( بقلم : محمد الوادي )
بدعوة من مركز العراق الجديد للاعلام والدراسات في لندن تم في السادس عشر من ايلول 2006 عقد المؤتمر الدولي للمقابر الجماعية في العراق . شارك في هذا المؤتمر الكثير من الشخصيات الاكاديمية التي قدمت اكثر من ستين دراسة وبحث متخصص بجرائم المقابر الجماعية في العراق التي ارتكبت بحق ابناء الشعب العراقي في شمال وجنوب العراق خلال حقبة الصنم الساقط . وقد اشارت هذه البحوث الى حجم الكارثة التي مرت على هذه الفئات المظلومة من الشعب العراقي وايضآ تداعيات وابعاد هذه الجرائم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية وفي جانب اخر الى الموقف الدولي والعربي الرسمي والاعلامي وحتى الشعبي الذي تعامل مع هذه الجرائم بكثير من التجاهل والاغفال حتى وصلت الذروة عند بعض هذه الجهات الى محاولة أنكار الجريمة وهذه جريمة اخرى تضاف الى اوجاع المظلومين والمذبوحين في عراق الصنم .
وايضآ تم الاشارة الى تقصير الحكومات العراقية المتعاقبة مابعد سقوط النظام الصدامي مع عوائل وابناء هذه المقابر , اضافة الى الاهمال والضرر الكبير الذي اصاب مواقع المقابر الجماعية بسبب الحفر العشوائي وايضآ بسبب عدم الاهتمام ولو بالحد الادنى من خلال تسيج هذه المقابر للحفاظ عليها وعلى معالمها . في ختام المؤتمر صدر بيان يطالب الدولة العراقية بالاهتمام بكل هذه الجوانب المهمة اضافة الى تشيد النصب التذكارية والمتاحف التي تجسد حجم الكارثة الانسانية التي مرت على العراقيين و اضافة الى المطالبة باعتماد فصول دراسية خاصة بكل المراحل الدراسية للتوعية والتثقيف والتذكير بمخاطر هذه الجرائم الانسانية البشعة .
يعتبر بحق هذا المؤتمر سابقة أولى وتاريخية كبيرة تستحق الاحترام والتقدير والاشارة بذلك الى الجهود الكبيرة المبذولة من قبل رئيس مركز العراق الجديد الدكتور طالب الرماحي الذي بذل جهد استثنائي بكل معنى للكلمة في سبيل انجاح هذه العمل الوطني والانساني الذي تجاهلته الكثير من الجهات المعنية ولمدة اكثر من ثلاث سنوات مضت على تاريخ سقوط الدكتاتور . وقد شارك في هذا الجهد الوطني والانساني الرائع الاستاذ احمد الحلفي والاستاذ حبيب العجيلي اعضاء لجنة الاعداد والاشراف على اعمال المؤتمر . والتي لم تقتصر على يوم انعقاد المؤتمر بل امتدت الى حوالي الاسبوع من خلال الندوات والجلسات المستمرة والمتواصلة للبحث عن تأسيس أليات عمل عراقي وطني للمطالبة في ضمان حقوق الثكالى والايتام وعوائل الشهداء .
حيث تم طرح ومناقشة في المؤتمر خمسة عشر بحث ودراسة من قبل السادة السيد ابراهيم بحر العلوم وزير النفط السابق والاستاذ القاضي زهير كاظم عبود من السويد والدكتور جبوري شعلان السلامي من ليبيا والدكتور قاسم العكايشي من بريطانيا والسيد حميد الكفائي الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة العراقية وتم ايضآ القاء بحث للسيد طارق حرب من العراق والذي لم يحضر بسبب الظروف . وكذلك تم القاء بحوث عدد من المشاركين الذين حضروا من العراق . اضافة الى بحث عن الابعاد التاريخية والسياسية والاجتماعية لجرائم المقابر الجماعية قام بالقائه صاحب هذه الاسطر " محمد الوادي " من الدنمارك . كما تم عرض فلم متميز للاستاذ ماجد جابر من النرويج وفلم اخر بعنوان الجذور للاستاذ احسان الجيزاني من المانيا . وايضآ على هامش المؤتمر اقيم معرض للصور الفوتغرافية يجسد حالات الاجرام ومأسي هذه الجرائم .وقد حضر المؤتمر السيد اكرم الحكيم وزير الحوار الوطني والسيد صلاح الشيخلي سفير جمهورية العراق في المملكة البريطانية والسيد حسين الصدر , اضافة الى لجنة من هيئة اجتثاث البعث برئاسة السيد عبد العزيز الونداوي.
اضافة الى حضور الكثير من المهتمين التي غصت بهم قاعة المؤتمر على الرغم من سعة حجمها الكبير .
وهذا يدل على حقيقة اصبحت ثابتة في عراق اليوم وهي تقدم الجماهير والفئات المثقفة والاكاديمية بخطوات واسعة وكبيرة على بعض الفئات السياسية التي لم تعطي هذا الحدث الكبير حقه من الاهتمام القانوني والانساني والاعلامي . ولابد من الاشارة الى ان المؤتمر قد حظي بتغطية اعلامية جيدة من بعض الفضائيات ووسائل الاعلام العراقية والعربية .
وقد خلصت الكثير من الافكار حسب وجهة نظري من خلال المناقشات ان العراق اليوم بحاجة الى جهود كل ابنائه الخيرين والمخلصين بغض النظر عن ولائهم الحزبي او المذهبي . والى دعم العملية السياسية واليات العملية الديمقراطية المتمثلة بصندوق الانتخابات وتداول السلطة بشكل قانوني وسلمي . ونبذ الارهاب والتطرف واحترام الدستور والقانون . والتاكيد على العمل الجاد من خلال الخطوات العملية والقانونية على قطع الطريق على المجرمين والمتربصين الذين يحاولون تعبيد طرق جديدة لمقابر جماعية جديدة وان تغيرت الاساليب او الاسماء والهيئات . وهذه هي جوهر الامانة التاريخية الحقيقية التي يجب العمل عليها في عراق اليوم .
محمد الوادي
https://telegram.me/buratha