( بقلم : السيد محمد الطالقاني )
المقدمةفي كل عام تنطلق المسيرات الحسينية الكبرى من مدينة النجف الاشرف الى مدينة كربلاء الدم تخليدا لذكرى أربعينية سيد الشهداء وأبي ألاحرار ألامام الحسين عليه السلام .تتحرك هذه المسيرات لتعاهد ألامام الحسين واخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام على مواصلة الدرب والثبات على نهجهم الثائر مهما تفرعن الطغاة .وفي عام 1977 م فرضت ألسلطات البعثية ألكافرة أحكاما جائرة ضد الجماهير الحسينية بمنعهم من أداء مراسيم الزيارة الى مدينة كربلاء كما منعت جميع ألشعائر المتعلقة بالامام الحسين (عليه السلام) .لكن الامة المؤمنة بمبادئ الامام الحسين( عليه السلام) لم تأبى ذلك فانطلقت شاهرة سيوفها بوجه الحكم العفلقي الاستبدادي الجائر متجاهلين ذواتهم ومصالحهم ومتخلين عن أهوائهم وشهواتهم ,هدفهم إعلاء كلمة الله واحقاق الحق .
فبدأت المواجهة الكبرى مع النظام البعثي الكافر حيث تحدّت الجماهير الحسينية الطائرات والدبابات ,والحديد والنار بدروع بشرية ليعلنوا بداية انتفاضة حسينية اسلامية كبرى .ورايت أنه من الواجب الشرعي في هذا الوقت الذي ضيّع فيه صدام المقبور واتباعه كل الحقائق على الجيل الجديد .كان لزاما علينا أن نسجل للتاريخ شيئا مما شاهدناه في تلك الانتفاضة المباركة حيث كان لنا الشرف في الاشتراك بها .ووفاءا لتلك الدماء التي سالت من أجل بناء العراق الاسلامي الاصيل ,وقد شهدتم ثمرات تلك الدماء الزواكي الان بهلاك كل من حارب تلك الشعائر الحسينية وسقوطه في مزبلة التاريخ .وهكذا بقيت (يحسين بضمايرنا) ماثلة في نفوسنا بارزة في قلوبنا ,وسوف تبقى ذكرى هذه الطليعة المؤمنة الثائرة التي قادت انتفاضة صفر عام 1977 م راسخة في نفوسنا نرويها للاجيال المقبلة ليتخذوا منها درسا في مقارعة الظلم.
تمهيد...لقد أثبتت إنتفاضة صفر المباركةأهمية الامة في الصراع وبطلان الكثير من التصورات الخاطئة في الاستخفاف بقدرة هذه الامة وعدم اعتمادها في الصراع .لقد عبّرت الجموع الحسينية المنتفضة في العشرين من صفر أنها منظمّة برباط الاسلام وحب أهل البيت عليهم السلام ,وسائرة في درب سيد الشهداء وأبي الاحرار الامام الحسين عليه السلام .فكان الحس الحسيني وروح الاسلام وتحدي الظالمين قويا في نفوسهم ألابية .لقد تصور النظام العفلقي المقبور أنه استطاع أن يصفي التيارالاسلامي والذي يتمثل بالمرجعية الدينية وذلك بعد وفاة مرجع الطائفة أنذاك السيد محسن الحكيم (قدس) والذي كان للنظام البعثي المقبور يد في وفاته .فاعتقد النظام انه قد اجتاز عقبة كبيرة بوفاة هذا الزعيم الديني رضوان الله تعالى عليه.لكن الامة بقي التاريخ يغلي في شرايينها حتى تحركت الجموع المؤمنة في العشرين من صفر تحركا بطوليا أثبتوا فيه حبهم لسيد الشهداء عليه السلام ووفائهم للمرجعية الرشيدة .فخيبوا آمال النظام المقبور الذي توهم بانه قد استطاع أن يُدخل هذه الامة تحت سيطرته وفي مساره .لقد نجح ثوار انتفاضة صفر المباركة نجاحا كبيرا في تحويل الموت الذي أراد به العملاء العفالقة إرهاب الثائرين ,الى شعار يدفع بهم المزيد من العطاء والاصرار والتحدي .بداية المؤامرة...بعد عامين من تسلط الزمرة العفلقية على رقاب الامة ,حاولت منع المواكب الحسينية في النجف الاشرف وخصوصا ليلة ويوم العاشر من محرم الحرام حين انتهزت السلطة مرض المرجع الديني أنذاك السيد محسن الحكيم (قدس).فقامت الاجهزة الامنية التابعة للنظام العفلقي باستعمال اسلوب التهديد والاعتقال لكل من يحاول أن يمارس هذه الشعائر الحسينية ,فما كان من فدائيوا الامام الحسين عليه السلام إلا أن يخرجوا في مواكب حسينية ضخمة وبشعارات مدوّية داخل الحرم العلوي الشريف .فاطلقت السلطات البعثية النار على تلك الجموع البشرية واغلقوا رجال الامن الصدامي أبواب الصحن الشريف وقاموا بحملة اعتقالات واسعة بين المشاركين في تلك المواكب الحسينية الثائرة والتي واصلت هتافاتها رغم كل تلك الاجراءات الامنية , ولم تنسى الامة في تلك الساعات الحرجة مرجعيتها حيث اخذت تهتف لها بكل شجاعة وصلابة .وهنا لعب الامداد الغيبي دوره في فتح أحد أبواب الصحن الحيدري الشريف بعد أن اغلقت السلطات الامنية كل الابواب لسد المنافذ على الثوار .فاندفعت الجموع الغاضبة الى خارج الصحن الشريف تعلوها الهتافات والاهازيج ,واستمرت المواجهة مع البعثيين الاوغاد حتى منتصف الليل أسفرت عن إستشهاد أحد الابطال وجرح العديد من المؤمنين فخافت السلطة الحاكمة في بغداد من إستمرار الازمة فارسلت وزير داخليتها انذاك المقبور (صالح مهدي عماش) لتهدئة الاوضاع في النجف ,فأمر جلاوزته بعدم التعرض إلى المواكب الحسينية ومحاولة احتواء الازمة والسيطرة عليها باتباع أساليب اخرى ماكرة كالتهديد المبطّن تارة والعلني تارة اخرى .ولكن الجموع البشرية الغاضبة استمرت في هياجها دون اكتراث لامر السلطةواستمرت في أداء الشعائر الحسينية وقدمت في سبيل ذلك العديد من الشهداء الذين ماتوا بعد ذلك في سجون البعث الكافر والاف من الشباب المؤمن الذي ظل يرزح تحت سياط الجلادين
قبيل الانتفاضة...بعدسبع سنوات من وفاة السيد محسن الحكيم (قدس) وفي عام 1977 م كان هنالك حظر تام على المواكب الحسينية ,حيث قامت السلطة الحاكمة بانزال القوة المسلحة من الامن والمخابرات والحزبيين الى شوارع مدينة النجف الاشرف لارعاب الناس وتحذيرهم من عدم الخروج بمواكب حسينية .ولكن الشباب المؤمن بالثورة الحسينية خطط للخروج بمسيرة عزائية ليلة العاشر من المحرم في نفس السنة (1977م)وتوزعت عدة مجاميع على أطراف مدينةالنجف الاربع .فأحست السلطة الحاكمة بذلك فقامت باعتقال العشرات من الشباب المؤمن قبل المسيرة واودعتهم السجون .ولكن عزيمة الشباب لم تبرد أبدا ولم تهدأ فقد قرروا الخروج في يوم الخامس والعشرون من المحرم حيث ذكرى استشهاد الامام زين العابدين عليه السلام .وبعد ان استشاروا الشهيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس) بهذا الامر كان الرأي أن تتاجل المسيرة الى يوم اربعينية الامام الحسين عليه السلام وذلك لان التجمع البشري في هذا اليوم أفضل من غيره مما يعطي للمسيرة رونقا خاصا .وفعلا قام الشباب الحسيني بحملة إعلاميةكبيرة على مستوى محافظة النجف الاشرف خصوصا وعلى مستوى المدن الشيعية الاخرى عموما ,وذلك بالاعداد لتلك المسيرة الكبرى التي سوف تنطلق الى مدينة كربلاء سيرا على الاقدام .واخذت المجاميع الحسينية تجتمع يوميا في مجلس عزاء حسيني سياسي اقيم في تلك الفترة الحساسة في بيت أحد وجهاء مدينة النجف الاشرف حيث تم تهيئة أعلام صغيرة خضراء اللون كتب عليها (نصر من الله وفتح قريب).وتقرر أن تكون ساعة الصفر للمسيرة الكبرى في الساعة الحادية عشر من صباح الخامس عشر من شهر صفر.
خوف السلطة الحاكمة..أحسّت السلطة الحاكمة بالخوف من تلك المسيرة الكبرى فاخبرت أزلامها في النجف بالالتقاء بالعشائر ورؤساء المواكب الحسينية وإقناعهم بعدم الخروج للمسيرة بشتى الاساليب ومهما كلف الامر بذلك .فعُقدت عدة لقاءات مع وجهاء محافظة النجف الاشرف ورؤساء المواكب الحسينيةكان أولها ذلك الاجتماع الذي عقد في مدرسة الخورنق من قبل مسؤول الكادر الحزبي ,واخرها الاجتماع الذي عقده محافظ النجف والذي إتسم بطابع التهديد والوعيد وحاول أن يمنع عملية المسير الى كربلاء بشتى الاساليب, ولكن محاولاته هذه لم تلقى آذان صاغية من قبل الحاضرين ,ولما سخنت لغة الحوار في ذلك الاجتماع واشتدت لهجة الحديث أخذ المحافظ يهدد باتخاذ إجراءات قمعية بحق كل من يخالف قرار اسياده .عندئذ لم يحتمل الجمع المومن كلام هذا المجرم فقام اليه الشهيد عباس عجينة ووقف متحديا بقوله :(ان المسيرة سوف تخرج غدا, وفي موعدها المقرر وليحصل مايحصل).ثم انفضّ الاجتماع.وفي مساء نفس اليوم وزعت منشورات تحثّ الناس على عدم الانصياع لامّر السلطةالجبانة الحاقدة وقد وزعت هذه المنشورات بالرغم من الاجراءات الامنية المشددةالتي كانت تعيشها محافظة النجف انذاك .
وانطلقت المسيرة...في الساعةالحادية عشرة من صباح يوم السادس عشر من شهر صفر سنة 1397هجرية ومن محلة البراق بالتحديد ظهرت راية خضراء اللون كبيرة الحجم كتب عليها (يد الله فوق ايديهم )يحملها شاب حسيني المبدأ علوي الارادة وهو الشهيد ناجح محمد كريم وكان معه ثلّة من الشباب المؤمن .تقدمت الراية الخضراء ومن معها الى الصحن العلوي الشريف فتصدّت لهم قوة من الامن والشرطةالبعثييون في محاولة يائسة منهم لمنع المسيرة الراجلة .وفي هذا الاثناء كانت هنالك مجاميع جهادية حسينية أخذت توزع الاعلام الصغيرة التي كتب عليها (نصر من الله وفتح قريب ).عند ذلك أغلقت مدينة النجف الاشرف محلاتها وأخذ اصحاب تلك المحلات يلتحقون بالمسيرة الحسينية حتى تكامل الموكب الحسيني الثائر .عند ذلك ارتفعت الاصوات بالشعارات الحسينية ودخلت الجموع الثائرةالى الصحن العلوي الشريف ,ثم الى شارع الرسول( صلى الله عليه واله وسلم) ,ثم رجعت الى شارع الامام الصادق(عليه السلام) فتحولت الى زخم بشري هائل لم تستطع أجهزة الامن القمعية من التصدي لهم .وكانت اللحظةالحاسمة حين وصلت المسيرة الى منطقة الميدان حيث قامت الجموع المؤمنة بحمل الشهيد صاحب ابو كلل على الاكتاف حيث أخذ يردد شعارات تحث الناس على مقاومة كل من يقف بوجه هذه المسيرة الحسينية.ومرّت المسيرة من أمام مبنى المحافظة والجماهير تهتف (يجاسم كله للبكر ذكر حسين مايندثر).ثم اخترقت المسيرة منطقة وادي السلام حتى غدت مدينةالنجف وكانها خلت من أهلها .ولم تتمكن السلطات البعثية من منع الزخف البشري الهائل فحاولت منع سيارات الامدادات الغذائية عن المسيرة ولكن اصحاب تلك السيارات فرّوا منهم وسلكوا طرق اخرى وعرة ليلتحقوا بالمسيرة بعد ذلك .وفي هذا الاثناء حضر مسؤول كبير من القصر الجمهوري الى مدينة النجف الاشرف والتقى بمحافظ النجف طالبا منه ايقاف المسيرةفورا .فقال له المحافظ المقبور :إننا سوف نسوّي الامر معهم ,وما هم إلا مجموعة أطفال سوف نقضي عليهم .ولكن موفد القصر الجمهوري أصرّ على أن يرى المسيرةبنفسه .ولما وصل الى موقع المسيرة شاهد مدينة النجف قد خرجت باكملها شيبا وشبابا ,علماءا وكسبة.فقال المسؤول البعثي لمحافظ النجف :أهولاء الاطفال الذين اخبرتنا عنهم ؟
المسيرة تتجه الى كربلاء..واصلت مسيرة المشاةالحسينية طريقها الى مدينة كربلاء الدم معلنة رفضها وتحديها للسلطةالحاكمة حتى قطعت مسافة ثمانيةعشر كيلو من محافظةالنجف الاشرف لتصل الى منظقة خان المصلى .حيث قرر الثائرون المبيت فيه للاستراحة .فتوزع الشباب في تلك المنطقة كل ياخذ موقعه على شكل مجاميع لحراسة المسيرة أثناء الليل .وفي صباح اليوم الثاني تهيأ المؤمنون للخروج من الخان تتقدمهم راية (يد الله فوق ايديهم )وقد شوهدت سيارة للشرطة البعثية على الشارع العام أخذت تهدد المسيرة وتامرهم بالرجوع الى مدينة النجف الاشرف تحت تهديد السلاح .ولكن الشباب الحسيني الثائر إنهال بالضرب بالحجارة على تلك السيارة حتى لاذت بالفرار .وفي الوقت نفسه وقفت سيارات الامن الصدامي على حدود مدينة النجف الاشرف مع كربلاء تلقي القبض على كل مسافر من الشباب يتوجه الى مدينة كربلاء بحجة انه يريد الالتحاق بالمسيرة .المرحلة الثانيةللمسيرة...واصلت المسيرة طريقها باتجاه مدينة الحسين عليه السلام حتى وصلت الى المحطة الثانية وهي منطقة (خان النص) وقبل الوصول الى هذه المنطقة إعترضت المسيرة سيارة صغيرة من نوع تويوتا رصاصيةاللون نزل منها أحد ازلام النظام البعثي وهو معاون مدير أمن النجف انذاك, فشهر مسدسه الفضي اللون واخذ يطلق منه الرصاص على الجموع الحسينية الزاحفة فانهالت تلك الجموع عليه بالضرب بالحجارة مماأضطر للهرب بسيارته دون رجعة .ووصلت المسيرةالى منطقة خان النص عصرا فاستراحة الجموع الثائرة في هذه المنطقة حيث وزعت الاطعمة والاشربة عليهم .واقيمت الدوريات والحراسات من قبل مجاميع الشباب الذين اعدوا لهذا الغرض وكانت كلمة السر فيما بينهم هي (حيدر) ,فكانوا كلما احسوا بوجود شخص مشبوه ومشكوك فيه تنطلق الاصوات عليه بكلمة (برغش) فيخرج هذا الشخص المشبوه بالركلات واللكمات بعيدا عن منطقةالخان .وهكذا ظل الشباب المؤمن في موضع الحراسة طوال اليل البارد حيث كانوا يعتلون سطح الخان العالي وهم يحملون ابواقا خاصة للتحذير في حالة أي اعتداء بعثي غادر ,حيث كانت الدوريات البعثية تجوب الشارع العام المؤدي الى كربلاء طوال تلك الليلة .
الصباح المؤلم....وفي الصباح تحركت المسيرة من منطقة خان النص باتجاه كربلاء وهي تردد الهتافات الحسينية .وعند ابتعادها عن منطقة الخان إقتحمت قوات الامن الصدّامية مؤخرة المسيرة فقامت باطلاق النار عليهم واعتقال قسم من الحسينيون ,فوقع اشتباك بينهم وبين تلك الجموع الغاضبة أسفر عن سقوط أول شهيد حسيني وهو فتى في الرابعة عشر من عمره ,سقط قتيلا برصاصةلئيمةأطلقها عليه أحد جلاوزة السلطة الكافرة .وكان الشهيد هو ( محمد الميالي) والذي أوصى قبل استشهاده بحمل قميصه الملطخ بالدماء مع المسيرة الى كربلاء على أن يوضع في قبر أبي الفضل العباس( عليه السلام) .بعد ذلك رجعت المسيرة ثانيةالى منطقة الخان واقتحم رجالها الغاضبون مركز الشرطة الموجود هناك واخرجوا المعتقلين من المركز وانزل علم الدولة من المركز ووضع محله راية خضراء اللون .ثم رجعت المسيرة لمواصلة طريقها الى كربلاء .
دور المراة النجفية في الانتفاضة ..بعد وصول خبر هجوم أزلام النظام البعثي على المسيرة الحسينية في خان النص تأزم الوضع في مدينة النجف الاشرف فخرجت المدينة بمن بقي فيها من الشيوخ والنساء للالتحاق بالمسيرةوقاموا بالقاء الهتافات المعادية للسلطة امام مبنى المحافظة .فقامت السلطة بتطويق النساء المؤمنات والاعتداء عليهنّ ,ولكن المراة النجفية البطلة تصدت لهم بالحجارة وفشلت السلطة من منعهنّ من المسير الى كربلاء فاضطرت السلطةالكافرة للرضوخ الى ارادتهنّ القوية والسماح لهنّ بمواصلة مسيرتهنّ .
أبي الفضل العباس عليه السلام يتلقى ضيوفه ..التحقت النساء المنتفّضات بالمسيرة الكبرى وكانت قد وصلت منطقة خان النخيلة ,ليواصلنّ مع الجموع الثائرة الطريق الى كربلاء .وفي هذا الاثناء وصلت المسيرة الى منطقة سكنية يقطنها البدّو وبعض العشائر العربية فانطلقت الاصوات تردد إهزوجة (أسمع العباس ناده ياهلّه بهاي الضيوف....إشلون أأدي هلتحيه واني مكطوع الجفوف), فاستنهضت الجماهير الحسينية تلك العشائر بهذه الاهزوجة .فاخذ سكان تلك المنطقةيباركون للمسيرة وأعلنوا رغبتهم بالانضمام الى تلك المسيرة والمشاركة مع هذه الجموع الزاحفة إلى كربلاء .وراحت المسيرةتواصل سيرها حتى وصلت إلى المنطقة قبل الاخيرة وهي (خان النخيلة).وكالعادة توزعت المجاميع الجهادية على وجبات للحراسة وكانت كلمةالسر هنا (الاربعين ).وفي هذا المكان تم تهيئة عدة لافتات كتب عليها شعارات حسينية ثورية قام بخطها الشاب المؤمن (أبو علي الصائغ ).المعجزة الالهية ...وفي عصر يوم الثامن عشر من شهر صفر جاء سادن الروضة الحيدرية أنذاك لمقابلة الثوار بامر السلطة البعثية الكافرة ,فاخذ يتمادى في كلامه على الثوار الابطال وقال لهم )إننا سمعنا بان أهل النجف يريدون غزو كربلاء ؟.فقام اليه أحد المومنين فبصّق في وجهه وقال له :(نحن لسّنا وهابيين حتى نغزو كربلاء) . فرجع سادن الروضةوهو يجر أذيال الخيبة .وهنا لعبت المعجزة الالهية دورها مرة اخرى حيث هطلت الامطار بغزارة واشتدّ البرد ليلا مما اعاق تقدم قوات الحرس الصدّامي من منطقة المسيّب والتي كان من المقررلها أن تضرب المسيرة في تلك الليلة .موقف المرجعية الرشيدة ..وصلت المسيرة الى مرحلة حساسة حيث تستعد للدخول الى كربلاء ,وهنا لابدّ من توجيه خاص لدخول المسيرة خوفا من إستغلال بعض ذوي النفوس الضعيفة للحالة وإبعاد المسيرة عن أهدافها المرسومة لها .لذا قررت المرجعية مساندة المسيرة,فارسلت مبعوثا منها إلى الثوار وهوسماحة اية الله شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس) .وعند وصوله رحمه الله قال للثوار :(نحن أرسلتنا المرجعية لكم لتقف معكم وتضّمن حقوقكم) .فنهضّ إليه الشهيد يوسف الاسدى وأخذ يسرد هموم الثوار وماجرى عليهم من هولاء المرتزقة .ثم نهض الشهيد صاحب ابوكلل وقال للسيد الحكيم (قدس):كلنا قررنا ان نموت في ضريح الامام الحسين( عليه السلام) .
بعد ذلك اعلن سماحة الشهيد محمد باقر الحكيم (قدس) وبكل شجاعة ومتحديا السلطة الكافرة قائلا :(أنا مستعد لان أكون بينكم واواصل المسيرة معكم الى كربلاء . فارتاح ألجميع لكلامه واعطى حضوره للمسيرة كسبا وتاييدا من قبل المرجعية للثوار .تهستر النطام الكافر ..لما قاربت المسيرة الوصول الى كربلاء وهي بكامل قوتها ومعنوياتها خصوصا بعد أن أعطت المرجعية الشرعية والمساندة لها .إشتاطت السلطة الحاكمة في بغداد غضبا لما يجري هنا فأمرت اللواع المدرع العاشر بالتحرك الى طريق كربلاء لاعتراض المسيرة وايقافها من التقدم .ثم أرسلت السلطة الجائرة طائرات من نوع (ميغ23)فوق المسيرة حيث قامت باطلاق أصواتا مزعجة بخرقها حاجزالصوت محاولة منّها خلق الرعب في صفوف الثوار .ولكن الثوار الابطال كانوا قد صمموا على الوصول الى كربلاء مهما كلّف الامر بذلك.لذا تقدمت الجماهير المؤمنة يوم التاسع عشر من صفر تتقدمهم الراية الخضراء وهم يهتفون (لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفا سيدي ياحسين )والطائرات البعثية تدوّي فوقهم وتطير على إرتفاع منخفض محدثة عواصف ترابيةأثر هذا الطيران المنخفض .
ولما وصلت المسيرة على مشارف مدينة كربلاء تقدمت الدبابات البعثية وعشرات المصفحات والعديد من سيارات الشرطةومئات المسلّحين وهم على أهبة الاستعداد وكأنهم يخوضون معركةعسكرية شرسة .عند ذلك إندفع الثوار أمام تلك الجيوش وهم يهتفون (ياحسين ),ثم خرج الشهيد يوسف الاسدي أمام المسيرة وهو يصرخ:( سوف نذهب الى الحسين مهما كان الثمن). فكمن له الاوغاد واحتوشوه وألقوا القبض عليه .عند ذلك سلكت المسيرة طريقا ترابيا وابتعدت عن الشارع العام الى طريق فرعي يدعى (الرجيبية) بعد أن ألقت السلطات الكافرة القبض على بعض الثوار من النساء وكبار السن حيث تم تطويقهم وانهالوا عليهم بالركلات والشتائم, ثم نقلوا بواسططة سيارات عسكرية ألى المعتقلات القريبة .
المسيرة تقترب من حوض الكوثر ...واصل حملة الراية الخضراء ومن معهم طريقهم الى كربلاء. فبعد أن سلكوا طريقا ترابيا ثم اخر موحلا وصلت المسيرة الحسينية بعد تلك الصعوبات الى ضريح أبي الفضل العباس (عليه السلام) باب الحوائج الى الله .فقام حماة الراية برمي قميص الشهيد محمد الميالي الدامي على ضريح أبي الفضل العباس عليه السلام حسب وصيّته( رحمه الله ).ثم طافت المسيرة بالصحن الشريف , بعد ذلك توجهت الجماهير المؤمنة الى قبر أبي الاحرار وسيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) لتصل المسيرة الى اهدافها المرسومة لها .
الغدر البعثي...وهنا لعب البعثيون لعبة قذرة كعادتهم حيث قاموا باشاعة فتنة بين الناس بان هناك قنبلة موقوتة وضعت داخل الصحن الحسيني الشريف وضعها احد العملاء(على زعم قولهم)يدعى محمد علي نعناع ويجب إغلاق ابواب الصحن . وفعلا أغلقت السلطات الامنية أبواب الصحن الشريف وهجم البعثيون الاقذار على الجموع الحسينية التي وصلت الى داخل الصحن الحسيني المبارك ,وقاموا بضربهم وشتمهم والقوا القبض عليهم ثم احتجزوهم داخل غرف الصحن الشريف .
بعد ذلك أقتيد الشباب المؤمن الى المعتقلات والسجون حتى غصت السجون بهم ,ثم قامت السلطات الكافرة بملاحقة الثوار الذين فروا من قبضتهم والقت القبض على قسم منهم فيما فر القسم الاخر .وقد لاقى الشباب المؤمن في تلك السجون أشدّ أنواع التعذيب وأقسى أنواع العذاب حتى استشهد قسم منهم تحت سياط الجلادين ,ومورست بحقهم كل انواع التعذيب الغير شريفة والغير انسانية حتى وصل الامر بهم الى قلع عيون الثوار وهم أحياء كما حدث ذلك مع الشهيد السيد عبد الوهاب الطالقاني (رحمه الله) واخرون .وكان لاعدام وتعذيب وسجن كل واحد من هولاء الابطال قصص سترويها الاجيال وفي تلك القصص حكايات رائعة لاتنسى .
وفاءا للابطال..وفاءا لاولئك الثوار من شهداء إنتفاضة صفر المباركة .هولاء الذين أعطوا رؤسهم لله لتتحول تلك الرؤس الى مشاعل للحرية أنعشت المحرومين وخرقت عروش الظالمين .فكان يوم خروجهم يوما مشهودا أعطوا فيه درسا لكل الاجيال بان الظالم عمره قصير .ونحن الان نعيش ثمرة تلك الدماء الزاكيات حيث سقوط عرش الطاغية الارعن في مزبلة التاريخ ونهاية الحكم الاستبداي في العراق.
وفي السطور التالية نستذكر اولئك الابطال الذين رووا بدمائهم شجرة الحريةفي العراق وفاءا منا لهم .الشهيد السيد عبد الوهاب الطالقاني ولد في مدينة النجف الاشرف واستشهد على يد السلطة البعثية أثناء الاعتقال ,وقد تم التمثيل به حيا قبل شهادته( رحمه الله )حيث قاموا بقلع عينيه .كان الشهيد الطالقاني رضوان الله عليه بطلا جريئا في مواجهته للبعثيين في العراق.وقد وصفه آيه الله شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس) بقوله:(كان للشهيد وهاب الطالقاني دورا عظيما في إقامة الشعائر الحسينية وفي توعية الجماهير قبل إنتفاضةصفر بعدة سنوت ,ألامر الذي أدى الى اعتقاله مرات عديدة بسبب الممارسات الثورية التي كان يقوم بها في توجيه الشعائر الحسينية ضد النظام البعثي).
وقد رايت بأم عيني في أحد الايام مدير أمن النجف أنذاك وهو يقول للسيد وهاب (رحمه الله) إمام الملأ واثناء مرور الموكب الحسيني (شباب علي بن الحسين )في باب الصحن الشريف .قال له المجرم :(سوف اقتلك ياوهاب ).
الشهيد عباس عجينهولد في مدينة النجف الاشرف وأستشهد تحت وطأة التعذيب الوحشي . لقد كان (رحمه الله) جريئا في مواجهة البعثيين كما ذكرنا سابقا عن دوره مع محافظ النجف أنذاك.
الشهيد صاحب ابو كللولد في مدينة النجف الاشرف واعتقل عقب إنتفاضةصفر وكان يردد (رحمه الله )وهو يحمل ثوب الطفل الشهيد :(سنموت على خطى الامام الحسين (عليه السلام). وسوف ندخل كربلاء ونزور قبره مهما كان حقد البعث علينا ).
الشهيد يوسف ستار الاسدي.ولد في مدينة النحف الاشرف .إعتقلته السلطات البعثية عدة مرات آخرها عقب إنتفاضة صفر. وكان (رحمه الله) يقول :(نحن لسّنا إسرائليون حتى يقتل هولاء ألخونة شبابنا وأطفالنا ويسبون نسائنا .وسوف نقاوم البعث الكافر حتى آخر قطرة من دمائنا) .
الشهيد كامل ناجي مالو.ولد في مدينة النجف الاشرف عام 1951م,كان حديث العهد بالزواج .أستشهد على يد السلطةالبعثية الكافرة وكان قد راى في عالم الرؤيا أنّ سيدةالنساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) تقول له بانك اليوم ضيف عندنا .وعند الصباح أقتيد الى ساحة الاعدام واستشهد (رحمه الله) وهو على طريق الامام الحسين (عليه السلام) .
الشهيد محمد سعيد البلاغيولد في مدينة النجف الاشرف 1957م.أستشهد على يد السلطة البعثية في وقت لايسمح القانون لمثل عمره أن يعدم, لانّ عمره دون السنّ القانوني . وهو الذي قال لوالدته قبل الخروج مع المسيرة :(إنني سوف أذهب الى زيارة الامام الحسين عليه السلام وستكون الاخيرة في حياتي .
الشهيد غازي خويرولد في مدينةالنجف الاشرف واعتقل بعد الانتفاضة واعدم على يد الجناة البعثيين وكان يردد (رحمه الله ):(أبد والله ماننسى حسيناه ).
الشهيد محمد المياليولد في مدينة النجف الاشرف ,واغتالته يد العمالةوهو في الطريق الى كربلاء وهو طفل صغير .وقد أوصى بعد إستشهاده أن يحمل قميصه الذي لطّخه الجناة بالدم الى قبر أبي الفضل العباس (عليه السلام) مع المسيرة .وفعلا تم تنفيذ وصيته (رحمه الله ).
الشهيد جاسم الايروانيولد في مدينة النجف الاشرف عام 1937م واستشهد على يد السلطة البعثية .وكان (رحمه الله) يردد دائما :(إنني ساضحي من أجل الامام الحسين (عليه السلام )وسوف أنال الشهادةفي سبيله ).
الشهيد ناحج محمد كريمولد في مدينة النجف الاشرف عام 1956م ,واعتقل بعد الانتفاضةالمباركة, واستشهد على يد السلطة الكافرة وكان يردد (رحمه الله) :(حب الحسين أجنّني) . وهوالقائل لسجّانيه :(لو أخرجتموني الان فسوف أذهب ماشيا على الاقدام لزيارة الامام الحسين (عليه السلام)) .
نتائج الانتفاضة ..كان لانتفاضة صفر المباركة 1397هجرية آثارا على النظام العفلقي الكافر ,تلك الاثار والنتائج أوّدت بهذا النظام الى السقوط والانهيار .ومن هذه الاثار والنتائج هي :1- كشفت القناع الاسلامي المزيف الذي كان يتقنع به الحزب الكافر.2- كسرت حاجز الخوف في العراق وحطمت الاسطورة العفلقية .3- إحدثت ثغرات وخلافات داخل الحزب المقبور, حيث تم طرد وزيريين من الحكم لرفضهما التوقيع على قرار الاعدام بحق الثوار الابطال .4- بينت الانتفاضة للاستبداد عملية تلاحم الامة مع مرجعيتها في إتخاذ القرار .
وفي نهاية قولنا نؤكد على أنّ انتفاضةصفر المباركةكان لها الدور الفعّال والمهم في تغّير تأريخ العراق السياسي. حيث كان لها الفضل في تعرية الحزب البعثي الكافر ومهّدت لانتفاضات ومواقف جهادية أخرى مثل انتفاضة رجب 1398هجرية وانتفاضة الخامس عشر من شعبان 1415هجرية واخرها سقوط النظام الصدامي ونهاية عصر الطواغيت في العراق.من منشورات حسينية ال محمد صلى الله عليه واله وسلم _النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha