د.أمل الأسدي
في صباح يوم الاثنين17/ 3/ 2003 وفي الطريق إلی كراج باب المعظم في بغداد الجديدة، كانت الوجوه مصفرةً، تخفي خوفها مما تشاهده، وتكتم أملها بحذرٍ شديد، كانت الأرض ترتجف، بغداد تموج بالمسلحين ورجال الأمن، هم في حال تأهب قصوی، يقولون: إنه يوم (الممارسة الأمنية)استعدادا للتهديدات الأمريـكية.
كان اليوم طويلا، الناس تمشي بلا عقل، فالخوف يركض خلفها بفمٍ مفتوح!!
وهذه سيارات الفدائيين المسلحة، بزيهم الأسود المخيف تقف قرب المدارس وبين المنازل ، وهناك رجل مسن يمشي، فطار منه دعاؤه قائلا: سترك ربي راح تصير حرب شوارع يمكن!!
في هذا اليوم استمرت القناة الفضائية العراقية ببث الأغاني والأهازيج من الثكنات العسكرية وأماكن تجمع البعثية، فيتابع الناس بصمت وترقب وأنفاس متسارعة، ويشاهدهم الجمهور وهم يتقافزون:
مانريد الخبز والماي
بس سالم ابو عداي
ومجموعة أخری" اتهوس" بسخرية:
بوش المايتبوش
دسنا كلچ وبوشناه
ومجموعة من الماجدات يرددن الأهازيج وتعلو" الهلاهل" معها ويرفعن البندقيات والمسدسات ويرددن:
هاي الماجده
كل العزم بيها
وتتحدث أخری عن فرقة اليمامة قائلة:
ماجدات فرقة اليمامة تعاهد الرئيس القائد حفظه الله ورعاه أن تكون الماجدة دائما فداءً للقائد وللمسيرة وللوطن وما يهمها كل هذا اليصير ، وان شاء الله ننتصر ونحتفل بالانتصار العظيم"
وبعد كل هذه المظاهر وما إن سمعنا دوي الانفجارات بعد يومين؛ فرغت الشوارع الرئيسة وامتلأت الفروع بالبعثية والفدائيين، كانوا يخلعون ملابسهم العسكرية وزيهم ويرتدون الملابس المدنية، ويرمون أسلحتهم ويفرون بين المنازل!!
اختفی طقم الزيتوني والشارب الكثيف معلنا هزيمته، فروا خائفين، تلاحقهم أنفاس الضحايا، تلاحقهم الوجوه المصفرة خوفا، والأجساد النحيلة من الجوع وآلام الفقد!!
كل ذلك؛ تحتفظ به الذاكرة، وقد استدعته أيام الزيارة الأربعينية، حيث تنتشر القوات الأمنية بكل صنوفها ورجال المرور منهم، إنها ممارسة أمنية؛ ولكنها بنكهة أخری!!
ممارسةٌ أمنية حسينية، تحركها المحبة ويقودها الواجب المقدس الذي يقتضي حماية الشعب، والحرص علی هويته، حماية الدستور الذي يقر بهوية الشعب الغالبة، ويقر بحرية الممارسات الدينية وتأدية الشعائر.
فالقوات الأمنية اليوم للوطن كله، بينما القوات في عهد النظام البائد؛ كانت للقائد الضرورة، كان ولاؤها للحزب الحاكم وليس للحق، ليس للشعب!!
فلا تستطيع وأنت تمشي في بغداد أيام الزيارة الأربعينية وغيرها من الزيارات؛ لاتستطيع إلا أن تنثر دموعك، وتقف وقفة احترامٍ وشكرٍ لتلك الوجوه، الوجوه التي لاتكتفي بحماية الناس والحشود المليونية القادمة من شتی بقاع الأرض؛ بل تجدهم يسهمون في خدمة الزائرين، يمشون معهم وبينهم، يوزعون الماء عليهم، يلاطفون الصغار، ويسلمون علی الكبار، ويرحبون بالضيوف!!
وما أحلی كلماتهم: شلونچ يمه
الله يساعدهم
گواهم الله
هلا بالزاير
بالچ خيتي
فشتان مابين أن تكون القوات الأمنية في خدمة الشعب والحفاظ علی هويته وشرف أبنائه، وأن تكون ضد الشعب وضد هويته، ضد أبنائه!!
فرقٌ شاسع بين : أن يوقف الشرطي السيارات ليعبر الزوار قائلا: اتفضل يازاير، اعبري يابة!
اعبري يمه!
وأن يوقف الشرطي السيارة قائلا: امين جايين وين رايحين؟ رايحين للزيارة بس؟ غربة لو گرايب؟
طلعوا هوياتكم!
الماعنده هوية ينزل!!
وإذا وجدوا كتب مفاتيح الجنان والكاسيت الحسيني في السيارة يصرخون:
يله نزلوا...كلكم تنزلون، العوائل توگف هين والشباب هين!!
وكثيرا ما يغادر الشباب مع هذه النزلة، مغادرةً طويلة،أقلها سنة، وأكثرها رحيل أبدي إلی الآخرة!!
إذن؛ هل تدركون ـ الآن ـ تجليات الزياة الأربعينية؟
فمن تجلياتها: الصورة المثالية للقوات الأمنية، فشكرا لأبي عبد الله الحسين، إمام المحبة العالمية الإنسانية.
https://telegram.me/buratha