عادل الجبوري ||
بعد الكثير من السجال والجدل، نجحت الحكومة العراقية بتطويق واحتواء أزمة الكهرباء التي تفاقمت إلى حد كبير مع الارتفاع الحاد بدرجات الحرارة وازدياد معدلات استهلاكها، عبر ابرام اتفاق مع الجمهورية الاسلامية الايرانية يقضي بمقايضة الغاز المستورد منها لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية في العراق بالنفط الأسود، كمخرج مناسب لاشكالية عدم تسلم طهران مستحقاتها المالية من بغداد بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها، رغم أن وزارة الكهرباء والنفط العراقية أودعت كل مستحقات ايران لدى المصرف العراقي للتجارة، كما أشار إلى ذلك بعض كبار المسؤولين فيها.
الاعلان عن الاتفاق الذي أبرمه السفير الايراني في بغداد محمد كاظم ال صادق مع مدير مكتب رئيس الوزراء العراقي احسان العوادي، جاء على لسان محمد شياع السوداني، الذي أكد أن هذا الاتفاق يمثل الحل الأنجع والأفضل للأزمة، حيث قال في كلمة متلفزة "توقعنا حصول أزمة في الكهرباء، وقد شخصنا الأسباب منذ بدء عمل الحكومة الحالية، لكن الحلول المتوسطة المدى ستنهي أزمتي الكهرباء واستيراد الغاز"، علمًا أنه "في الأول من شهر تموز كان التجهيز طبيعيًّا، وتمكنا من تأمين التيار الكهربائي من 16 الى 18 ساعة يوميًا، لكن وفي اليوم نفسه تم إيقاف توريد الغاز الإيراني للعراق ما أدى لتراجع التجهيز بسبب الإجراءات الأمريكية".
في ذات الوقت، اكد مكتب رئيس الوزراء في بيان له "ان هذا الاتفاق يأتي في إطار الجهد الحكومي لمعالجة أزمة توريد الغاز المشغّل لمحطات الكهرباء، وتفادي مشكلات التمويل وتعقيدات العقوبات الأميركية التي حالت دون استمرارية تسديد متطلبات الاستيرادات، وسيُسهم الاتفاق في توفير مرونة أكثر لعملية توريد الغاز وتشغيل المحطات واستقرار إنتاج الطاقة الكهربائية".
وكانت مختلف الاطراف واضحة جدًا أكثر من أي وقت مضى في تشخيص أساس المشكلة، وتحميل الولايات المتحدة الاميركية مسؤوليتها، بسبب اقحامها الحسابات والمصالح السياسية في قضية ذات طابع اجتماعي انساني تمس اوضاع وحياة ملايين الناس.
فالاطار التنسيقي كان قد عبر عن موقفه ورؤيته للحل من خلال بيان رسمي، قال فيه "ان البلاد تشهد أزمة باتت تثقل كاهل المواطن العراقي بسبب قلة التجهيز في ساعات الكهرباء في ظل الظروف المناخية الصعبة وارتفاع درجات الحرارة، وانه بعد المتابعة والتقصي وتبيان الاسباب يدعو الإطار التنسيقي الحكومة العراقية ومن خلال وزارة الخارجية الى الاتصال بالجانب الامريكي وحمله على الاطلاق الفوري للمستحقات المالية المترتبة عن استيراد الغاز الايراني دون تأخير او مماطلة، وعدم استخدام هذا الملف سياسيا لتلافي انعكاساته السلبية على المواطن العراقي".
وفي ذات السياق، كانت لجنة الكهرباء والطاقة في البرلمان العراقي قد طالبت الحكومة ومن خلال وزارة الخارجية، بالضغط على الولايات المتحدة الامريكية بإبعاد ملف الطاقة عن الحسابات السياسية، حيث ان العراق اوفى بجميع التزاماته المادية وكل ما بذمته من اموال تجاه ايران الدولة الجارة التي نأمل منها النظر الى العلاقات التاريخية بين البلدين، خصوصا وان العراق قد اوفى بالتزاماته المالية وان اصل المشكلة هي العقوبات الامريكية، لذا نطالب الحكومة العراقية بأخذ دورها من خلال وزارة الخارجية باستخدام الضغط الدبلوماسي على تلك الدول لغرض ابعاد العراق والشعب العراقي عن خلافاتهم السياسية والتي يدفع ثمنها الشعب العراقي".
وفضلا عن المواقف الرسمية، فإن موجة الغضب والاستياء الشعبي العام في العراق قد تصاعدت ضد الولايات المتحدة الاميركية، مع تفاقم أزمة الكهرباء، وتزايد الأصوات المطالبة بوضع حد للهيمنة الاميركية على مفاصل حيوية ومهمة، مثل الكهرباء والبنك المركزي، انطلاقا من قناعات باتت راسخة، بأنه من غير الممكن التوصل الى حلول ومعالجات حقيقية لمشاكل وازمات البلد ما دامت الولايات المتحدة هي صاحبة اليد الطولى في العديد من القطاعات.
في نفس الوقت، عدّت أوساط ومحافل سياسية وشعبية مختلفة الاتفاق الأخير مع الجمهورية الاسلامية، خطوة جريئة وشجاعة من قبل رئيس الوزراء، وضربة لواشنطن التي التزمت الصمت، ولم يظهر إلا تصريح خجول لمستشار الأمن القومي جيك سوليفان قال فيه إن بلاده تدعم خطوات الحكومة العراقية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
ولا شك أن اتفاق المقايضة العراقي الايراني، فضلًا عن مساهمته في معالجة أزمة الكهرباء ولو بصورة جزئية مرحلية، له انعكاسات اقتصادية أخرى من قبيل رفع قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الاميركي، كما أكد ذلك عدد من الخبراء الاقتصاديين، فضلًا عن كونه يمكن أن يكون مقدمة لخطوات أخرى، كاستخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية عوضًا عن الدولار.
إلى جانب ذلك، فإن هذا الاتفاق ينطوي على أبعاد سياسية مهمة للغاية، تعكس طبيعة العلاقات والروابط والمصالح الاستراتيجية المشتركة بين العراق وايران، ويؤشر الى امكانية التغلب على شتى العراقيل والمعوقات والتقاطعات الحاصلة، وهو ما يعني ضربًا للمصالح الأميركية وتقويضًا وتقليصًا لهيمنتها وسطوتها ونفوذها في المنطقة.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha