د. ظفر التميمي ||
السلام عليكم جميعا /
هل حاولتم يوما الرجوع الى خارطة العراق الجغرافية القديمة ، وشاهدتم الكم الهائل من الظلم الذي تعرض له العراق وشعبه ، جراء استقطاع كبير ومجحف لأراضيه على اختلاف الازمنة وباختلاف الظروف السياسية التي حكمت بذلك .
يشكل العراق بموقعه الجغرافي ما يسمى بالمنطقة الرخوة سياسيا ، وهو يتصل بمنطقة الهلال الشيعي التي تمتد من سواحل بلاد الشام شمالا مرورا بالمنطقة الوسطى والجنوبية من العراق حتى سواحل الخليج الفارسي والمنطقة المحيطة بمضيق هرمز ، وهي منطقة مهمة ، والاهم في العالم اجمع ، ومن يحاول ان يقنع نفسه بان امريكا غضت النظر عن التواجد في العراق ، لم يقرا التاريخ جيدا ، ولا يعلم ماذا يعني العراق للعقيدة الامريكية والاسرائيلية المحافظة ، وقد سرعت ظروف العراق في ظل النظام السابق الى تواجد القوات الاميركية بشكل رسمي والاسرائيلية بشكل غير رسمي بعد ، وأصبح دولة محتلة حتى لحظة كتابة هذه السطور ، وبالتالي فان دولة محتلة مثل العراق لا تملك القدرة على ان تكون عنصرا فاعلا في السياسات العالمية مع امتلاكه للمختصين في جميع المجالات ، ولكن المصالح الغربية لها حساباتها الاخرى ، لذا نرى الجميع ، اللهم الا من رحم ربي يتهافتون على السفارة الاميركية ومن يمثلها ، لانهم يدركون عدم قدرتهم على ان يكونوا مؤثرين في العراق بدون موافقة الجانب الامريكي او على الاقل غض النظر على ما يقومون به ، واذا اردنا المقارنة بين العراق وبين الدول الأخرى في ظل هذه الظروف ، فان الآخرين قطعوا شوطا طويلا ، في حين لا يزال العراق يحبو في بيئته الداخلية ، فكيف سيكون الحال في ظل بيئة خارجية يحتدم فيها الصراع بأشد صوره الفتاكة ؟
ان الصراع الحالي بين الأطراف الاقليمية الصاعدة والتي تشكل اعمدة المنطقة الجديدة والمتضمنة تركيا وإسرائيل ومصر والسعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية يتضمن عنصري المال السياسي والقوة بكافة اشكالها ، وهذان العنصران مفقودين في العراق الذي تثقل كاهله ملفات الفساد ، يضاف لذلك القدرات الدبلوماسية التفاوضية ، وكل الدول اعلاه تسعى لان تكون مؤثرة بحسب مصالحها ، فلدينا مثلا التدخل السعودي والاماراتي والصراع الحاصل بينهما فضلا عن قطر وسلطنة عمان في اكثر من ملف ومنها ملفات لبنان وسوريا وتونس وليبيا والسودان ، وكل ذلك على امل ان يسفر النظام العالمي الجديد عن قوى اقليمية بديلة في منطقة الشرق الاوسط الموسع ، اما الجمهورية الاسلامية الايرانية فهي تنظر الى وجودها في ضوء مكتسبات سابقة تمتد الى اكثر من اربعين عاما مع حساب حضورها الفاعل في التفاعلات الجارية على حدودها الشرقية والتي تتضمن دولا مثل افغانستان وباكستان ، كما انها تعول على تحالفاتها مع كل من الصين وروسيا الاتحادية وموقعها في التنظيمات الاقليمية والعالمية ، وبالتالي فان ضمان تفوقها الإقليمي لا يقوم على الرضا الامريكي كدول الخليج والدول العربية الاخرى ، بل هي اقرب الى الاستقلالية في خياراتها رغم ادراكها للمخاطر المترتبة على تلك الاستقلالية .
ويظل العراق الدولة المحتلة في وسط تلك التفاعلات وغير القادر على حسم موقعه الا بعد حسم الصراع العالمي الدائر حاليا ، وان اي محاولة له لن تتجاوز الرغبة العراقية في تحقيق الاستقرار الداخلي وتنظيم السياسات العامة ودرء الخطر قدر المستطاع عن طريق تحالفات ستظل هشة بدون ضمانات امنية اقليمية وعالمية ، ان عودة العراق او تصنيفه كدولة فاعلة بدل ان تكون هشة وفاشلة يتطلب جهودا دبلوماسية مع عدة اطراف ، كما يتطلب ارادة قوية من الاحزاب الممثلة للسلطة ، وبدون ذلك سنظل نراوح في المكان الذي كنا فيه قبل عشرين عاما .
دمتم بخير
https://telegram.me/buratha