هناك دولةٌ واحدةٌ في هذا العالم لا يتردّد بعض أعضاء العائلة الحاكمة فيها أن يقولوا لشعبها – وعبر وسائل الإعلام الرسمية – بأن عائلتهم اكتسبت السلطة بقوة السيف ولن تتخلى عنها إلا بالسيف .
وهذه الدولة هي تحديداً مملكة آل سعود , ولا نقول " السعودية " , لأن في استعمال هذه الكلمة الأخيرة ما يدلُّ على عقلية تقول باستعباد البلاد والعباد , خاصةً وأن سَعْوَدَة المواطنين لا تعني جعلهم مساوين للعائلة الحاكمة في الحقوق والواجبات .
هذه المملكة – التي كان التفريط بفلسطين أحد شروط قيامها – لم تكفّ في الماضي , ولا تكفُّ في الحاضر , عن التحرّك في المناطق التي تعتبرها مجالاً حيوياً لها أو لحلفائها , لفرض نفوذها أو عنفها أو إغوائها بشتى السبل والوسائل بما يخدم أهداف الامبريالية والصهيونية أكثر بكثير مما يخدم أهدافها هي , وإلا لكان بوسعنا أن نقول لحكامها " حلالٌ عليكم ! " . وقد يتّسع المجال الحيوي بالنسبة لها حتى يصل إلى آمادٍ لا تخطرُ لأحدٍ على بال . ومع ذلك , فإنّ هذه المملكة أو العائلة تعيشُ أزمتها الداخلية التي تتنامى كلما دار عدّاد الزمن سنةً إضافية .
فالملوكية التي يفترضُ أن تحصر في أبناء عبد العزيز حتى يموتَ آخرهم هي في سباق مع المنيّة التي تتربّص بالأحياء منهم وقد باتوا جميعاً في سنّ الشيخوخة . وما أن يؤشر العداد إلى نهاية الخيارات المبرمجة بين الجيل الأول حتى تثور المشكلة بين الآلاف من الأحفاد وأبناء الأحفاد الذين يشكلون ما يمكن أن نسمّيها بالهيئة العمومية للعائلة الحاكمة . وبما أن الشعب مغيّب , فإن الهيئة العمومية للعائلة عليها أن تجد الأسلوبَ أو الطريقة التي تسمح لها بإدارة المملكة بشكل سلس .
وحيث أنه لا يوجد قانونٌ أو دستور يحكم هذه العملية , فلا أحد يعرف كيف ستدارُ الأمور . لكنّ المشكلة لا تقف هنا , ذلك أن هناك من يتوقع بأن يستلّ البعضُ من أمراء العائلة السيف في مواجهة أمراءٍ آخرين , وأن يتحوّل سيف عبد العزيز من سيف أخضع القبائل الأخرى بقسوة وضراوة ودموية إلى سيف يخضع أغلبية أمراء العائلة لسيطرة أقليّةٍ منها تضع يدها على مراكز القوّة والنفوذ .
وهذا المشهد تُجمع على توقعه الكثير من الجهات , بما في ذلك المؤسسات البحثية الأمريكية والأوروبية . وحين نقول إن هذه المؤسسات تتوقعه , فإنّ الأيدي الأجنبية – وخاصةً الأمريكية والبريطانية – لا بُدّ وأن تكون قد عملت ومنذ بعض الوقت على ضمان استمرار هيمنتها . ومنطقيٌ إزاء فرضية من هذا النوع أن نتوقع تركيز القوى الأجنبية على ما تعتبرها صمامات السيطرة والأمان في العائلة . هذا من حيث المضمون , وأما من حيث الشكل فلا بدّ وأن تكون هذه الجهات تفكر في البحث عن صيغ ما تجمّل الصورة ولا تغيّر الجوهر .
إن الصمّامات التي تهمُّ القوى الاستعمارية , هي تلك الموالية لها كلياً من جهة , والتي تؤمن السيطرة العملية على الأمور التالية من جهة أخرى :
أولاً – الإمساك بتلابيب السيطرة في الداخل بما يضمن قمع أيّ حراك شعبي , ولكن بأساليب جديدة أكثر تطوراً من تلك الأساليب السائدة الآن .
ثانيا – الإمساك بالقدرات الدفاعية للبلاد سواء تمثلت بالجيش أو الحرس الوطني أو الأمن بتشكيلاته المتعددة, والتي هي أيضاً أدوات للسيطرة على الداخل , بما يحصر وظائفها فيما يتفق مع مصالح الولايات المتحدة وشركائها الغربيين .
ثالثاً – الإمساك بخطوط النشاط الخارجي بكل أدواته التنظيمية بما فيها إرهاب الجماعات التكفيرية بما يضمن استمرار السياسات القائمة فيما يعتبر مجالاً حيوياً للتحرك .
رابعاً – ضمان استمرار الموقف السعودي التقليدي الملتزم بخدمة المصالح الأمريكية وأمن إسرائيل .
إن إنجاز أهداف من هذا النوع يتطلب من بين ما يتطلب تركيز السلطة الفعلية بين أيدي عدد من الأمراء . ربما كانوا بالعشرات أو حتى المئات , ولكن ليس بالآلاف . وهنا تبدأ المشكلة المتمثلة في إيجاد مركز للقوّة قادرٍ على ضبط الأمور في نطاق العائلة قبل أن يكون قادراً على ضبط الأمور في نطاق المملكة , ومواصلة الدور الذي تلعبه فيما تعتبره مجالاً حيوياً لسياستها .
نحنُ منذ الآن نسمعُ أصواتاً من داخل العائلة , سواء من جيل أبناء عبد العزيز مثل الأمير طلال , أو من جيل أحفاده مثل الأميرة بسمة بنت سعود , تصدعُ بمواقف ورؤى تعترض على السياسات والأساليب السائدة . وهي أصواتٌ تستحق بالتأكيد كلّ احترام , خاصة وأنها تأتي من داخل العائلة , وتدلل على صحّة المثل القائل بأن " أصابع اليد الواحدة ليست مثل بعضها البعض " , فكيف إذا كان الأمر يتعلق بآلاف الأمراء ؟ .
إنّ أصوات المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي باتت تبرز من داخل العائلة قابلةٌ للتوسع أكثر فأكثر في قابل الأيام , خاصةً وأن الأوضاع الراهنة تشكل حافزاً على مثل هذا التوجّه . ومن المرجّح أن تتشكل على أساسها تكتلات يصدع كل منها بوجهة نظره , خاصةً وأنّ الإحساس بالمخاطر التي يمكن أن تترتب على إحساس الشعب بالمظلومية , يدفع بعض الأمراء إلى البحث عن سبل تخفيف التوتر بينما ينحصر تفكير آخرين في وسائل قمعه . وهنا قد نجد أمراءً يحاولون الاستقواءَ بالشعب بينما يرفض آخرون هذا الاتجاه الذي يعتبرونه تنازلاً عن حقوق السلطة المطلقة التي اكتسبت بالسيف .
ربّما افترض البعضُ أنّ التوفيق بين طرفي الخلاف أو أطرافه ضمن العائلة هو أمرٌ ممكن في ضوء إمكانية اجتماع العائلة حول مصالحها . وهذه فرضية صحيحة من حيث المبدأ , ولا نقول باستحالة تحققها , ولكن هذه الفرضيّة يمكن أن تواجه عملياً عقبات كأداء يمكن تلخيصها بما يلي :
أولاً – عقبة الضمير الذي قد يكون ميتاً عند البعض , ولكنّه حي عند البعض الآخر . فكيف يمكن التوفيق بين ضمير حي وآخر ميت ؟ .
ثانياً – عقبة توزيع السلطة والثروة . فإذا كان توزيع الثروة ممكناً – ولو نسبياً – فإن توزيع السلطة ليس بنفس السهولة .
ثالثاً – عقبة الرفض الشعبي المتنامي للنظام وممارساته , وما يشكله هذا الرفض من ضغط على العائلة , يختلف تأثيره من أمير إلى آخر .
رابعاً – عقبة السلوك الخارجي للسلطة السعودية , والألغام التي يمكن أن تتفجّر تباعاً كلما اكتشف دورها بالعبث في بعض الساحات , مما يخلق لها المزيد من الأعداء , ويضع أمامها المزيد من التحديات .
خامساً – عقبة التفاوت في المستوى العلمي بين الأمراء . فمن المنطقي الافتراض بأن المتعلم أكثر , وصاحب الاختصاص , أحق بممارسة السلطة في مجاله ممّن كان حظه من التعليم محدوداً . لكنّ مثل هذا المنطق يحتاج إلى إقراره من حيث الأساس .
والمشكلة الآن , أن مثل هذه العقبات المستقبلية يمكن أن تنفجر الآن دفعة واحدة , وذلك في ضوء الخضّة التي شهدتها المنطقة العربية , والتي اصطلحت بعض الجهات على تسميتها بـ " الربيع العربي " , وبوادر الانفجار الفعلي للحراك الشعبي في مملكة آل سعود الذين لسوء حظهم اعتمدوا سياسات عدائية ضد الآخرين , تحرّض على " الثورة " كما لو كانوا دعاة ثورة , فانطبق عليهم القولَ " أتدعونَ الناس للبرّ وتنسون أنفسكم " ؟ . فالنار التي سعوا إلى إشعالها , والإرهاب الذي غرقوا في تشكيله وتصديره , كل ذلك بات يهدّد بانفجار الأوضاع في المملكة على نحو يتجاوز كل التصوّرات .
2/5/13124
https://telegram.me/buratha