رابطة الشباب المسلم- لندن
كشف الباحث والإعلامي العراقي الدكتور نضير الخزرجي عن مواضع القوة والضعف في الإعلام الجماهيري الصادق، الذي ينقل الأمة من موقف المتفرج إلى الموقف الفاعل المؤثر في حركة التاريخ.
وأشار الخزرجي في ندوة ثقافية إعلامية عقدتها رابطة الشباب المسلم في لندن يوم السبت (25/4/2009م) بحضور عدد من المثقفين والإعلاميين والكتاب العراقيين، وأدارها الكاتب والإعلامي العراقي الأستاذ جواد كاظم الخالصي تحت عنوان (الجانب الإعلامي في النهضة الحسينية) إلى مقومات الحدث الإعلامي ذات التأثير المباشر على حركة التاريخ، وحصرها في ثمانية: المكان والزمان والفعل والفاعل وأداة الفعل والأثر والمتلقي وأصداء الحدث، وضرب لذلك مثلا في قصة موسى وفرعون حيث جمع فرعون الناس صغيرهم وكبيرهم في مكان واحد (المكان) وفي يوم الزينة ضحى (الزمان)، وتبارى (الفعل) السحرة مع موسى (الفاعل) فغلبت عصى موسى حبال السحرة (الأداة) فوقع السحرة ساجدين (الأثر) مما أسقط في يد فرعون الحيلة وأمام الملأ والجماهير (المتلقي) فأخذ الحدث يموج في البلاد كالنار في الهشيم (الأصداء)، وكان الحدث بداية النهاية لانهيار الحكم الفرعوني وإخراج بني إسرائيل من ظلم فرعون، وهكذا كان حدث كربلاء بداية النهاية لسقوط الحكم الأموي، تاركا أثره في كل مكان وحين إلى يوم الدين.
واستوحى الدكتور الخزرجي مفردات الحدث الإعلامي من القرآن الكريم المسجلة في أكثر من موضع، مشيرا إلى عدد من آيات القرآن الكريم، موضحا العلاقة بين الإعلام والإعلان والدعاية بوصفها مصطلحات أكثر شيوعا في عالم الصحافة والإعلام، وميز بين الفعل والإخبار عن الفعل، مؤكدا أن نهضة الإمام الحسين (ع) تحمل جانبي الفعل ونشر الفعل، لكن الفعل هو المرتكز الأول في النهضة الحسينية فحركة الإمام الحسين (ع) منذ أن قطع حجه في مكة وانتقاله إلى المدينة المنورة وجلبه أهل بيته وعياله معه في طريقه إلى العراق كانت تمثل الفعل الإعلامي الذي يترك أثره العميق في كل موضع نزل فيه الإمام الحسين (ع) أو خطب فيه، كما إن استشهاده في كربلاء عام 61 يمثل الفعل الإعلامي بكل مقوماته، وواصل هذا الدور شقيقته السيدة زينب (ع) الذي يمثل دورها في الكوفة والشام دور موسى (ع) أمام الطاغية فرعون، وبالذات في الشام حيث كان الحاكم الأموي قد اتخذ من يوم استشهاد الإمام الحسين (ع) عيدا وجمع الناس وسفراء الدول في قصره والناس يموجون في فرح وزينة، وأمام هذا الجو الصاخب خطبت السيدة زينب (ع) وخطب الإمام علي بن الحسين السجاد (ع)، فكانت الخطابة وهي فعل الحدث الإعلامي وقع الصخرة في ماء راكد حرك الوضع كله وقلب على الحاكم الأموي ظهر المجن، وأثار سخط كبار القوم وسفراء الدول بعدما عرفوا أن هؤلاء الأسارى هم أسارى أهل البيت الذين بهم نال العرب الحظوة والفخر والعز.
ونوه إلى دور الشاعر والخطيب في المجتمع ما قبل الإسلام وبعده، حيث يعتبر الشاعر صوت العشيرة والقوم وصوت الأمة كما هو دور الخطيب، حيث أضفى الإسلام على الخطيب القدسية فأدخل الخطابة كجزء من العبادة كما في صلاتي الجمعة وصلاة العيدين، وقال إن القبيلة العربية كانت تقيم الولائم إذا ولد لهم صبي أو جواد أو ظهر بينهم شاعر، فهؤلاء الثلاث يعتبرون في العرف العربي مقومات الرجولة والبطولة والشهامة والكرامة. كما اعتبر أن المراسل الحربي مهنة إعلامية قديمة مشيرا إلى شخصيتين ورد اسمها في واقعة كربلاء وهما حميد بن مسلم وهلال بن نافع، وبالذات الأول الذي كان يتنقل بين المعسكرين ينقل أحاديثهم كما نقل وقائع معركة كربلاء دون أن يتعرض إليه احد بأذى.
وتطرق الدكتور الخزرجي في نهاية الندوة إلى أهمية الاستفادة من وسائل الإعلام والاتصال في نقل الصورة الناصعة عن عموم الإسلام وخصوص النهضة الحسينية، وضرب مثلا في ذلك دائرة المعارف الحسينية لمؤلفها البحاثة آية الله الدكتور الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، التي يربو أعداد مجلداتها على الستمائة مجلد صدر منها أكثر من ستين جزءاً، وهي تبحث في النهضة الحسينية في ستين بابا بطريقة علمية بعيدة عن الأهواء والعواطف، يحاول فيها مؤلفها تنقيح صفحات التاريخ مما شابه، وعرض النهضة الحسينية إلى البشرية بوصف حركة الإمام الحسين (ع) حركة إصلاحية لتطهير الأرض من الظلم وانتشال البشرية من واقعها المظلم.
وفي نهاية كلمة الخزرجي تطرق الأستاذ الخالصي إلى جوانب من الإعلام الفاعل في المجتمع وتأثير حركة الإمام الحسين في استنهاض الشعوب وكيفية استخدام المفردة الإعلامية التي تكون مؤثرة جدا كما كان استخدام هذه المفردة من قبل السيدة زينب (ع) في خطابها إلى عبيد الله بن زياد بمفردة (ابن مرجانه) واستخدامها لمفردة (ابن الطلقاء) في مخاطبتها ليزيد ابن معاوية وهي مفردات تدل على نسب وأصل هذين الرجلين في مقابل نسب ومكانة آل بيت الرسول (ص)،، ثم فتح باب الأسئلة والمداخلات، فأشار الخطيب الحسيني الشيخ فاضل الخطيب إلى عدد من مظاهر الإعلام في واقعة كربلاء، منها أن الجيش الأموي أراد الهجوم على معسكر الإمام الحسين (ع) ليلا لطمس الوقائع لكن الإمام الحسين (ع) أراد وقوع الحدث نهاراً حتى تكون ظاهرة للملأ وللعالم أجمع وهكذا كان، وعقّب على حديث الخزرجي بخصوص استعمال الفرسان لشعر الرجز بوصفه معلما من معالم الإعلام في واقعة كربلاء، مؤكدا أن كتب التاريخ لا تنقل لنا سوى الرجز الصادر من فرسان معسكر الحسين (ع) وهي صفة تميز بها معسكر الإمام الحسين (ع).
وحول سؤال بخصوص كتابة التاريخ وافتقار المدرسة التي يمثلها الإمام الحسين (ع) لكتب التاريخ الخاصة بها، قال الخزرجي أن ذلك يعود للاضطهاد الذي مورس بالضد من أئمة أهل البيت (ع) ومن المدرسة التي يمثلونها، ناهيك عن احتضان السلطات الحاكمة للكتبة وتسخيرهم لتحبير تاريخ الملوك والسلاطين والطعن في معارضيهم والمناهضين لهم، ولذلك جاء التاريخ الإسلامي هجينا ومليئا بالأخطاء والممارسات ولم ينقل الحقيقة بشكل عام، فكان تاريخا سلطويا بحق.
https://telegram.me/buratha