيا.
عندما تم افتتاح برج خليفة في دبي رسمياً في أيار الماضي، توفي عامل هندي إثر سقوطه منه، وبالكاد تم ذكر تلك المأساة في ذلك الحين، لكنها تمثل فقط واحدة من مئات حالات الانتحار التي ينفذها العمال الأجانب في جميع أنحاء الخليج العربي، فيما حدثت وفيات أخرى نتيجة الإهمال المتعمد والوحشية على أيدي أصحاب العمل، هذا مجرد لمحة من البؤس الروتيني الذي يتعرض له العمال الأجانب في هذه الدول.
من الصعب التحقق من الأرقام، لكن تشير التقديرات إلى أن الآلاف من العمال الأجانب الآخرين يتعفنون في سجون تلك البلدان العربية مُتهمين بارتكاب جرائم وجنح من قبل أرباب العمل، وقد تشمل الجنح العمال الذين يشتكون من ظروف قاسية أو الأجور المعلقة، أو الفرار من أماكن عملهم، يسمى أولئك العمال بالهاربين ومن المألوف أن نرى الملصقات في الأماكن العامة التي تقدم مكافآت للمساعدة في تعقب الفارين، هذه العبودية في أبشع صورها.
تأتي الحشود التعيسة من الهند وباكستان والفلبين وأندونيسيا وأثيوبيا والسودان ويعملون كخدم، كخادمات ونادلات وفي أعمال البناء، تم بناء جميع الأماكن الفاخرة التي تعتبر وجهات لعطلات أغنياء العرب والغرب من قبل عمال يتقاضون أقل من 150 دولاراً في الشهر، العديد من أولئك العمال يموتون جراء الإصابات الصناعية أو الإجهاد الحراري نظراً لعدم توفر الحد الأدنى من معايير السلامة، في نهاية عملهم لمدة 12 ساعة في اليوم، يتم تجميعهم ضمن شاحنات ليساقوا بعدها إلى أماكن إقامتهم القذرة.
تتآمر الشبكة العالمية لوكلاء التوظيف والجهات الراعية لتسليم أولئك العمال في ظروف عمل همجية ليست أكثر من عبودية بالسخرة، يتم في الغالب خداع العمال بوعود بأجور وظروف لائقة، فقط لينتهوا مؤخراً بعيش حياة جهنمية وسوء صحة وفقر تحت رحمة أصحاب العمل عديمي الضمير.
تستخدم عبارات ملطفة مختلفة، مثل "العمال الضيوف"، "العمال المهاجرين"، "الرعايا الأجانب"، تستخدم هذه العبارات ، كما هو الحال مع صاحب العمل والكفيل، لإخفاء حقيقة أن نظام العمل في الخليج العربي الذي تقوم عليه الاقتصادات العربية هو شكل من أشكال العبودية الحديثة، فيما لا يحصل العمال على أية حقوق قانونية، وغالباً ما يحرمون من الأجور المستحقة لهم، لدى وصولهم لدول الخليج تتم مصادرة جوازات سفرهم، ليس لديهم وسيلة لإنصافهم وبالتالي يصبحون كأي متاع آخر يملكه الإنسان، في كثير من الأحيان، يكمن طريقهم الوحيد للخروج من البؤس المروع بإقدامهم على الانتحار.
تاريخياً، كانت تجارة الرقيق العربية واحدة من أكبر وأقدم تجارة العبيد في العالم، سبقت التجارة الأوروبية الأمريكية بما لا يقل عن 700 سنة، حيث قامت الأخيرة باستعباد ما بين 11 و15 مليون أفريقي، بشكل رئيسي من الساحل الغربي للقارة، بينما يقدر أن يقوم التجار العرب باستعباد المزيد من الملايين من شرق أفريقيا.
انتهت تجارة الرقيق العربية في العصور القديمة رسمياً في القرن التاسع عشر، وفي عام 1948، ألغى إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان كل أشكال العبودية، ومع ذلك، ما يمكننا قوله نظراً للظروف الأليمة الممنهجة للعمالة الخارجية في اقتصاديات الخليج العربي اليوم هو أن تجارة الرقيق العربية لا تزال مستمرة وبحالة جيدة، وملحقة الضرر بملايين الأفراد، في هذه الملكيات الاقطاعية التي تخدعهم واشنطن ولندن على أنهم "حلفاء إقليميون"، المهم هو العبودية للاقتصاديات التي يفوق فيها عدد العمال الأجانب عدد السكان المحليين، في البحرين والإمارات، عدد العمال الأجانب أكثر من نصف السكان المحليين، في قطر، حوالي ثلاثة أرباع السكان هم من العمال المهاجرين.
يشير ذلك إلى وجود تناقض عميق لمشاكل الحكام، في حين تتم زيادة ثروة أولئك الطغاة دون شك من استغلال الأسعار الزهيدة للعمالة الأجنبية، يقبع مواطنوهم ضمن مستنقعات كبيرة من البطالة، في السعودية، مثلاً، تشكل البطالة بين الشباب ما بين 30 و50%، إلا أن المملكة توظف جيشاً من العمال الأجانب بحوالي تسعة ملايين، هذا الفارق الكبير هو موضوع تذمر السعوديين للقيام باحتجاجات مناهضة للملكية على مدى العامين الماضيين، البطالة والفقر هما بالطبع أحد الأسباب الدافعة للاستياء بين البحرينيين ضد نظام آل خليفة الذي ظل لعقود يعتمد على استيراد العمالة الرخيصة لدعم اقتصاد المحسوبيات لديه.
تناقض آخر صارخ هو ادعاء هذه الملكيات أنها تدعم الاحتجاجات الديمقراطية في سورية، كما في ليبيا العام الماضي، أنظمة تجار العبيد العرب تدعم حقوق الإنسان في البلدان العربية الأخرى، هذا مجرد كلمات سخيفة جداً.
6/5/13125
https://telegram.me/buratha