حافظ آل بشارة
المقدمةلا يمكن للتغيير السياسي الذي حدث في العراق ان يكون ذا مغزى مالم يؤد الى تغيير ايجابي شامل في حياة البلاد والعباد لأن التخلف والخراب أصاب كل شيء ، ولا يمكن للتغيير الشامل ان يحصل بمبادرات متفرقة او عمليات ترميم جزئية بل يجب ان تكون هناك خطة تنمية شاملة ومتناغمة ومتوازنة ومستدامة لجميع القطاعات ، ولا يمكن للتنمية الشاملة ان تنجح مالم تتوفر لها الحاضنة الاجتماعية المكملة للنظام السياسي ولا يمكن للشعب العراقي ان يكون حاضنا للتنمية وحاملا للواءها ومتبنيا لها ما لم يجر اعداد الفرد والاسرة والمجتمع لهذه المهمة عبر تنمية ثقافية متكاملة في موضوعاتها وادواتها ، فالتنمية الثقافية اذن مسؤولة عن تهيئة الحاضنة الاجتماعية للتنمية الشاملة سياسيا واقتصاديا . ولكن ما الذي يجعل المجتمع يستجيب ويتبنى موضوعات التنمية الثقافية ويتفاعل معها ويتأثر بها الى الحد الذي يجعله يتخذ منها رسالة تغيير ؟ والجواب على ذلك : ان دعاة التنمية الثقافية على مر العصور لا يجدون عاملا مؤثرا يعينهم على اداء رسالتهم اكثر قوة من عامل حب المعرفة عند الانسان كصفة تكوينية وميل اصيل يسعى الى اشباعه بأي وسيلة ممكنة فهو يسير دائما باتجاه معرفة المجهول ، واذا عرف المجهول شعر بلذة الاكتشاف ، فيكون طلب العلم نفسه تلبية لهذا الميل الاصيل ، حب المعرفة كحب الطعام ، والجائع يستعجل اشباع جوعه فان لم يجد الطعام النافع تناول الطعام الذي يضره ، كانت الديانات السماوية وما يقابلها من دعوات الالحاد كلاهما استثمرا الميل الطبيعي لدى الانسان لاكتساب المعرفة وكشف المجهول ، فكل من التوحيد والالحاد انتشر تحت مضلة رسالة المعرفة ، فالمعرفة قد تقود الى التكامل وقد تقود الى الانحدار . تعد التنمية الثقافية استخداما مقننا وموجها لرسالة المعرفة كي تؤدي دورها في التغيير والتطور الانساني والارتقاء . كما تلعب قدرة الاقناع دورا مهما في جعل الانسان يدرك مدى التخلف في واقعه الاخلاقي والسياسي والاقتصادي بالمقارنة مع المجتمعات التي احرزت تقدما في جميع نواحي الحياة .
التنمية بين المنهج والأولوياتكثير من وسائل المعرفة التعليمية أو الاعلامية المتاحة تقع في أزمة الهدف أو أزمة الرسالة الواضحة بسبب عدم ظهور تلك الوسائل الى الوجود بناء على حاجة ثقافية مدروسة بل يجد البعض ان لديهم اموالا فائضة فينفقونها في تأسيس وسيلة اعلام سمعية او بصرية او مقروءة ، لتسير العملية بسياق معكوس فهم يصنعون المؤسسة ثم يبحثون لها عن هدف فيما بعد ، وغالبا ما تتخذ مثل هذه المشاريع لخدمة أشخاص او أسر وليس لتلبية حاجة اجتماعية واسعة النطاق ، وغالبا ما تقع وسائل الاعلام من هذا النوع في الفوضى والضياع وربما تتحول الى وسيلة تجهيل وتدمير ثقافي بقصد او بلا قصد لانها لا تعرف على أي وتر تعزف ، فهي قد تطرح مفاهيم وتخترع خطابا يناهض التنمية ويربك الوعي الاجتماعي ، يفترض ان لا تقع مشكلة ثقافية كهذه في البلدان التي تطبق خطة تنمية شاملة ، او تريد الفات نظر الرأي العام وتعويده على مبادئ التنمية الشاملة ، فهي سواء كانت نية تدور في ضمائر الحاكمين أو خطة على طاولات المنفذين في الحالين ينبغي ان تشكل هوسا مستمرا لدى المعنيين بشؤون البلد لأنها اصبحت في هذا العصر الدليل الوحيد على الحياة ومواكبة العصر ، حتى ان هناك خبراء يقولون بأن وجود ثقافة التنمية والشعور باهميتها والخطط النظرية لها أهم بكثير من منجز ناجح يتحقق على الارض ولكن بدون بدون خطة وخارج اطار رؤية التنمية وخطواتها المرسومة ، والمعروف ان الفكر الرأسمالي ركز على المعنى الاقتصادي للتنمية واعتبره الهدف الاساس لها ثم عد التنمية السياسية والثقافية عناصر مساعدة ، فالتنمية الاقتصادية تحتاج الى حاضنة سياسية واخرى اجتماعية ، أي ان هناك تنمية سياسية وتنمية ثقافية لتحقيق التنمية الاقتصادية ، وهناك تداخل وتشابك كبير بين التنميات الثلاث ، ولا توجد قواعد صارمة في وضع الاسس النظرية او التطبيقية لها ، ومادامت القضية تتناول شؤون المجتمع فهي على قدر كبير من المرونة وقبول التعديل . والعراق كغيره من البلدان لا يمكن له ان يتطور بطريقة سليمة ما لم يعمل على اساس قواعد التنمية الشاملة ، لكي ينتج نموذجا حضاريا يتماشى في شكله ومضمونه مع النموذج السائد في العالم المتقدم فيتحقق التجانس مع الاسرة الدولية من جهة ولكي يضمن نجاح التجربة اذ تجري على اسس علمية مجربة سابقا . المعروف ان التنمية الاقتصادية هدفها تكوين البنية التحتية للاقتصاد ، ثم تحديد هوية القطاع الاقتصادي ، ثم مواكبة التطور الاقتصادي ورعايته من الهيكلة الى التأسيس ثم التشغيل والتقييم والتعديل واقرار النموذج النهائي واطاره الفكري والسياسي ، لكن المفهوم الشامل للتنمية يتضمن فلسفة متكاملة لبناء المجتمع البشري في جميع المجالات التي يجب ان تسير متزامنة أو متسلسلة ، وهدف التنمية الشاملة هو تحقيق السعادة للانسان بمعانيها المادية والمعنوية ،
دور الانسان في التنمية الانسان هو الغاية العليا للتنمية لكنه هو وسيلتها ايضا فهو الغاية والوسيلة في آن واحد ، يجب ان يسير النمو السياسي والاخلاقي والاقتصادي للانسان متزامنا ومتناسقا ضمن مخطط واحد ، الانسان يسير باتجاه الكمال ويدخل صراعا مع الطبيعة لتطويعها وصراعا مع ميوله الضارة فينتصر على جهله وشهواته المنفلتة ليحقق الحكمة والحلم والعفة وهي فضائل أخلاقية كبرى تسعى اليها التنمية الثقافية ، وفي المجال الاقتصادي يسير نحو تحقيق الرفاه بأرخص تكلفة وافضل نوعية وادنى جهد واقل وقت ، فالانسان هو الثروة الحقيقية ، فلا قيمة للموارد والثروات اذا لم يكن الانسان مدربا على استثمارها والانتفاع بها لتحقيق رفاهيته ، وفي الاقتصاد قد تعوض ندرة الموارد ونقصها بوجود قدرات بشرية متفوقة قادرة على العمل والابتكار ومقاومة الندرة وتحقيق الهدف الاقتصادي ، وتعد كل من بريطانيا واليابان وسويسرا امثلة على الدول التي حققت تفوقا اقتصاديا هائلا بموارد طبيعية بسيطة باستخدام قوة الموارد البشرية المعدة اعدادا جيدا ، لذا من الخطأ ان تركز التنمية على رأس المال المادي وتهمل الثروة البشرية ، التنمية الحديثة تتجه الى استثمار العقول والحفاظ عليها وتسعى الى احداث تراكم متواصل في التعليم والتأهيل والتدريب وتطوير العنصر البشري المتصدي للتنمية مهنيا وصحيا ونفسيا واخلاقيا ، واعطاء المرأة فرصتها الطبيعية للمشاركة في الحياة والبناء وليست فرصا مبنية على اساس رد الفعل المتهور تجاه الظلم الذي لحق بالمرأة في ظل عهود التخلف بل الفرص المستندة الى القدرات الطبيعية . وفي التنافس الدولي الراهن اصبحت قوة الدول لا تقاس فقط بقدراتها العسكرية والاقتصادية والتكنلوجية بل اضيفت لها القدرة على تحقيق التنمية البشرية في اوساط القطاعات الانتاجية وفي الوسط الاجتماعي العام ومقدار ماتحققه لشعبها من رفاه وسعادة لكي لا تقع عالة على الآخرين فتفقد استقلالها . بدأت البلدان المتقدمة في الغرب تنفيذ تنميتها الشاملة عقب الحرب العالمية الثانية التي انتهت سنة 1945 واتضح بالتجربة ان التنمية الشاملة لا تتحقق الا عندما يكون هناك انسجام بنيوي كامل بين نوع النظام السياسي و شكل المجتمع وطبيعة الاطار الفكري للتنمية ، وكان هناك تماثل بين هذه العناصر في معظم بلدان اوربا التي خاضت التجربة ، فالنظام السياسي فيها ديمقراطي انتخابي ، والاطار الاديولوجي فيها رأسمالي ليبرالي حر ، ومجتمعها بسيط متجانس فهو متعدد الانتماءات لكنه غير مقسم ، ولا يعني ذلك ان جميع البلدان الطامحة الى التنمية الشاملة يجب ان تكون بهذه الصورة والمقصود بيان التماثل في العناصر الاساس ، وهذا يعني استحالة تطبيق الديمقراطية في بلد يسوده اجتماعيا التعصب والاستقطاب الفئوي العرقي او القومي او الديني او الطائفي بحيث تتعدد المرجعيات الاجتماعية للفرد ، وتطغى فيه الانتماءات الصغيرة بالشكل الذي يعيق الوحدة الوطنية ويحجب الهوية الموحدة للبلد ، تطبيق الديمقراطية والتنمية الشاملة لا يتحققان الا مع نهضة شاملة لاصلاح النسيج الاجتماعي لكي تتوفر الحاضنة الاجتماعية للتنمية الاقتصادية ، وعندما تشمل التنمية القطاعات المختلفة في وقت واحد تسمى التنمية الشاملة ، ولكن يبقى نجاح التنمية في جميع القطاعات متوقفا على مدى توفر الحاضنة الاجتماعية التي يتم اعدادها وانضاجها عبر تنمية ثقافية تشمل: 1- تحقيق النمو الاخلاقي للفرد و الاندماج الاجتماعي بين المكونات . 2- نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان والدستور والقانون .3- تطوير الاهتمامات والقيم الثقافية والسلوكية المتعلقة بالاقتصاد والتنمية .
أخلاق الفرد والاندماج الاجتماعي الانسان مؤهل تكوينيا للارتقاء والتطور واكتساب مكارم الأخلاق ، ولا يستقيم حال المجتمع الذي لم يصل افراده الى الحد الادنى من الانسانية والاستقامة ، ولا يمكنه القيام بالتنمية الشاملة وقد اودع الله تعالى في الانسان قوى ذاتية مختلفة ، ولكل قوة هدفها في حياته وتتظافر تلك القوى من أجل تحقيق التكامل الانساني ، و من بين تلك القوى النفسية واهمها القوة المفكرة التي يتم اشباعها بالمعرفة واكتساب العلم ، والمعرفة تتراوح بين حدين حد الجهل وحد الطوباوية أي العلوم غير النافعة ، واوسطهما العلم النافع فكل فضيلة هي وسط بين رذيلتين كما يقول الاخلاقيون ، وقد فضل الله العلماء بقوله تعالى : (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكّر أولو الألباب) (الزمر-9) ولكل فضيلة غاية قصوى ، وغاية العلم النهائية هي الحكمة وهي ثمرة العلم النافع ، قال تعالى : ( يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ )(البقرة : 269) . ولكل علم حكمته سواء كان علما انسانيا او تجريبيا ، والبالغون مستوى الحكمة في ذلك العلم هم اهل الذكر الوارد وصفهم في كتاب الله ، قال تعالى :( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (النحل: 43) روى الطبري في تفسيره عن جابر الجعفي قال : لما نزلت قال علي (ع) :( نحن أهل الذكر) أي اهل البيت (ع) كونهم الثقل الثاني بعد الكتاب ، وذلك لا ينافي التفسير الموضوعي القائل بأن العلماء المتخصصون في العلوم الانسانية والعلوم التجريبية عندما يكونون مصدرا للابتكار والتجديد والتعليم فهم يدخلون ضمن معنى (اهل الذكر) كلا في مجاله وهم مصدر المعرفة الهادفة . والقوة الثانية المودعة في الفرد هي القوة الغضبية وفضيلتها الشجاعة القائمة بين حد الجبن وحد التهور وغاية الشجاعة الحلم فهو اعظم من الشجاعة ، والقوة الانسانية الثالثة هي القوة الشهوية وفضيلتها الاعتدال القائم بين حد الشراهة وحد الخمود وغايته العفة وعفة الفرج والبطن هي اعظم من الاعتدال ، فالانسان السوي السائر على طريق التحضر لديه ثلاث صفاة فهو عالم بشؤون عصره ودينه ودنياه بالحد الادنى وشجاع وواثق من نفسه في مواجهة الاخطار ومعتدل في تلبية مشتهياته المشروعة ، فاذا تقدم خطوة في الارتقاء اكتسب غايات جديدة من مكارم الاخلاق وتجمعها الصفاة الثلاث : الحكمة ، الحلم ، العفة ، ومن حاز الثلاثة الأواخر فهو سيد نفسه ووجيه قومه ، ففي المجتمع الاخلاقي تتغير معاني الرئاسة والوجاهة . أما بشأن المجتمع فيتركز موضوع الارتقاء حول قدرة تحقيق الاندماج الاجتماعي الذي يضم فقرات وتفاصيل عديدة ، فهو ذو ابعاد فكرية واخرى سلوكية ، ولتحقيقه لا بد من تغيير الانماط الخاطئة السائدة في العلاقات الاجتماعية ، والاندماج يحول البشر من تجمع افتراضي الى أمة ذات شخصية حضارية موحدة ، ويبدأ برنامج الاصلاح والاندماج تدريجيا باشاعة المفاهيم الاساسية لبناء المجتمع المدني والتي يقود بعضها الى بعض في تتابع معرفي وسلوكي عفوي وهي : 1- التسامح : وهو اساس بناء المجتمع الاهلي الذي يعيش في وطن موحد ، وينطلق من اقناع الفرد والمجتمع بعدم تصنيف الناس على اساس عقائدهم أو اديانهم او افكارهم او التمييز بينهم في الحقوق العامة والواجبات أو تسييس تلك الانتماءات ، وتشجيع المواطن على النظر بايجابية الى من يختلفون معه في العقائد والافكار والانتماء العرقي او الطائفي او المناطقي ( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير) (الحجرات-13) وقول النبي (ص) :(كلكم لآدم وآدم من تراب ) ، واعتبار صفة الانسانية هي عنصر التوحيد الأكبر بين البشر ، واستثمار التعاليم الدينية في هذا المجال .2- الحوار : عندما تشيع ثقافة التسامح ويصبح كل ابناء فئة قادرين على الاعتراف بالآخر يبدا التركيز على مبدأ الحوار كاحد مقدمات الاصلاح الاجتماعي المعروفة فهو أهم وسائل التعارف بين المكونات الاجتماعية ، ويعتمد النقاش المتواصل وتداول الرأي وبحث المشتركات من اجل تقوية الروابط وتحويل الاختلاف الى حالة تنوع مثمرة تقود الى التلاقح والتكامل بدل الخصام والتناحر.3- التعايش السلمي : وعادة تساعد آليات الحوار على التمهيد لظاهرة التعايش السلمي التي تنمو في ظلها الحياة المشتركة بين مختلف المكونات والانتماءات الفرعية في وطن واحد ، ويتحقق التعايش في افضل اشكاله عندما تتساقط الحواجز بين ابناء الشعب وتزول حالات التوتر التي يمكن ان تؤدي الى التصادم ويصبح كل فرد مستعدا للاعتراف بحق الآخرين في الحياة الحرة . وفي مبدأ التعايش هناك تلاق واضح بين القيم الاخلاقية بالتعريف الاسلامي وما يقابلها في التعريف الديمقراطي ، فالتعايش يتطلب استحضار عدة قيم منها التواضع والايثار والتكافل ونكران الذات وحب الناس وترك التعصب والتمييز العنصري والتفكير بعقلية اممية ذات أفق واسع.4- التعددية : من الطبيعي ان القيم الاخلاقية الرفيعة المذكورة اعلاه تنعكس فورا على الواقع السياسي للمجتمع ، ففي ظل المجتمع المتماسك المتعايش سلميا تشعر جميع المكونات الاجتماعية بالأمن فتنشط عملية التمثيل السياسي العلني لتلك المكونات ، وتظهر أحزاب وحركات وجمعيات ذات رؤى مختلفة واديولوجيات متعددة ، أي ان التعددية الاجتماعية تتبلور بشكل تعددية سياسية والمعروف ان الأحزاب تتشكل عادة من أجل الوصول الى السلطة وتنفيذ برنامج سياسي محدد . وفي هذه المرحلة من التطور الأجتماعي يكون التغيير الايجابي في المجتمع قد أحدث تغييرا ايجابيا باتجاه التنوع السياسي . 5- احياء دور المراة في المجتمع : الحياة متقومة بالرجل والمرأة بالتساوي وكل منهما يكمل الآخر ، وهما مختلفان في طبيعة التكليف والدور متعادلان في الحقوق ، لكن بسبب الجاهلية المتوارثة والتدني الحضاري تعرضت المرأة الى الظلم والقهر واصبحت تصنف كمخلوق من الدرجة الثانية ، ولكن يلاحظ عبر التأريخ ان المجتمع الرجولي كلما أمعن في قمع المرأة سلط الله عليه طواغيت يقمعونه ويذلونه في جزاء عاجل عبر سنن التأريخ التي لا تخطئ . ويلاحظ ان اغلب الحركات التي حاولت تحرير المرأة ادى بها الاندفاع المفرط الى ايقاع المرأة في عبوديات جديدة ، التنمية الثقافية تتطلب احياء دور المرأة الطبيعي في الحياة بلا افراط ولا تفريط .6- رفض الفساد بكل اشكاله : لا يمكن لأي نوع من التنمية ان يجري ما لم يتم القضاء على ثقافة الفساد بكل انواعها السياسية والمالية والادارية ، واجتثاث اسبابها بتفعيل الاجراءات القضائية والقانونية وتفعيل نظام المؤسسات والرقابة الشعبية ، فعندما يستمر الفساد يبتلع كل ما تثمره التنمية الثقافية من ميزات سلوكية واخلاقية في المجتمع .نشر ثقافة الديمقراطيةيؤدي التنافس السلمي بين مختلف الاحزاب المعبرة عن مكونات عديدة في الاطار الديمقراطي الى تشكيل حكومة مشاركة وهي ذروة منجزات التعددية السياسية ، وكلما تعمقت ظاهرة التعددية بدأت المكونات السياسية تتخلى تدريجيا عن اطرها الاديولوجية الصارمة ومثالياتها الفكرية لصالح الواقعية والانفتاح على القضايا المطلبية ، فيكون الصراع السياسي بين القوى المختلفة ليس صراعا راديكاليا على اساس تناقض مبدئي أو قيمي بل هو صراع مصالح ومطالب آنية قابلة للحسم عبر الحوار وآلياته المتاحة ، وفي هذه الأجواء تنعكس التعددية على نظرية الحاكمية وشكل نظام الحكم والحكومة ، ولأن الفرد وحقوقه التقليدية هي محاور ومنطلقات نظرية لنظام الحكم يظهر الدستور كسلطة عليا وكمرجع للتشريع ويتم الفصل بين السلطات وتستخدم الانتخابات الحرة كمعيار لشرعية الحاكمين وتكون للبرلمان سلطة التشريع والرقابة ، وعندما يكون النظام السياسي من هذا النوع يمكنه تنفيذ تنمية شاملة على اساس مبادئ الاقتصاد الحر . في العراق واغلب بلدان المنطقة كان الشأن السياسي يخص النخبة فقط وما على الرعية الا السمع والطاعة ، وفي القرن الماضي اختفت الدولة العثمانية التي هي آخر اشكال الثيوقراطيات ذات الغطاء الديني المزيف ، وعندما انهارت تحت ضربات الغزو الغربي كان البديل حكاما يمثلون الانتداب الخفي او المكشوف ويعبرون عن الوجه المظلم لحضارة الغرب وكانوا بحاجة الى استمرار الاستبداد باي شكل لفرض سلطتهم وبذلك اخرجوا الشعوب من الاستبداد المحلي الى الاستبداد المدعوم خارجيا ، وفي العالم العربي استخدمت تسميات ومضلات شكلية مثل البرلمان والدستور والانتخابات والاحزاب منذ منتصف القرن الماضي لحد الآن كديكورات سياسية لاصطناع الشرعية لانظمة الحكم التابعة للغرب ، وفي ظل تلك الانظمة بقيت الشعوب ومنها الشعب العراقي متخلفة سياسيا ولا يمكن ان توفر حاضنة اجتماعية سليمة لاي تنمية شاملة . تتطلب التنمية الثقافية اعداد المجتمع وتعليمه مجموعة المبادئ الخاصة بنظام الحكم الديمقراطي الحديث الذي يعتمد المشاركة والانتخاب ، ولعل ابرز موضوعات الثقافة السياسية : أ- معرفة الانسان لحقوقه من منظور اجتماعي وسياسي وديني وكون تحقيق سعادته هو الهدف الاعلى لجميع الاديان والحركات الاصلاحية ، وكون الانسان مستخلفا في الارض وهو عبد لله وفي عبوديته يكمن معنى الحرية المطلقة والسيادة التي تمنعه وتحرم عليه ان يكون عبدا لانسان مثله .ب- المساواة والعدالة وتطبيقاتها في السياسة والادارة وضرورة ان يدرك الناس هذه المبادئ ويدافعوا عنها لحفظ مصالحهم المشروعة .ت- بيان كون المجتمع مصدر الشرعية للمؤسسات والحاكمين وتعد الانتخابات آلية وحيدة لتجسيد تلك الشرعية وهي حق اساس من الحقوق السياسية للفرد ويمنع اعاقتها او فرض القيود عليها لاي سبب من الاسباب .ث- نشر الثقافة الدستورية وتعريف الدستور وكونه اساس القوانين والتشريعات ومفتاحها ويتولى كتابته الخبراء المنتخبون ويستخدم كمعيار لسلوك نظام الحكم وكحكم لفض الخلافات بين الاطراف السياسية او المؤسسات الحكومية ، وتأكيد سيادة الدستور والقانون وكون القانون فوق الاشخاص .ج- الفصل بين السلطات ، بالشكل الذي يضمن استقلال كل سلطة حسب اختصاصها ويوفر ضمانات تمنع اجتماع الصلاحيات بيد سلطة واحدة .ح- تعريف حكومة المؤسسات وكيف تنمو القوانين وقواعد العمل التنفيذي التخصصي لتصبح هي المعيار في الادارة والسياسة دون النظر الى القادة والمدراء وانتماءاتهم واجتهاداتهم وكون المؤسسة باقية بشخصيتها المعنوية والقادة متغيرون .خ- تعريف المجتمع المدني واسس بناءه وتنمية ثقافة التطوع والعمل الخيري وروح المبادرة و تشجيع تشكيل الجمعيات والنقابات والرابطات المهنية المبنية على اسس حقوقية وانسانية خارج اطار الحكومة والدوائر السياسية والتشجيع على ترك الاستقطابات التقليدية العرقية او الدينية او المناطقية وعدم تسييسها .د- اشاعة ثقافة الاحتجاج والتظاهر وتنمية مجموعات الضغط الاجتماعي غير الحكومية وتشجيع الناس على الانضمام اليها وتقويتها كمعادل اجتماعي مقابل دوائر السلطة الرسمية والحزبية .
نشر ثقافة التنمية الاقتصاديةمن أجل تهيئة الحاضنة الاجتماعية لايكفي الاعداد الأخلاقي والسياسي بل لابد من اعداد المجتمع اقتصاديا ايضا وتزويده بالقيم النظرية والسلوكية الخاصة بالاقتصاد ، وقد نكتشف تلاقيا بين القيم التربوية للتنمية الاقتصادية التقليدية والتعاليم الاخلاقية الدينية ، حيث يلزم التنمية بشقها الاقتصادي دعم اجتماعي هائل ورغبة شاملة لخوض التجربة وتحمل اعباءها ويتضمن الاعداد الاقتصادي لمجتمع التنمية الخطوات الآتية : أ- تطوير المؤسسات التعليمية ومناهج التدريس ومحو الأمية سواء كانت أمية ابجدية أو ثقافية او تكنلوجية ونشر ثقافة التنمية والتغيير وبيان مدى تخلف الوضع الراهن .ب- توجيه المجتمع الى المطالبة بتحقيق الرفاه ، ورفض الطبقية الاقتصادية أو الاقطاع أو الرأسمالية المفرطة التي تؤدي الى مصادرة حقوق الشعب وتوسيع رقعة الفقر .ت- التنمية تنطلق من الفرد ، وعلى المواطن اولا ان يشعر بعدم وجود من ينوب عنه في اداء دوره لخدمة نفسه واسرته وشعبه ، وعدم انتظار أي حكومة او حزب كي يقدموا خدمة مجانية للمواطن .ث- الحث على الاقتصاد ورفض الاسراف أي الاعتدال والدقة في استخدام الموارد وعدم التبذير والاسراف وذلك من اجل تهيئة الناس لتحمل ما تتطلبه التنمية من تقشف وصبر وتقلبات مفاجئة .ج- تقديس قيمة العمل باعتبارها قيمة اخلاقية وعليه تتوقف كرامة الانسان ، ثم رفض البطالة وآثارها ، ولا يمكن للمجتمع الكسول الميال الى الدعة والراحة والاتكالية ان يحقق أي تنمية. ح- تنمية الارادة الفردية والجماعية وروح المبادرة ورفض الاحباط والتشاؤم ومعالجة ما خلفته التجارب السابقة وما فيها من قمع وارهاب وتهميش من آثار سيئة على الصعيد النفسي والاجتماعي . خ- تشجيع الفرد على تأسيس المشاريع الاقتصادية الصغيرة والاستثمار الفردي وتقديم الارشادات التخصصية بهذا الاتجاه .د- رفض ثقافة اللهو المضر وتضييع الوقت ، وارشاد المجتمع الى تنظيم استخدام وسائل الاتصال وشبكة الانترنيت والفضائيات وحصرها في المجالات المفيدة .ذ- رفض ثقافة الميوعة والتخنث والانحلال التي تنشرها مراكز الغزو الثقافي والتي تؤدي الى انهيار العلاقات الاجتماعية وتدمير ارادة الفرد والمجتمع وتحويله الى مجتمع استهلاكي عابث ومبذر وغير منتج .ر- نشر المفاهيم الاقتصادية في اوساط المجتمع مثل : الاستثمار ، الانتاج ، الادخار ، التخطيط ، التسويق ، التنافس الاقتصادي ، النمو ، معالجة التضخم ، ميزات الاقتصاد الحر ، آليات الدعم الحكومي ، المقارنة بين القطاع العام والقطاع الخاص ، انواع التنمية والربط بينها ، تعريف القروض والفوائد والارباح ، تعريف الافلاس ، وغيرها من المفاهيم الاقتصادية التي يجب ان تتحول الى مفردات متداولة في الحياة العامة .ز- التركيز على القيم الاخلاقية ذات العلاقة بالتنمية الاقتصادية مثل: التعاون ، التكافل الاجتماعي ، الحث على اداء الحقوق الشرعية كالزكاة والخمس والصدقات التي تدعم النشاط الخيري وتسهم في معالجة الفقر ، تخطيط النفقات الفردية ، الصبر والتحمل والتفاؤل والانتظار الايجابي لنتائج التنمية .
وسائل تنفيذ التنمية الثقافيةالتنمية الثقافية من أهم اعمال الدولة ، ويجب منحها صلاحيات استثنائية في قيادة ورعاية التغيير الثقافي مثلما تتطلب مهمات الأمن القومي اعطاء صلاحيات استثنائية للدولة في بعض الشؤون الأمنية ، ويفترض النظر الى التنمية على انها ميدان حساس كالامن القومي ، وينبغي اعداد مخطط ثقافي موحد قدر الامكان أو منسجم مع بعضه في خطوطه العامة وخطابه الاعلامي والتعليمي يستقطب الرأي العام . ولكن تنظيم الجهد الاعلامي والتعليمي في هذا الاتجاه يتطلب ايضا منح الحكومة صلاحية التدخل لمنع بعض وسائل الاعلام الوطنية من ترويج برامج تناقض برامج التنمية الثقافية وتلغي تأثيرها او تربك المتلقي وتشوش وعيه ، فوسيلة الاعلام التي تروج للطائفية بطريقة مبالغ بها تتناقض مع الدعوة للاندماج الاجتماعي التي تتطلبها ثقافة التنمية ، كما ان الترويج للميوعة والعبث والاستهلاك تناقض ما تتطلبه ثقافة التنمية من بناء للشخصية المنتجة المبدعة ، على ان يجري تنظيم هذه الرقابة بقانون .ان اشراف الدولة على التنمية هو الذي يبلور الحاضنة السياسية التنفيذية ، أي تكوين نظام سياسي اداري متماسك يستطيع ان ينفذ التنمية الشاملة وينهض بمهماتها . فالدولة بكل سلطاتها مكلفة بتنفيذ التنمية الثقافية وتعد الوزارات في مقدمة المنفذين ، وتقوم بمهمتين مهمة تطوير الموارد البشرية الخاصة بها على الصعيد الثقافي والمهني ، ومهمة المشاركة في البرنامج الاعلامي الوطني الخاص بالتنمية الثقافية ، ولعل اكثر الوزارات علاقة بذلك البرنامج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي و يمكن ان تعيد الوزارتان صياغة مناهجهما التعليمية والتدريسية لتكون ضمن اطار التنمية الشاملة أما وزارة الثقافة فيبنبغي ان يكون لها دور اساس في هذا الاتجاه وان تكون جميع فعالياتها مخصصة لهذا البرنامج ، ولا يمكن الاستغناء عن الاعلام المباشر في هذه المهمة الوطنية ولكن الدولة في النظام الديمقراطي لا تملك وسيلة اعلام خاصة ، وتترك الاعلام لمؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني ، الا ان اوضاعا استثنائية تقتضي ان تكون للدولة وليس للحكومة مؤسسة اعلامية او أكثر يتم الانفاق عليها من المال العام ، ولعل التنمية الشاملة من اكثر المبررات الحاحا وواقعية لاتخاذ مؤسسة اعلامية رسمية ، وفي العراق الى جانب شبكة الاعلام التي تديرها الدولة حاليا يفترض تأسيس هيئة جديدة ترتبط بمجلس النواب اسوة بالهيئات الوطنية المستقلة يمكن تسميتها بـ (الهيئة العليا للتنمية الثقافية) تكون مسؤولة عن التخطيط والتنفيذ لبرامج التنمية الثقافية بأقسامها الانسانية والسياسية والاقتصادية المذكورة اعلاه ، وتتولى انتاج برامج تلفزيونية واذاعية وصحفية تتضمن : المواد الدرامية ، الافلام الوثائقية ، محاضرات المتخصصين ، نتاجات الفنون والآداب المختلفة ، وتقوم بتوزيعها على وسائل الاعلام وهي القنوات الفضائية ، الصحف ، المجلات ، المواقع الالكترونية ، الاذاعات ، شبكة الاعلام العراقية بكل اقسامها لبثها ونشرها مقابل أجور تشجيعية .
https://telegram.me/buratha