بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
توطئة:كنا قد ناقشنا في دراساتنا السابقة العناصر التاريخية المؤدية إلى نهاية الحقبة التاريخية لعديد من الدول، فقد سبق وان نشرت الدراسات التالية: (إشكاليات الشرق الاوسط الجديد دراسة في فلسفة نهاية التاريخ)،( المنظمة العربية لممالك الخليج الفارسي دراسة في فلسفة نهاية التاريخ)، (نضوج الرؤية التحررية في المجتمعات الانسانية)، (سقوط عرش الآلهة)، ( نهاية عصر الشتاء العربي دراسة في فلسفة نهاية التاريخ مهداة الى شهداء الثورة) (إشكاليات المستقبل بين تنامي السلطة وغياب فلسفة الدولة دراسة بنيوية في فلسفة الدولة العراقية)، (إنهيار منظومة الوعي العربي)، (إشكاليات ألأنا عند الحكام العرب)، (إنحطاط الرؤية في الفكر الوهابي)، (جرائم السعودية في البحرين)، (الحرب العالمية الثالثة)، (تنامي فكرة الخلاص وإنهيار جدار الخوف - دراسة في فلسفة نهاية التاريخ )، (بدايات عصر التغيير العربي)، (النظام السعودي وإسرائيل تبادل المراكز وإرهاصات ما قبل الفناء دراسة تحليلية في فلسفة نهاية التاريخ)، (نظرية الانهيار التسلسلي للانظمة الرأسمالية الولايات المتحدة نموذجا)، (نظرية صناعة العدو)، (مبدأ القوة غير المباشرة والصراع في منطقة الفراغ - دراسة في نهاية التاريخ)، (إنهيار نظرية الهيمنة، وسقوط الحلفاء )،(إشكاليات التحول وفلسفة التغيير)، ( عصر الفزع الاصغر)، ( فلسفة تحولات التاريخ المعاصر)، (السعودية وإسرائيل أكبر جرائم التاريخ الحديث )، ( سقوط الحضارة الغربية في صراعها مع الاسلام رؤية تحليلية معاصرة )، ( خطوات في العصر الامريكي الاخير ).شكلت هذه الدراسات مادة لكتابي فلسفة نهاية التاريخ، لكن يبقى تساؤل يقول: هل إقتربت نهاية دولة آل سعود؟ وكنت قد أجبت على هذا التساؤل حين قلت ان كل مجموعة بشرية تحمل في بنائها التكويني بذور نهايتها كما يحملها الانسان الفرد نفسه. وان دولة أبناء سعود ستنتهي خلال فترة لن تتجاوز عشرة - خمسة عشر سنة تزيد او تقل قليلاً. ونحن في هذه الدراسة نؤكد ما ذكرناه سابقاً وفقاً للتقارير الصادرة عن مراكز الدراسات الإستراتيجية خلال السنتين الاخيرتين.تقارير تؤشر بداية النهاية:كانت مؤسسة (هيريتدج) اليمينية الامريكية قد إستعرضت إمكانية قيام ثورة في السعودية نتيجة لتنامي الظلم والفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولتردي العلاقة بين الدولة والمجتمع، مع ملاحظة حتمية تعطل إنتاج البترول فيها وأثر ذلك على حركة التصدير بسبب غلق او تفجير انابيب البترول. ووقف التصدير البحري نتيجة لغلق المضائق النفطية، مضيق هرمز ومضيق باب المندب واحتمال غلق مضيق جبل طارق.من جانب آخر وضعت المنظمة خططاً لما بعد النظام السعودي، ولما بعد إنهيار صادرات النفط عبر الخليج، وقدمت مقترحاتها للادارة الامريكية لإتخاذ إجراءآت طواريء لتقليل الخسائر التي لا يمكن تفاديها، في إشارة إلى إن كل من روسيا وإيران ستسعيان لإستغلال الوضع الدولي المرتبك لإحكام نفوذهما على العالم آخذة بنظر الاعتبار تراجع الدور الامريكي في الشرق الاوسط وخسارته لمراكز النفوذ في الدول الحليفة له.وأما في إطار المخططات المتسارعة لإيجاد مبررات لضرب إيران، أو لتقريب موعد الضربة العسكرية المشتركة (أمريكية-إسرائيلية- عربية خليجية)، فقد وضع عدد من الخبراء في مؤسسة هيريتدج (أرييل كوهين و ديفيد كروتزر وجيمس فيليبس وميكييلا بنديكوفا) تقريرا في ثماني صفحات يقول: " بان سقوط النظام السعودي وإنهيار منظومة حلفاء أمريكا في الخليج، سيكون أكثر خطراً من أغلاق مضيق هرمز نتيجة للضربة العسكرية التي ستسبب ارتفاعا هائلا في اسعار النفط في كل انحاء العالم بل قد تؤدي إلى إنهيار عدد كبير من شركات التصدير الكبرى اضافة لإنهيارات مصرفية متلاحقة قبل ان تتمكن الولايات المتحدة من وضع ترتيبات لاعادة ترميم الممرات المائية البحرية ".تعليقي على التقرير: يكشف التقرير عن عدداً من النقاط يمكن إيجازها:1- إن المجتمع الغربي يشعر بالرعب نتيجة لإمكانية إنهيار منظومة الحلفاء في الخليج، فالسعودية وقطر والبحرين أنظمة غير مستقرة وهي لا تمتلك مقومات البقاء فالعلاقة بينها وشعوبها ضعيفة وغير مستقرة وتفتقر إلى المصداقية.2- إن إنهيار منظومة حلفاء أمريكا سيؤدي إلى إيقاف صادرات البترول وإرتفاع سعر البرميل الخام والمصنع بشكل دراماتيكي يؤدي إلى إنهيارات إقتصادية كبيرة.3- إن روسيا وإيران ستتمكنان من التحكم بالإقتصاد والسياسة العالمية.4- تراجع الدور الأمريكي في الخليج والشرق الاوسط.5- تراجع الدور الأوربي في الشرق الاوسط.6- تنامي دول آسيان بتعاونها مع كل من روسيا وأيران في الهيمنة الاقتصادية.7- نهاية إسرائيل كنتيجة لضعف الدعم الامريكي - الاوربي وللضغوط الاسلامية التي ستتسبب بقيام حرب تحسم موعد نهاية الدولة العبرية.صراع في البيت الحاكم:منذ البدء شكل عمر الملك عبد الله (88) عاماً عنصراً من عناصر إشكاليات الصراع على العرش خاصة بعد وفات وليي العهد سلطان بن عبد العزيز (2005- 2011م)، ونايف بن عبد العزيز (2011 - 2012م). ثم تنصيب سلمان (78) عاماً. وفي ضوء الحالة الصحية المتردية للملك عبد الله وأحتمالات موته المتوقعة في أي لحظة، فان الصراع على العرش سوف لن يكون سهلاً بعد ان كشف الجيل الثالث عن رغبته الملحة في الوصول إلى السلطة التي أعاقها حضور أبناء عبد العزيز.لاشك إن أي تغيير دراماتيكي في الحلقة الحاكمة في البيت السعودي سيؤدي إلى ظهور نتائج سلبية في العلاقات السعودية الامريكية الاوربية الاسرائيلية، فالعلاقات السعودية الغربية ظاهرة وأساسية في توطيد العروش الخليجية غير ان للعلاقات السعودية الاسرائيلية مكانة تأسيسية تشكل قاعدة لعلاقاتها الغربية.السعودية وإسرائيل:ربما لم تعترف السلطة السعودية بإسرائيل منذ قيامها (1948م) ففي تلك الفترة عقد إجتماع سري بين الرئيس الامريكي ترومان وعبد العزيز آل سعود يقول الاتفاق: " تدافع الولايات المتحدة عن الحكومة السعودية ضد أي إعتداء مسلح، على أن لا تشارك السعودية في أي هجوم يشنه العرب على إسرائيل " . وهذا يفسر كيف ابتعدت السعودية عن الحروب الثلاثة التي خاضها العرب ضد إسرائيل في الاعوام (1948م، 1967م و 1973م). خلال حكم الملك خالد كان فهد بن عبد العزيز ولياً للعهد عام (1978م) قال: " سننظر في قضية الاعتراف بإسرائيل إذا ما إعترفت بها باقي الدول العربية ". وفي عام (1981م) تقدم فهد بمشروعه المعروف (مشروع فهد)، من ثمان بنود لتسوية النزاع العربي الاسرائيلي، الذي طوره في مشروع قمة فاس (1982م). ثم تلتها حوارات اللواء المتقاعد (أنور الآشكي) مع (يائير هارتشفيلد) وبحث قضية السلام، وقد أكد الاشكي فيه علم الحكومة السعودية بهذا اللقاء على الرغم منه انه لم يكن بصفة رسمية وقتها.خلال فترة سفارته في الفترة بين (1983م - 2005م) لعب بندر بن سلطان دوراً مهماً في توطيد العلاقات السعودية - الامريكية والسعودية - الاسرائيلية، وإستطاع أن يذلل الكثير من الصعاب ويقرب وجهات النظر خاصة في فترة الحرب العراقية الايرانية، حيث عمل كوسيط لايصال السلاح الأمريكي والاسرائيلي إلى صدام. ثم لقاء (عادل الجبير) السفير السعودي في واشنطن مع نائب وزير الدفاع الاسرائيلي (إفرايم سنية) الذي اكدته صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية وقتها في تعليقها على اللقاء السعودي الاسرايلي: " إن رواق ديفيد وولش (رئيس قسم الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الامريكية جمع الرجلين وتبادلا الحديث معاً ".ما قبل النهاية:كانت السعودية قد تورطت بإرسال عدد كبير من قطعان السلفية الوهابية (سعوديين واردنيين وسودانيين وفلسطينيين وأشباههم) لقتل الشيعة في العراق بعد سقوط الطاغية صدام، مدعومين بفتاوى القتل الصادرة عن من يدعون انفسهم بعلماء الوهابية في السعودية وبقية دول الخليج منذ نهايات (2003م) وحتى الان، ثم قامت الدروع السعودية مدعومة ببعض قطعات خليجية بعبور الجسر إلى البحرين للقضاء على المعارضة البحرينية (2011م) لتزيد من جرائمها الدولية، ثم عمدت مع قطر على إرسال قطعانهم إلى سوريا وجاهروا بشن حرب دولية وعربية عليها على لسان منافستهم قطر، غير ان الموقف الأوربي جاء على خلاف تمنيات السعودية وقطر، فالموقف الفرنسي جاء حاسماً ورافضاً لأي تدخل اوربي فيما يجري في سوريا ورفض ارسال قوات غربية اليها، وأما الموقف البريطاني فقد حمل تلميحات ان القوات يجب ان لا تكون غربية (أي يمكن ان تكون عربية خليجية)، والموقف الاوربي العام كان يقول للسعوديين إذا رغبتم بالقتال في سوريا فاذهبوا بانفسكم الى هناك، بينما الموقف الامريكي لا يزال حرجاً وهم في البيت الابيض يدركون انهم غير قادرين على الإستمرار في دعم السعودية وتبرير سلوك نظامها الفاسد، كما انهم غير قادرين على الإستمرار في دعم إسرائيل في ذات الوقت، وذلك للارتباط التاريخي والموضوعي بين النظامين السعودي والاسرائيلي بإعتبارهما حليفا واشنطن.وقبلها كان سقوط مبارك قد وضع السعودية وخاصة القصر في حالة من الهياج، فتم توجيه اتهامات للرئيس الامريكي اوباما بان الولايات المتحدة تتخلى عن حلفائها وخاصة انها تخلت قبل ذلك عن صدام. تغيير معادلات التحالف:فمنذ البدء كان الاتجاه السائد في القصر السعودي ان العلاقة مع الولايات المتحدة تقوم على حماية العرش السعودي في قبال تزويدها بالنفط وعدم محاربة إسرائيل، غير ان المعادلة تغيرت، فلم تعد هذه البنود بالضرورة هي في مقدمات عناصر التحالف، فثمة إتجاه يسود الان في الولايات المتحدة، هوالحفاظ على الداخل الامريكي، فالمصلحة الامريكية الان مقدمة على أية مصلحة أخرى بما فيها أمن إسرائيل، ففي تقرير أعده عدد من الخبراء الاستراتيجيين الامريكيين من عشرة جامعات امريكية ممن يسمون انفسهم (جماعة أميركا أولاً) أرسل إلى الرئيس الامريكي أوباما يقول: " بالحفاظ على المصلحة الامريكية وتقديمها على أي مصلحة أخرى "، وطالبوا: " أن لا تهدر الولايات المتحدة طاقاتها وان لاتهدر اموالها وتضعف إقتصادها من أجل كسب الحلفاء او الحفاظ عليهم لانهم ومنذ ثلاثة عقود صاروا عبئا كبيرا على الاقتصاد الامريكي ولم يتمكنوا من أن يكونوا فاعلين في التوازن الدولي بل انهم وخاصة دول الخليج يتسببون بالكثير من المشاكل الدولية كما تفعل إسرائيل نفسها، وان على الولايات المتحدة أن تتخلص من حلفائها في الخليج واستبدالهم بقوى ذات إتجاه ديمقراطي" . وقد اشارت التقارير إلى " التذمر الذي يعيشه المجتمع الخليجي الرافض لأنظمة الحكم الاستبدادية ".إن تغيير المعادلات الدولية، وتغيير منهج التحالفات في السياسة الامريكية سيؤدي إلى أن تبحث الولايات المتحدة عن تحالفات جديدة، ومناهج حكم غير هذه السائدة حاليا وخاصة في الخليج، لكن هذا لا يعني انها ستبقى فاعلة في الشرق الاوسط، لان المتغيرات نفسها تعني أن واشنطن تفقد هيمنتها في هذه المنطقة، وستتراجع قدراتها في التأثير على مستقبلها السياسي. فخلال العقدين القادمين ستتراجع قدرات واشنطن في الشرق الاوسط مع بروز كبير للقدرات الاسلامية المدعومة من الجمهورية الاسلامية في إيران.العد التنازلي للنظام السعودي:كنا قد ذكرنا في بحوث سابقة أن السعودية قد دخلت في نهايات عمرها الإفتراضي وان القادة هناك يدركون هذه الحقيقة كمت يدركها حاكم البيت الأبيض، وكما هو معروف لدى قيادات الاتحاد الاوربي، كما تعرفها إسرائيل، فالصراع على العرش قد خرج إلى العلن ولم يتمكن البلاط السعودي من إخفائة أو تبرير الاحداث الجارية على الارض هناك، ولعل هذه الاسباب تفسر محاول إشغال الداخل السعودي بما يحدث في الخارج لتشتيت الانتباه عن الانهيار الداخلي الذي قد بدأ منذ أكثر من أربعين عاماً. فالسعودية في الوقت الحاضر تطالب الولايات المتحدة بالوقوف ضد عملية التحرر وأن تقوم واشنطن بقمع الشعوب المطالبة بالديمقراطية، نفس الديمقراطية التي تنادي بها واشنطن، إي انها تطالب الولايات المتحدة بالخروج عن القواعد التي الزمت نفسها بها، بل انها تطالبها بأن تحارب روسيا والصين والدول الحرة من أجل الحفاظ على العرش السعودي وهذا غير ممكن، لأن الموقف الأمريكي قد تغير فعلاً. من جانب آخر فان البيت الابيض يرقب ان يحدث تغيير في الحكم السعودي مع رغبته في أن يكون القادم للحكم في السعودية حليفاً للولايات المتحدة، ومع أن هناك إتجاه في الولايات المتحدة يقول بضرورة تغيير كلي في السلطة في الجزيرة العربية، وليس بالضرورة بقاء آل سعود في الحكم، وهو يمثل حالياً (55%) من نسبة الداعين إلى التغيير، إلا ان بعض الخبراء يرون الحاجة إلى تغيير مرحلي لا يتجاوز العشرة سنوات يؤدي بالتالي إلى خروج آل سعود من الحكم كلياً وتغيير كلي يشمل تغيير أسم الحكم وبنية السلطة هناك.الموقف الامريكي الاخير جاء يقول ان النظام السعودي صار عبئاً على السياسة الامريكية وعليها التخلص منه قبل ان تغرق في المزيد من وحول الالتزامات التي وضعتها على نفسها لحماية حلفائها، ونحن نتوقع نهاية النظام السعودي خلال عشرة - خمسة عشر سنة أقل أو اكثر مع أن حساباتي التاريخية وفقا لجداولي في سقوط الحضارات فان السقوط سيكون بحدود عشرة سنوات، فالنهاية قريبة.الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيdr-albayati50@hotmail.co.ukالمملكة المتحدة - لندن6 / تشرين الأول / 2012م
https://telegram.me/buratha