د.أمل الأسدي ||
في القطانة حيث الكاظمية الحبيبة ، نتحضر قبل أيام لاستقبال عيد الغدير، جدتي الحاجة (خجة) من بيت (المعطوش) تلك المرأة الهيبة، تطحن (التمن عنبر ) بالهاون ،ومنذ الفجر تذهب لجلب حليب (الجاموس)، وتشتري (الزعفران) من دكان (سيد ناصر) من أجل إعداد(الزردة بالحليب)، ولابد أن تنادي علی والدي:
- المواعين الجديدة (بالكنجينة) نزليالي، ونزل وياها القماقم الفرفوري!
كنّا نتمنی نحن ـ الأطفال ـ أن نكتشف مافي داخل (الكنجينة) إذ نتخيلها كمغارة علاء الدين وتلك القصص السحرية؛ لذا نجتمع لنری ماذا سيُنزل(والدي) منها؟
و نبقی نردد :(الله)كلما رأينا طبقا من الأطباق الأنيقة.
ومنذ الليل تجهز صينيةً فيها( الحنة والشموع) ولابد أن تأخذ الأحفاد صباحا الی حمام (الدروازة) كي يستعدوا للعيد، وفي العودة نمر علی بيت (الملاية رفعة) نؤكد عليها موعد الحفل(المولود).
أما جيراننا بيت( سيد محمد الموسوي) فقد اعتادوا علی إقامة مولود للرجال، تتقدمه محاضرة دينية تأريخية عن عيد الغدير، ومن ثم تبدأ الأهازيج(الهوسات) وأكثر ما أنتظره من بعد (العيدية) المشاهد التمثيلية، إذ بقيت راسخة في ذهني الی اليوم، فيقوم رجلان لأداء الأدوار ، أحدهما يجسد دور الإمام علي (عليه السلام) والآخر يجسد دورَ المخالفٍ؛ فيظهر بصورة رجل بدين (وكرشه ) كبير ، يترنح في مشيته ويقول:
-ماهمّ إلاّ هم العرس ، وما وجع الاّ وجع الضرس!!
فينهض الآخر كفارسٍ مهابٍ حكيمٍ فيقول:
ـ ماهمّ إلا هم الدَّين، وما وجع إلاّ وجع العين!
وهكذا يستمر الحوار والكل يتابع مستمتعا، ورائحة الأطعمة الزكية تفوح، يتصدرها (التمن عنبر والدولمة)، والمحلة كلها تتبادل (صواني الأكل)، والمحلة كلها تتبادل التهاني والتبريكات.
هكذا عيد الغدير بصوت أمي وعينيها!
تری كيف سيروي جيل اليوم طقوس عيد الغدير بعد خمسين سنة؟!
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha