محمد عبد الجبار الشبوط ||
منصب رئيس مجلس الوزراء في العراق هو اقوى منصب في النظام السياسي العراقي من الناحية الدستورية. فالدستور يقول في المادة (٧٨):"رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب."
ماذا بقي من الدولة؟ كل الدولة بيد شخص واحد عنوانه الوظيفي "رئيس مجلس الوزراء". وبامكانه ان يحمل حقيبة عدة وزارات وكالة اذا لم يتوفر المرشح المناسب لها. تولى المنصب حتى الان كل من مع حفظ الالقاب: اياد علاوي، ابراهيم الجعفري، نوري المالكي، حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، مصطفى الكاظمي، واخيرا: محمد شياع السوداني.
القاسم المشترك بين هؤلاء الرجال السبعة انهم كلهم شيعة. وهذا ما قضى به الدستور غير المكتوب، واعني به المحاصصة الطائفية والقومية، وليس الدستور المكتوب الذي ينص في مادته الاولى على ان "جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق."
وهذا مصدر قوة اضافي لهذا الرجل اضافة الى الصلاحيات الدستورية الواسعة. فرئيس الوزراء ينتمي الى الطائفة الاكبر على خلاف الرجلين اللذين يتولى احدهما منصب رئيس الجمهورية (كردي) فيما يتولى الثاني منصب رئيس مجلس النواب (سني). اعتذر للقاريء الوطني عن استخدام الاوصاف الطائفية؛ فللضرورة احكام.
بموجب هذا التقسيم يكون الشيعة هم حكام البلاد. لكنهم يتقاسمون المناصب مع شركائهم الكرد والسنة. فنظام الحكم توافقي، وليس ديمقراطيا كما تنص المادة الاولى من الدستور اشتباهاً!
كل هذا يجعل من شخص رئيس الوزراء اقوى رجل في الحكم. قلت "في الحكم" ولم اقل في العراق، لان القراء يعرفون اشخاصا خارج الحكم لكنهم اقوى من رئيس الوزراء. وليس هناك ضرورة لذكر الاسماء فالناس يعرفون اثنين او ثلاثة منهم على الاقل.
لكن الحقيقة ان رئيس الوزراء الشيعي المسلح بالمادة ٧٨ والاغلبية الشيعية (كما يقولون) لم يكن اقوى رجل في الدولة او في الحكم؛ بل لم يكن اقدر رجل في مآل حب يسمى "المكون الشيعي" على عكس الحال بالنسبة للمكون الكردي الذي افرز جلال الطالباني ومسعود البارزاني، على سبيل المثال.
يستطيع المحلل السياسي الاكاديمي ان يفسر هذه الظاهرة بالعديد من الاسباب التي من ضمنها توازن الارادات في نظام المحاصصة الذي اقامته الولايات المتحدة وقبلت به الطبقة السياسية، ومنها التدخلات الخارجية، وغير ذلك. لكن الاسباب الحقيقية لذلك تكمن في امور اخرى هي:
اولا، غياب المشروع السياسي لبناء الدولة الحضارية الحديثة على انقاض الدولة البعثية الدكتاتورية. كانت هموم الطبقة السياسية (الشيعية وغير الشيعية) منصرفة الى اهداف اخرى، بعيدة عن هدف الدولة الحضارية الحديثة، بل معيقة لها. بعض الاصدقاء، مثل الاخ علي المدن، يتحدثون عن مشاريع اخرى معيقة، بل نقيضة لمشروع الدولة الحضارية الحديثة.
ثانيا، الصراعات الشيعية- الشيعية على المنصب وهي صراعات قديمة تعود بجذورها الى مطلع الثمانينات من القرن الماضي. ليس سرا ان الطبقة السياسية الشيعية، او الاحزاب الشيعية الاسلامية كما يحلو للبعض ان يقول، كانت ومازالت تعاني من صراعات على الزعامة والقيادة. اختلفت الاسماء، واختفى بعضها وظهرت اسماء جديدة لكن الصراع بقي كما هو، ومازال مستمرا، صراع على القيادة والسلطة والمغانم، وليس تنافسا من اجل بناء مشروع حضاري حديث لبناء الدولة المقتدرة.
ونأتي الى السبب الثالث وهو احدى نتائج العوامل السابقة وهو ضعف الاختيارات الشيعية للشخص الذي يتولى المنصب. لم يكن بمقدور السياسيين الشيعة الاتفاق على افضلهم واقواهم واقدرهم على تولي المنصب، لكنهم كانوا يستطيعون الاتفاق على اضعفهم وأسوأهم لهذا المنصب. وما تجربة الاتفاق على مصطفى الكاظمي ببعيدة وكيف اصطف السياسيون الشيعة في حفلة تكليفه المخزية عن بكرة ابيهم بهذا الشكل او ذاك.
https://telegram.me/buratha