* د. علي مرزا عَمِل سابقا” في وزارتي النفط والتخطيط العراقية وككبير مستشاريين في قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة.
ــــــــــــــــــــــ
مقدمــة
وردت في وسائل الأعلام وفي تصريحات رسمية أرقام عن مشروع موازنة 2012. وذُكر أن مجلس الوزراء صادق على المشروع وأُرسل إلى مجلس النواب لمناقشته تمهيدا” لأقراره. وفي الحقيقة فإن تفاصيل مشروع الموازنة غير منشورة بوثائق رسمية متاحة. فهو لا يتوفر في الموقع الإلكتروني لوزارة المالية ولا بين مشاريع القوانين المعروضة للمناقشة في موقع مجلس النواب. لذلك سيتم الأعتماد, في هذا المقال, على ما تيسر من أرقام وجداول وردت في وسائل الإعلام.
أولا”: أرقام الموازنة
ياتي هذه المشروع ليمثل اكبر حجم لموازنة عامة عراقية. إذ ان رقم تخصيصات الإنفاق فيه تبلغ 117 ترليون دينار ويعادل ذلك 100 مليار دولار. وفي هذا المنعطف من مستوى الأسعار النفطية هناك شعور بالوفرة المالية حيث بلغ معدل سعر النفط العراقي في الأسبوعين الأولى من 2012 حوالي 105 دولار للبرميل. كما سيتخطى تصدير النفط في 2012 مستواه في 2011. وفي كل الأحوال فإن الشعور بالوفرة أو العجز المالي سيعتمد على ما سيحصل في سوق النفط الدولية وعلى قابلية القطاع النفطي في تصدير الكميات المخططة. ويعرض الجدول (1) تخصيصات نفقات وإيرادات موازنتي 2011 و2012 وعجز الموازنات وتقدير تخميني للأرقام الفعلية لعام 2011.
جدول (1) الموازنة الإتحادية, ترليون دينار
2012 2011
موازنة فعلي/تخميني موازنة
117.1 97.9 96.7 النفقــــات
79.9 68.1 66.6 الجارية (تشغيلية)
40.1 34.4 34.4 رواتب العاملين ورواتب تقاعدية
11.6 9.5 9.5 الإعانات والمنح والمنافع الاجتماعية
9.4 8.2 6.9 التعويضات وخدمة الديون الخارجية
4.7 4.9 3.6 تعويضات حرب الكويت
4.7 3.3 3.3 خدمة الديون الخارجية
13.6 12.2 12.2 السلع والخدمات
5.6 3.8 3.8 أخرى وإحتياطي
37.2 29.8 30.1 الاستثماريـة
10.7 7.0 7.0 القطاع النفطي
4.8 3.7 3.7 الكهرباء
13.9 14.9 14.9 الوزارات الأخرى وكردستان
7.9 4.2 4.4 تنمية الأقاليم والمحافظات والبترودولار
102.3 106.1 80.9 الإيـــرادات
94.4 97.0 71.9 النفطية (بما فيها 5% تعويضات)
7.9 9.1 9.1 غير النفطية
- 14.8 8.2 - 15.7 العجز أو الفائض
المصادر: موازنة 2011: الموقع الإلكتروني لوزارة المالية. موازنة 2012: نيوزماتك, http://anm-news.net/index.php/permalink/7608.html. وكذلك مقالات ظهرت في مواقع إلكترونية متعددة. أرقام 2011 فعلية/أولية: جرى تقديرها في ضوء عوائد النفط 2011 الفعلية وإنتاج النفط والغاز والتكرير الفعلية من موقع وزارة النفط العراقية. في ضوئها قدرت التعويضات (5%) والنفقات المتوقعة للبترودولار. البترودولار هي تخصيصات تدفع للمحافظات المنتجة للنفط والغاز والمصفية للنفط بواقع دولار لكل برميل أو لكل 150 م3 من الغاز. يلاحظ في الجدول عند جمع الفقرات عدم المطابقة مع المجموع المبين بسبب التقريب.
ملاحظة: سعرالصرف يساوي 1,170 دينار للدولار الواحد.
ولعل أول ما يجلب الإنتباه في موازنة 2012 هو حجم الرواتب والمنح والإعانات والمنافع الأجتماعية. إذ تبلغ فقرة تخصيصات رواتب العاملين في الدولة والرواتب التقاعدية حوالي 40.1 ترليون دينار, في حين تبلغ فقرة المنح والإعانات والمنافع الاجتماعية 11.6 ترليون. إن معظم الفقرة الثانية فيما عدا عن بعض الإلتزامات الخارجية وغيرها ضمن “المنح”, هي إعانات ومنافع اجتماعية (بما فيها الحصة التموينية وإعانات منشآت القطاع العام). فإذا أفترضنا أن 75 بالمئة من الفقرة الثانية تمثل إعانات ومنافع اجتماعية فإن مجموع االفقرة الأولى و75% من الثانية يبلغ 48.8 ترليون دينار. ويعادل ذلك 41.7 مليار دولار.[i]
إن هذه الرواتب والإعانات والمنافع الاجتماعية تكاد أن تصيب جميع العوائل العراقية. فلقد بين نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة في مقابلة مع قناة “العراقية” الفضائية في 16/12/2011 أن عدد الذين يستلمون رواتب من الدولة هو 2.75 مليون وأن عدد المتقاعدين هو 2 مليون وأن من يستلمون إعانات ومنافع إجتماعية يبلغ المليون. أي ان العدد الكلي يبلغ 5.75 مليون شخص. وفي ضوء متوسط عدد أفراد العائلة في العراق الذي يبلغ 6.9 شخص[ii] وعدد سكان يقدر بحوالي 34.3 مليون في منتصف 2012 فإن عدد العوائل العراقية يبلغ 5 مليون. ولابد أن جلهم يتصل بشكل أو بآخر بمستلمي الدفعات الحكومية (5.75 مليون شخص). وبالرغم من أحتمال وجود تكرار في أسماء مستلمي الدخل من الدولة (نتيجة الفساد) وتكرر الموظفين أو مستلمي التقاعد والإعانات في نفس العائلة إلا أنه يمكن هذه القول, في ضوء هذه المؤشرات, أن العوائل العراقية تكاد أن تعتمد جميعها على موازنة الدولة
ثانيا”: التقلبات الدورية في عوائد النفط والموازنة
إتسمت أسعار النفط في السوق الدولية خلال الأربع عقود الماضية بما يشبه الدورات cycles التي كانت تتراوح صعودا” ونزولا” حول خطوط إتجاهية صاعدة للفترتين 1970-1978 و2000-2011 وخط إتجاهي نازل للفترة 1979-1999.[iii] وفي كل دورة ترتفع وتنخفض الأسعار ومعها عوائد النفط. وعندما لا تتخذ الترتيبات اللازمة لتعويض تقلب الأسعار تتعرض تخصيصات نفقات الموازنة إلى تقلب يضر بالعملية التنموية ويؤثر سلبا” بالمناخ الاقتصادي. وبما ان مشروع الموازنة يعد في السنة السابقة للسنة المعنية فإن مستوى أسعار اصادرات النفطية وقت إعداد الموازنة, يؤثر في حجم التخصيصات. ولكن في العراق أستمر حجم تخصيصات الإنفاق بالإرتفاع في موازنات السنتين 2009 و2010, مقارنة مع 2008, بالرغم من الإنخفاض الشديد لأسعار النفط خلال الفترة من تشرين الثاني 2008 إلى نيسان 2009. ويعود ذلك إلى ثلاثة عوامل. الأول هو فائض الموازنة المتجمع منذ 2003 والذي كان يسمح بتمويل معظم العجز خاصة في 2009. والثاني هو صعوبة تخفيض الأنفاق الجاري لأسباب إنتخابية وشعبوية. والثالث هو أن الإنخفاض الكبير في أسعار النفط إنما كان قصيرا” بمدته بمعيار مدد الإنخفاض التاريخية التي حدثت خاصة تلك التي أستمرت من 1981/1982 إلى نهاية تسعينات القرن الماضي.
غير أن التقلب في الإنفاق العام مع تقلب العوائد النفطية سيحدث في العراق إذا طالت فترة إنخفاض أسعار وعوائد النفط وأقترب الفائض المتجمع من النفاد. وعادة ما تكون أول ضحية في تخفيض الإنفاق هي المخصصات الاستثمارية. إذ يصعب الإبتداء بالتخفيض في النفقات الجارية لأسباب تعود لصعوبة تخفيض دخول اغلبية السكان ولأسباب سياسية. إن هذا الأمر ينبغي أن يدفع إلى العناية بمسألة تجنب التقلب المستقبلي في الإنفاق, قدر الأمكان. وبالرغم من وجود ترتيبات أخرى ممكنة لتجنب تقلب أسعار ومن ثم عوائد النفط كإجراءات التحوط
https://telegram.me/buratha