لم يتوقّع المواطن (رشاد) إن ولده البكر (علي) ذو العشرة أعوام؛ سيأتي بشهادة رسوبه في المدرسة وتخلفه عنها بدلاً من النجاح خاصة بعد توفير كل احتياجاته، وبعد البحث في هذه المشكلة التي طرأت فجأة على العائلة كشف الأب أن ابنه كان من مرتادي صالات البليارد والألعاب الإلكترونية وبدلاً من أن يذهب إلى المدرسة من أجل التعلّم واكتساب المعرفة مع بقية أقرانه كان هذا الطالب الصغير قد أدمن على ارتياد مثل هذه الأماكن وجاء على عائلته بالخذلان.
وتنتشر في الأماكن الشعبية ومنها مدينة كربلاء المقدسة الكثير من صالات الألعاب التي تعجّ بالشباب والأحداث الصغار، إلا إن مثل هذه الأماكن بالرغم من إنها ترفيهية فقد أصبحت في الآونة الأخيرة تشكّل خطراً في تنامي السلوكيات الخاطئة والمنحرفة لدى شريحة الأطفال الذين يدفعهم فضولهم وغريزة اللعب نحو ارتياد مثل هذه الأماكن التي تأوي الطبقات المختلفة من المجتمع، ولذلك لابدّ من الالتفات إلى هذا الموضوع وعلى من تقع المسؤولية من أجل الحفاظ على أبنائنا وجعلهم أعضاء نافعين في المجتمع.
ويقول (رشاد كاظم) في حديثه لـ (موقع نون) : "إن أجمل ما يحلم به الأب هو أن يرى أولاده وهم يتسلقون الدرجات العالية في التربية والتعلّم ويساهمون في بناء المجتمع، إلا إن التغيرات التي طرأت علينا أثّرت وبشكل سلبيّ على سلوكيات أولادنا وها أنا أتفاجئ بأن ابني الذي تعبت في تربيته وإيصاله إلى المدرسة قد سلك طريق الخطأ وترك المدرسة منصرفاً إلى خسارة المال والعمر في صالات الألعاب التي انتشرت في مدينة كربلاء دون أي رقابة عليها من قبل المسؤولين وكذلك نحن الآباء".
أما (جاسم عودة ـ معلّم) فيقول: "إن خطر ارتياد الأطفال لمثل هذه الأماكن يتمثل باختلاطهم بأصدقاء السوء بالإضافة إلى الشباب المنحرفين الذين يتواجدون بكثرة هناك حيث يتعلّم الطفل السلوكيات الخاطئة التي تحصل في هذه الصالات التي لم تصبح مجرد أماكن ترفيهية وإنما أوكار للأعمال السيئة وتناول الحبوب المخدرة والمقامرة".
ويضيف عودة، "هنالك الكثير من العوائل تتهاون في تربيتها لأطفالها وتسرف كثيراً في إعطائهم المال، وبالتالي فبدلاً من أن يصرف الطفل نقوده في شراء الطعام أو الُلعب المناسبة تأخذه قدماه نحو صالات الألعاب ليصبح بعد ذلك مدمناً على ارتيادها وصرف النقود التي قد يحصل عليها حتى بالسرقة من أجل متعته التي تكون عند الأطفال غير خاضعة للعقل وبالتالي فللأسرة والمدرسة دور في الرقابة على سلوك وتحركات الأطفال والعمل على كشف مواهبهم بالألعاب المفيدة".
ومن الأسباب التي تؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة؛ يرى (رضا ماهر) أب لثلاثة أولاد؛ إن عدم وجود أماكن ترفيهية منتظمة في المحافظة يستطيع أن يقضي الأطفال فيها فترة من المرح واللَعِب خاصة في فترة العطلة الصيفية، تضطر هذه الشريحة إلى "ارتياد صالات الألعاب الالكترونية والرياضية الخاصة التي تنعدم من الرقابة وهدفها الوحيد هي الربح والتجارة حتى وإن كان على حساب انحدار الأخلاق والسلوكيات لدى الأطفال".
ويتابع ماهر حديثه، "إن تربية الأولاد أصبحت في الفترة الحالية أصعب من البنات، حيث إن البنت تحبّذ اللعب داخل المنزل أو مساعدة أمها في الأعمال المنزلية؛ على عكس الأولاد الذين يحبذون الشارع والحدائق لمزاولة ألعابهم وقد يدفعهم ذلك إلى الذهاب لصالات الألعاب، وأنا كأب فقد اضطررت إلى شراء جهاز لعب الكتروني (بلي استيشن) لأولادي من أجل إبعادهم عن الخروج إلى الشارع وهذا فقط في فترات العطل؛ أما في فترات الدراسة فإن المواظبة على تحضير الدروس والقراءة والكتابة هي ما يجب أن يكون عليه الأطفال لضمان تعلمهم وحصولهم على الشهادة العالية التي تنفعهم في المستقبل".
وتؤكد المواطنة (علياء جبر) أم لأربعة أولاد؛ بأن "هذه الأماكن قد أصبحت مشكلة كبيرة تواجه الأسر وهي تحتاج إلى رقابة من قبل الوالدين والحرص على معرفة تحركات وسلوكيات أطفالهم خارج البيت"، مضيفةً بأن "هذه المحلات أو الصالات بدأت بالانتشار في الأسواق والشوارع وحتى قريباً من المدارس، حتى إن بعض الأطفال يتسرّبون من مدارسهم ويقضون فترة الصباح في اللعب والمقامرة بالنقود بعيداً عن عيون أولياء أمورهم".
فيما يوضّح (حسن محمد) صاحب محل للألعاب الإلكترونية في حي الحر بكربلاء لموقع نون " بأن أكثر مرتادي محله هم من شريحة الأطفال بالإضافة إلى الشباب والذين يقضون فترات طويلة في اللعب مقابل المال، مؤكداً في نفس الوقت بأن "عمله غير خاضع للرقابة وأصبح متاحاً للجميع وهو مصدر رزق جيد له، على عكس ما كان عليه سابقاً حيث كانت هنالك لجان تفتيشية من الشرطة تقوم بإغلاق مثل هذه المحلات خاصة التي تكون مصدراً للشجار والمقامرة والأمور غير الأخلاقية" بحسب قوله.
ورداً على كلام صاحب المحل (حسن)، يؤكّد الملازم (إحسان يوسف) من قسم الإعلام في مديرية شرطة كربلاء في حديثه لنا "على إن هنالك لجان تفتيشية تقوم بالرقابة على صالات الألعاب والبليارد والمقاهي لمنع ممارسة الأساليب غير الشرعية ومنع مخالطة الأطفال مع الشباب في مثل هذه الأماكن، وعلى كل صاحب محل أن يتوقع مداهمة لجنة التفتيش له بصورة مفاجأة".
ويضيف يوسف، "تقوم مديرية الجرائم بالاتفاق مع مختاري الأحياء السكنية بأخذ تعهدات من صاحب المحل بعدم تداول الممنوعات في محلاتهم، ولقد تمّ رصد حالات كثيرة مشبوهة داخل هذه الصالات وتم إحالتهم للقضاء، إضافة إلى ما ذكرنا فإننا نقوم بوضع عناصر استخباراتية في الكازينوهات وصالات الألعاب الكبيرة بين فترة وأخرى للتحقق من عدم دخول صغار السنّ والأحداث إلى هذه الأماكن وصاحب المكان مسؤول عن كل شيء سيئ يحدث، ونحن نؤكد على هذا الموضوع الحساس لصرف الأطفال إلى أماكن أخرى للترفيه"، مشيراً إلى إن عملية غلق هذه المحلات بصورة نهائية لا يمكن لأنها قد تكون أماكن ترفيهية للأعمار الشابة الذين يستخدمونها بالشكل الصحيح وما عدا ذلك فنحن نحاسب المقصّر".
وعلى صعيد البحث في هذه المشكلة اجتماعياً وتفسير هذه الظاهرة والحلول الناجعة لها؛ يشير (حيدر الموسوي) الباحث الاجتماعي في دائرة محكمة كربلاء في تصريحه لـ (موقع نون )، "هنالك عدد من المخاطر التي يتعرض لها الطفل عند إدمانه على الألعاب الإلكترونية ومنها المخاطر التي تصيب العيون والدماغ، إضافة إلى إيقاف وظائف التفكير لدى الطفل وهذا يجعل منه متأخراً عقلياً، وإن ارتياد الأطفال وحتى الأكبر سناً منهم لصالات الألعاب يؤثر كثيراً على سلوكياتهم وتصرفاتهم خاصة إذا أفرطوا في ذلك، لأن عملية اللهو التي تتركها الألعاب على عقولهم ونفوسهم تجعلهم أعضاء مقيدين وغير مبدعين فلا يرى كل منهم إلا أن يشغل فراغه في هذه الأماكن التي تخلو من الرقابة وتنتشر على حساب الكسب المادي لا أكثر".
ويضيف الموسوي، "نحتاج إلى الحدّ من انتشار هذه الأماكن التي تنتشر فيها المقامرة وبعض الأساليب المحرّمة، إضافة إلى تشجيع الأطفال من قبل الأسر على شغل فراغهم بالأشياء المفيدة خاصة في أوقات العطل الصيفية؛ مثل ارتياد محافل القرآن والمكتبات العامة والتسجيل في المؤسسات الخيرية التي تسعى إلى تطوير المواهب والقدرات لدى الفرد وهي والحمد لله قد انتشرت بصورة كبيرة في مدينة كربلاء ويمكن من الجميع الاستفادة منها".
تحقيق: علي الجبوري _ موقع نون الخبري
https://telegram.me/buratha