دراسات

المُرجئة.. التاريخ.. والإعتقاد – ( سلسلة بُحوث الاديان)//

4829 00:35:00 2012-04-05

علي الشيخ حبيب

المُقدمة:- كنت اعمل في المملكة السعودية في تسعينات القرن الماضي، عندما شاهدتُ حادث دهسطفل صغير يمتطي دراجة هوائية من قبل رجل دين سعودي يقود سيارة حكومية بسرعة كبيرة، فقتل الطفل في الحال، وكنت من ضمن الذين اسرعوا الى مكان الحادث، ورد هذا الشيخ على منتقدية بشدة وعنف، ان أجل الطفل قد حان، ولا داعي للومة على قتله !! وانه اي الشيخ اداة فقط لتنفيذ حكم الله وقدره، بهذه الكلمات تم تبرير خطأ جسيم ارتكبة رجل دين بقتل طفل صغير، تابعتُ بعدها الموضوع بعد وصول الشرطة وإحالة هذا الشيخ الى المحكمة الشرعية في المنطقة الشمالية في المملكة السعودية، فقد تم اخلاء سبيل هذا الشيخ القاتل، لان الحادث كان قضاء وقدر، وان اجل الطفل قد انتهى، لان الله قرر ان يموت في هذا اليوم وعلى يد هذا الشيخ؟! ...

بعد تلك القصة المروعة وتبرير خطأ جسيم، ونسب هذا الخطأ الى الله عز وجل، والتجاوز على حدودة، وقتل نفس محترمة، اصبحت لدي الرغبة الكبيرة على التعرف على تلك العقيدة، والبحث عن جذورها التاريخية ومن يقف وراءها.....

استقراء التاريخ

ان التطورات السياسية المتلاحقة التي طرأت على الأمّة الاسلامية ، ابتداء من السقيفة وإلى نهاية الدولة العباسية كان لها أكبر الأثر في تشويه التاريخ إلاسلامي، وكان ذالك جليا في محاولة السلطات السياسة لاسيما في العهدين الأموي والعباسي، حيث تم توجية حوادث التاريخ بما يخدم سياستها، سواء كان ذلك على مستوى رواة الحديث او الاحكام الدينية التي كانت تصب في تمجيد الحاكم وصياغة الحدث التاريخي بما يناسب توجه السلطة وطموحاتها.

واصبح تاريخنا عبارة عن أدوار مختلفة بين انحراف واستقامة، وخطاْ وصواب ، وخرافات واْساطير، واْلوان دخيلة حتى وصل الينا التاريخ وهو مكبلاً بأغلال السياسية، والمنعطفات المذهبية التي ولِدت نتيجة رغية السلطان او الامير في خلق مذاهب اسلامية تتلائم مع رغباتة وطموحاتة ، ووصلت الينا كتب التاريخ وهي حُبلى في الاحداث والقُصص والاساطير الخُرافية التي ساهمت في توهين الاسلام بحوادث مُفتعلة، ولذا وجب علينا الاحتراز من كتب التاريخ نفسها، لأنها قد أسهمت وبشكل مباشر في تصطيح الوعي العام بجملة واسعة من الحقائق التاريخية المزورة التي اصبحت سنن لسلف صالح يقتدون بهم، وبطبيعة الحال لم يكن هذا البحث دعوة الى تسفية التاريخ وبطلان مصادرة كلها، بل على العكس من ذالك فقد وصلت الينا حقائق كثيرة لم تطلها يد التحريف والتزوير.

أن بحث أي فكرة او مذهب او حركة فكرية او مدرسة فلسفية على أساس تاريخي واقعي يستدعي قبل كل شيء التخلِ عن القدسية التي أحيط بها التاريخ، ويستدعي ذالك النظر إليه على انه مادة أولية لم تنقح كما ينبغي، وأن التاريخ مجرد أداة من أدوات وعي الفكر الانسان، وهو عبارة عن قراءة للتحولات السياسية والفكرية التي طراْت في التاريخ، وعلية يجب ان يكون التعامل معه بحذر ودقة وتأني دون أن تختلط الأْوراق، وربط كل حادث بسببها وكل معلول بعلته.

وإذا كان موضوع البحث هو تاريخ المذاهب والفرق الاسلامية، فأن هذا الموضوع فية حساسية كبيرة ويتطلب الإجابة العلمية على كثير من التساؤلات المتعلقة في الأسباب الحقيقية في نشأة المذاهب والفرق ، ومعرفة علة وجودها، وما هي حركة المفاهيم الإسلامية التي توشحت بها، ومعرفة قدرتها على التأثير في اوساط المجتمع ومن هم اتباع تلك المدارس، وماهي اهدافهم وماهي اسباب إخفاقهم ؟.

الدور الاموي في نشوء الحركات الفكرية التي اصبحت لاحقا مذاهب اسلامية؟.

كانت دعوة الاُمويين لتثبيت دعائم مذهب الجبرية الذي نشاء وترعرع في ظل الدعم الاموي اللامحدود، ولهذا نجد كتب الحديث مليئة بالأحاديث التي تؤيّد عقيدة الجبر ، وتحذّر من القدرية ومقولتهم في نفي القدر وتعدّت الأحاديث تسمية القدرية إلى تسمية غيلان الدمشقي باسمه الصريح ونسبته الدمشقية ، تدينهُ وتحذّر منه ، وتُثني على وهب بن منبه الذي كان يُخاصمه دفاعاّ عن عقيدة السلطان حيث يقول : ( سيكون في اُمّتي رجلان : أحدهما يقال له وهب ، يؤتيه الله الحكم ، والآخر يقال له غيلان هو شرّ على اُمّتي من إبليس) ) وقد تصدى ائمة اهل البيت الى تلك المذاهب الوليدة حيث ورد عن علي (ع) وهو يردّ شُبهة علقت في ذهن أحدهم ، حيث قال : « لعلّك تظنّ قضاءً حتماً وقَدَراً لازماً ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر ، ولسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم يكن علي مسيءٍ لائمة ، ولا لمحسن محمدة تلك مقالةُ عَبَدةِ الأوثان وخصماء الرحمن ، وقَدَرية هذه الاُمّة ومجوسها » انتهى.

فهو إلى هنا ينقض مقولة الجبرية ويسمّيهم بالاسم الذي هو أوفق بهم القَدَرية لأنهم الذين أثبتوا القدر اللازم ثم يُخبر بأن هؤلاء هم المُرادون في حديث ( القدرية مجوس هذه الاُمة ) وليس خصومهم القائلين بالتفويض .

ثمّ يواصل كلامه (ع) قائلاً : « إنّ الله عزّوجلّ كلّف تخييراً ، ونهى تحذيراً ، وأعطى على القليل ، ولم يُعْصَ مكرَهاً ، ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً ، ذلك ظنّ الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار» انتهى.

وعن الإمام جعفر الصادق علية السلام قال : « إنّ الناس في القَدَر على ثلاثة أوجه : رجل يزعم أن الله عزّوجلّ أجبر الناس على المعاصي ، فهذا ظَلَمَ الله في حكمه ، فهو كافر .. ورجل يزعم أنّ الأمر مفوض إليهم ، فهذا قد أوهَنَ الله في سلطانه ، فهو كافر .. ورجل يزعم أنّ الله كلّف العباد ما يطيقون ولم يكلّفهم مالا يطيقون وإذا أحسنَ حمدَاللّه ، وإذا أساء استغفر الله ، فهذا مسلم بالغ»انتهى .

وعن الإمام الرضا علية السلام ، قال : « ألا أعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه ، ولا تخاصمون عليه أحداً إلا كسرتموه : إنّ الله عزّوجلّ لم يُطَع بإكراه ، ولم يُعْصَ بغَلَبة ، ولم يُهمل العباد في ملكه ، وهو المالك لما ملّكهم والقادر على ما أقدرهم عليه ، فإن ائتمرَ العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادّاً ولا منها مانعاً ، وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينَهم وبين ذلك فَعل ، وإن لم يَحُلْ وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه » انتهى..

وعشرات النصوص في هذا المعنى عن سائر ائمّة أهل البيت وهم يشرحون العقيدة الصحيحة ، ويردّون الانحرافات .

المُرجئة :

المرجئة هي كلمة مشتقة من الإرجاء بمعنى التأخير ، كما في قوله تعالى : ( قَالُوا أَرْجِهْ وأَخَاهُ) أي أمهله وأخّره ، وسبب التسمية لأنهم أرجأوا الحكم في مرتكب الكبيرة إلى الله تعالى ويقولون بان الإيمان معرفة بالقلب وتصديق باللسان ، ولا يضر معه معصية ، وأن الحكم على المذنبين مُرجى إلى الله تعالى ، وعامّتهم قالوا : إنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، وهناك من يقول ان تسمية المرجئة مشتقة من الرجاء ، بمعنى رجاء الثواب لأهل المعاصي ، مستندين على قول المرجئة: (لا تضر مع الإيمان معصية) ، وكان أحمد بن حمدان الرازي ( قد نبه إلى خطأ لم يتنبه له سابِقه ، فعد إرجاع لفظ المُرجئة إلى الرجاء من الكلام العامي، لان الرجاء من رجا يرجو فهو راج ، وأما المُرجئ، فهو من أرجأ يرجئ فهو مُرجئ، فصوب النسبة إلى التأخير بكلا وجيهه المذكورين ، إما من قولهم في أصحاب الذنوب ( نرجئ أمرهم إلى الله ) وإما من تأخيرهم العمل عن الإيمان. قال: ولكن هذا صحيح من حيث اللغة فقط ، أما من حيث التأويل فالأمر مختلف) انتهى.

وأما القول بلزوم لقب الإرجاء لقولهم (الإيمان قول بلا عمل ) فهو خطأ ، لأنهم بقولهم هذا قد اسقطوا العمل ولم يؤخروا رتبته عن الإيمان ، وإنما يقال أرجأت الشيء : إذا أخرته ، ولا يقال أرجأته بمعنى أسقطته.

أقسام المرجئة ؟

اولا:- المرجئة القدرية : الذين قالوا بالقدر( التفويض ) مع الإرجاء.

ثانيا:- مرجئة الجبرية : الذين قالوا بالجبر مع الإرجاء.

ثالثا:- المرجئة الخالصة : الذين لم يخلطوا الإرجاء بالجبر ولا بالتفويض.

وهناك قسم رابع ذكره الشهرستاني بعنوان : مرجئة الخوارج الذين جمعوا خصالا ثلاثا: الإرجاء ، والقدر ، والخروج .

وثمّة قسم خامس مذكور جامع لكلّ تلك الأقسام ، وهو ما ذكره الشهرستاني ايضاَ من أنّ الإرجاء قد يطلق على من أخر أمير المؤمنين علياً (ع ) عن الخلافة، وان المرجئة تسمية تطلق على أهل المذهب السني.

لكنّ الذي يثار هنا أنّ هذه التسمية سيكون مصدرها عندئذ القائلون بتقديم علي علية السلام على الخلفاء الثلاث لوجود الوصية وبيعة الغدير.

وهناك تعريف اخر للمرجئة أورده الأشعري ، فهو مطابق لما قاله الشهرستاني في شمول لقب المرجئة للقائلين بتأخير الإمام علي علية السلام في تسلم مقاليد الخلافة الاسلامية بعد رسول الله صلى الله علية واله وسلم.

وهناك من يقول إن المعتزلة قوم مالوا إلى التشيع، فلزم هؤلاء جميعاً اسم الإرجاء ، لكن لا تعرف الأُمة أحدا يقال له هذا شيعي مرجئ، أن الإرجاء لقب لزم كل من فضل أبابكر وعمر وعثمان على علي علية السلام، ويقال إن أول ما وضع اسم الارجاء وظهر وشاع لمّا افترق أصحاب علي علية السلام بعد الحكمين فصار الناس ثلاث فرق :

1- فرقة مع عليّ (ع ) سُمّوا " الشيعة".

2- فرقة خرجت عليه (ع ) فسمّوا " المارقة " .

3- فرقة كانوا مع معاوية فسمّوا " المرجئة ".

ومما يدل على أسبقية اسم المرجئة لهذه الفرق الثلاثة ما ذكره أبو حاتم الرازي ، بعد نقله لشعر السيد الحميري بقوله : وسمعت من يذكر ان النبي انما شبّه المرجئة باليهود ..

وهناك من يقول "المرجئة" أصبح المعتزلة يطلقونه على من خالفهم في الوعيد، ولم يقطع بتخليد مرتكب الكبيرة بالنار .

طوائف المُرجئة؟.

الأولى:- هي طائفة السلطة الاموية ، وهي التي عرفت بالمرجئة الخالصة ، وأهل الإرجاء المحض.

والثانية :- بقيت على الإيمان بالإمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستوعبت باقي أقسام المرجئة من جبرية وقدرية وغيرهم.

تاريخ ظهور المُرجئة؟

من تمحيص الآراء المتضاربة يتحقّق أنّ أقدم ظهور للإرجاء بمعناه المشهور في الفصل بين الإيمان والعمل ، إنّما كان عند معاوية بن أبي سفيان وأصحابه ، ذلك إذا فسرت أقواله بحسب الظاهر الموحي أحياناً والصريح أحياناً اُخرى بالاستخفاف باليوم الآخر وبالحساب الاخروي، حيث قال معاوية للأنصار ، وقد قالوا له: لقد أخبرنا رسول الله (ص) بما لقينا ، فقد قال لنا : " ستلقون بعدي أثَرة " قال معاوية : بماذا أوصاكم ؟ قالوا : قال لنا : « فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض » فقال لهم معاوية :فاصبروا إذن ، وهذا الكلام هو استخفاف بوعد رسول الله (ص) وباليوم الاخر وبالحساب ؟! ...

إن معاوية أول من أظهر الاعتقاد بأن الإيمان لا يضر معه ذنب ومعصية، فتمادى في المعاصي غير مكترث بشيء ، فلما قيل له : حاربت من تَعلم ، وارتكبت ما تعلم، قال : وثقت بقول الله : ( إِنًّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيْعَاً ) ...

والإرجاء الذي قال به معاوية وعمرو بن العاص ومن ناصر الدولة الاُموية هو الذي عرفوه بالإرجاء الخالص، على الرغم أن معاوية وأصحابه كانوا يعتقدون بالجبرأيضا، وقد قال هؤلاء بالإرجاء ليبرروا للسلطة عبثها بأحكام الدين ، وبكتاب الله وسنة نبيه ، واستباحتها لحرمات المؤمنين واستبدادها بحقوقهم ، وأصبح هذا القول في ظل السلطان عقيدة يُنظر لها هؤلاء القائلون بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب ، والذين قالوا بإرجاء أمر مرتكب الكبيرة إلى الله تعالى، وهؤلاء يتلاقون إلى حدٍّ كبير مع طائفة كبيرة من جمهور العلماء السنة، الذين صنعوا خصيصاَ لتكون آراؤهم تتّفق تماما مع رجال البلاط الاُموي ومن يلوذ به..

ولما كان ذلك الإرجاء قد صِيغ لحماية السلطة والدفاع عنها ، فمن الطبيعي أن يضيق نطاقه ويتسع وفقاً لمصلحتها، فالسلطة حين تتعامل مع خصومها لا يمكن أن تتعامل معهم وفق عقيدتي الإرجاء والجبر اللتين أظهرتهما ، لأن خصومها وفق العقيدة الجبرية ، سيكونون معذورين لأنهم لم يصنعوا شيئاً من الخلاف إلا بقضاء وقدر لا يملكون إزاءه خيارا ، ووفق عقيدة الإرجاء ليس للسلطة أن تقيم عليهم حد العاصي الخارج عن الإسلام لأن الإيمان لا تضر معه معصية، وهنا ستقع السلطة بالتناقض الفاضح ، هذا التناقض قد خلق لها أعداء من شركائها في الارجاء أو في الجبر والإرجاء معا، حين وقف هؤلاء الشركاء مع عقائدهم لا مع مصلحة السلطة وسخريتها بالناس، فحصل بسبب ذلك التناقض أن قامت الحروب بين شركاء العقيدة ، فأظهر غيلان الدمشقي عقيدته بفساد بني اُمية ، وقد يكون ذلك بباعث من اعتقاده بالقدر ، الذي يُلقى عليهم بكامل تبعات أفعالهم ، فكان أيّام عمر بن عبد العزيز ، وبعد أن أظهر تراجعاً عن القول بالقدر استعان به عمر بن عبدالعزيز ، فقال له : اجعلني على بيع الخزائن، خزائن ملوك بني اُمية الماضين وردّ المظالم ، فكان يبيع تلك الخزائن وهو ينادي عليها : تعالوا إلى متاع الظلمة ، تعالوا إلى من خلَف رسول الله (ص) أما زعيم المرجئة الجبرية الجهم بن صفوان ، فقد خاض حرباً على ولاة الاُمويين ، فكان داعية الحارث بن سُريج في خراسان سنة 128 ه‍ حتّى اُسر وقُتل، وإذا صحّت نسبة سعيد بن جبير وأبي حنيفة إلى المرجئة ، فهما من هذا الصنف، فقد كان سعيد بن جبير في طليعة القراء الذين ثاروا على بني اُمية أيام عبدالملك ، وأبو حنيفة قد أفتي بنصرة زيد الشهيد وجعل خروجه على هشام كخروج رسول الله (ص) على المشركين يوم بدر، ثم ناصر محمد (النفس الزكية) وأخاه إبراهيم علي العباسيين.

وأبو حنيفة : هو الآخر منسوب إلى الإرجاء ، لكن ليس هو الإرجاء الاُموي ، إنّما نُسب إليه مثل ما نُسب إلى الحسن بن محمّد بن الحنفية ، قال: الإيمان هو التصديق بالقلب وهو لا يزيد ولا ينقص .. واستنكر الشهرستاني أن يُنسب إلى أبي حنيفة القول بتأخير العمل. قال الشهرستاني : هناك وجه آخر لنسبته إلى الإرجاء ، وهو أنّه كان يخالف القدرية والمعتزلة الذين ظهروا في الصدر ألأول ، وكانوا يُلقِّبون كلّ من خالفهم في القدر مرجئاً .. فهذا بعينه على آخرين ، مثل : سعيد بن جبير ، وحماد بن أبي سليمان ، ومقاتل بن سليمان وغيرهم ، لأنّهم لم يكفّروا أصحاب الكبائر ولم يحكموا بتخليدهم في النار.

يزيد بن معاوية.. الهوية والهوايات.

جلس معاوية ذات يوم فقال لأصحابه: أيكم يدلني على جارية طرطبية أتزوجها ، فسكت القوم ولم يعرفوا، ما قال: فقام ابن بحدل الكلبي إلى منزله فقال: العجب لمعاوية قد تكلم بكلمة ما سمعتها في العرب قط قالت ابنته: وما الكلمة قال: إن معاوية قال لنا: أما منكم رجل يدلني على جارية طرطبية أتزوجها؟قالت ابنته: فإني التي وصفه، والطرطبية التي في ثدييها طول في دقة لاتكاد تلد أنثى . فمكث ابن بحدل زماناً ثم قال لمعاوية: إنك كنت تكلمت بكلمة لم أعرفها وكرهت أن أسأل عنها فانصرفت إلى منزلي فذكرت ذلك لبعض أهلي فسمعتني ابنتي فقالت: أدلكه عليَّ فإني من بغية ما وصف قال معاوية: قد تزوجتها فزوجه وبنى بها فولدت له يعني يزيد .لكن ميسوناً سرعان ما كرهت معاوية ولم تحبه ووصفته بأنه سمين وكثر الاكل ، فطلقها وهي حامل بيزيد فرجعت الى قومها النصارى في بادية بني كلب وولدت يزيداً فنشأ بينهم وألِف حياتهم وكان أكثر وقته بينهم حتى بعد أن صار خليفة ، حتى مات عندهم في حُوَّارين وتسمى القريتين وكان كل سكانها نصارى .قال المسعودي في التنبيه والإشراف/264: (وكان يزيد عظيم الهامة بوجهه أثر جدري بيِّن ، يغدر بمن يعيش معه ويجاهر بمعصيته ، ويستحسن خطأه ويهوِّن الأمور على نفسه في دينه ، إذا صحت له دنياه.وفي طليعة ندمائه الأخطل الشاعر المسيحي الخليع فكانا يشربان ويسمعان الغناء وإذا أراد السفر صحبه معه ، ولما هلك يزيد وآل أمر الخلافة إلى عبد الملك بن مروان قرَّبه فكان يدخل عليه بغير استئذان وعليه جبة خز وفي عنقه سلسلة من ذهب والخمر يقطر من لحيته).وكان يزيد بن معاوية أشد الناس حبا للصيد، وكان يُلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب والجلال المنسوجة منه، ويهب لكل كلب عبداً يخدمه، وهوايتهُ مُهارشة الكلاب وصراع الديكة ، والأتن الوحشية ، والدباب ، والمعازف والرقص.وأنه كان لايسمع بامرأة جميلة إلا وأرادها ومن أمثلة ذلك سلامة المغنية ، وأرينب زوجة ابن سلام القريشي والي البصرة.وأسوأ منه أنه كان مفرطاً في هواياته مشغولاً بها، فلايكاد يفيق من سكرةٍ حتى يدخل في سكرة وقد شهدوا بأنه كان يتباهى بهواياته كأمه ميسون التي تباهت بعشيقها البدوي وفضلته على معاوية ، وكان يتجاهر بسلوكه مستهتراً بالدين والأخلاق .(فتوح ابن الأعثم:4/332)بل نقل البلاذري في أنساب الأشراف ص/1277شهادة جماعة من علماء السنة على أنه تبنى سياسة إشاعة هواياته السيئة في المسلمين قال: (حدثني العمري عن الهيثم بن عدي وأبي مخنف وغيرهما قالوا:كان يزيد بن معاوية أول من أظهر شرب الشراب والإستهتار بالغناء ، والصيد واتخاذ القيان والغلمان ، والتفكه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة).وقال ابن حبان في الثقات:2/314: (وتوفي يزيد بن معاوية بحُوارين قرية من قرى دمشق الرابع عشرة من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ، وهو يومئذ بن ثمان وثلاثين وقد قيل إن يزيد بن معاوية سكر ليلة وقام يرقص فسقط على رأسه وتناثر دماغه فمات).وقال الذهبي محب الأموين في سيره:4/35: ( كان قوياً شجاعاً ذا رأي وحزم وفطنة وفصاحة وله شعر جيد، وكان ناصبياً فظاً غليظاً جلفاً يتناول المسكر ويفعل المنكر افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين واختتمها بواقعة الحرة فمقته الناس ولم يبارك في عمره، وخرج عليه الكثير بعد الحسين كأهل المدينة).______________

المصادر

(1) الملل والنحل 1: 128 ، الخطط 2 : 350.

(2) الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية/ محمّد عمارة : 168 ـ 169.

(3) الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية / محمّد عمارة : 174.

(4)الفرق بين الفِرق : 151 ـ 153 ، الملل والنحل 1 : 125 ـ 128.

(5) المذاهب الإسلامية / محمّد أبو زهرة : 199.

(6) تاريخ الطبري 7: 330.

(7) تاريخ الإسلام /حسن إبراهيم حسن 1 : 417 و418 ـ مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة ـ 1964 م.

(8) الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية للدكتور محمد عمارة : 196 ـ 172.

...........................................................

اعداد علي الشيخ حبيب

مركز الرافدين للدراسات والبحوث الاستراتيجيةhttp://www.alrafedein.com/index.php

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك