د.عطور الموسوي ||
لعل من اكثر شخصيات واقعة الطف التي تباينت فيها النصوص التاريخية هي شخصية مولانا الامام السجاد علي بن الحسين عليهما السلام، فبين من يصوره عليلا لايقوى على الوقوف الا متكئا على عمته او سيفه، وبين من يصوره مقاتلا في يوم الطف قبل علته، ولكن الاجماع على انه عليه السلام كان محور القضية الحسينية من لحظة استشهاد ابيه يوم العاشر من المحرم .. كيف لا وهي لحظة تسنمه مهام الامامة وقيادة امة كادت تلفظ انفاسها وقد انعشتها تلك المجزرة الرهيبة كصفعة في وجه كل من تنصل عن دينه لاهثا وراء دنيا بني أمية .
عليلا اراد الله به حفظ نسل النبوة من سيوف الطغاة ليدير دفة الركب الأبي مع عمته عقيلة الطالبيين .. تقطر رقبته واقدامه دما من جراء القيود وهو شامخ كأسد جسور يخشون النظر في عينيه، فهو الحق قد تجسد في رجل نحيف يحمل شعاع النبوة والعصمة المتناقلة من الاصلاب الشامخة الى الارحام المطهرة نسلا بعد نسل من خليل الله ابراهيم عليه السلام، نعم انه من ذريته الذين نالوا العهد منذ يوم ذاك النداء الذي جُعل فيه اماما .
خطب عليه السلام خطبة في قصر يزيد الذي اجتهد ان يحيله الى كرلفان للاحتفال بالانتصار والبهجة والسرور واستضاف امراء وسلاطين لاعلانه القضاء على اصعب المناوئين له الرافضين بيعته .. خطب عليه السلام خطبة عصماء يطول التطرق لمقاطعها البليغة المتصلة ببلاغة جده وابيه .. الا ان عبارات استوقفتني فيها وهي : " أنا ابن عديمات العيوب انا ابن نقيات الجيوب ان ابن من كسا وجهها الحياء انا ابن فاطمة الزهراء ، وسيّدة النّساء ، وابن خديجةالكبرى ."
ولعمري كم كانت تلك الكلمات في الصميم وكأنه يذّكر الآخر بجداته وامهاته من ذوات الرايات الحمر، ويعلن للملأ حقيقة ثابتة وهي صراع الأكف السوداء ضد الأكف البيضاء منذ صراع ابني آدم .. انه دم هابيل مازال نازفا في كل لحظة تتجسد فيها هذه المعادلة .
انا بن من كسا وجهها الحياء وما احوج نساءنا لهذه الصفة في زمن تكالب علينا الاعداء يدوفون السم الزعاف بحرب ناعمة تستهدف المرأة والطفولة، انهم يكافؤون من تتنصل عن حيائها ويكرمونها ويقلدونها جوائز نوبل وامثالها، يجتهدون ان يجعلوا الحجاب اسم على غير مسمى بترويج أزياء (الكاسيات العاريات) ويشجعون على ان تتمرد المرأة على واقعها تحت مسمى حرية المرأة ..ونجحوا للاسف وصارت بعض بناتنا تتدعي انها زينبية وتضع صورتها متبرجة في ملفها الشخصي بمواقع التواصل ! ولا تبالي لحدود الله وهي تقضي ساعات تتحدث مع احدهم بعنوان صداقة اخوية!!
بل وتدعم برامج الاستكبار دون وعي لمخططاتهم فقط لتدافع عن حقوق مزيفة للمرأة خدعو ا بها .. وغير ذلك كثير ..
كلنا مشخّصون لهذا ولكن اين عملنا نحن، اين همنا في ما وصل اليه مجتمعنا من تخلخل في بنيته الاجتماعية والقيّمية ! اين برامجنا التي تجذب الينا الطفولة والشباب فضلا عن النساء في كل مواطنهم !
لست الوحيدة من تسأل واكاد اجزم اننا نتلاوم ونتناقش لكن دون حلول ناجعة، ينجح الآخر رغم قلة عدده ولا ننجح رغم كثرتنا فما السبب؟!
اعتقد وبرايي القاصر اننا لم نتخذ رموزنا الشامخة قدوة الا بالاسم فقط، نردد اننا فاطميات او زينبيات ولكن مازالت برامجنا تحاكي من تجاوز عمرها خمسين عاما وتأبى ان تناغم اعمار الطفولة والشباب، عرفنا الاساليب التي جذبت الجيل الجديد الا اننا مازلنا نعمل بأساليب القرن العشرين ..
وفي النفق المظلم ثمة بارقة مضيئة وهي الحملة الكبيرة الرافضة لما سمي بالجندر وهي بعد ان وصلت النار الى اطراف ثيابنا كما يقولون ..
نهضة جيدة وتحتاج الى برنامج منظم لا يقتصر على تفنيد آراء الآخر فحسب وانما تهيئة تيار يوقف المد الهمجي ومن ثم يكتسحه لتعلو كلمة الله ونؤدي واجبنا كخلفاء لله على أرضه ..
وليذّكر بعضنا بعضا بقوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ..
25 محرم 1445
13 أب 2023
https://telegram.me/buratha