عادل الجبوري ||
كانت زيارة الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد للجمهورية الاسلامية الايرانية تلبية لدعوة رسمية تلقاها من نظيره الايراني السيد ابراهيم رئيسي فرصة ومناسبة جيدة لابراز عمق وأهمية ورسوخ العلاقات والروابط السياسية والعقائدية والدينية والثقافية والاقتصادية والتاريخية بين البلدين الجارين، وطبيعة التحديات والتهديدات المشتركة التي تواجههما، والمصالح الواسعة المتبادلة التي تحتم عليهما التعاون والتواصل البناء على كل الصعد والمستويات.
لا شك أن زيارة الرئيس رشيد لطهران، لم تكن الأولى من نوعها على هذا المستوى، بل إنه على مدى العشرين عامًا المنصرمة، أي منذ الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، زار كل رؤساء جمهورية العراق وكذلك رؤساء الحكومات المتعاقبة وكبار الساسة والمسؤولين العراقيين طهران، وقد عكست تلك الزيارات في جانب منها أهمية ايران بالنسبة للعراق، وكذلك أهمية العراق بالنسبة لايران، لا سيما اذا عرفنا أن كل الرؤساء الايرانيين الذين تعاقبوا على التصدي لزمام الأمور خلال العشرين عامًا الماضية قد زاروا العراق، إلى جانب كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين والاقتصاديين وعلماء الدين الايرانيين، وشهدت مسيرة العلاقات بينهما تطورًا كبيرًا رغم الكمّ الكبير من التراكمات السلبية.
ولا يمكن لأي مراقب موضوعي أن يتغاضى عن حقيقة أن علاقات العراق مع ايران كانت خلال العقدين الماضيين هي الأكثر ثباتًا وتطورًا واتساعًا مقارنة بعلاقاته مع مختلف جيرانه وأطراف محيطه الاقليمي والفضاء الدولي، فمواقف ايران الداعمة للعراق خلال تعرضه للارهاب التكفيري من قبل تنظيم "القاعدة" ومن ثم تنظيم "داعش"، أشّرت بوضوح الى هذه الحقيقة، وكذلك حجم وطبيعة الارقام عن التعاون في المجالات الاقتصادية اشرت الى هذه الحقيقة ايضًا، فضلًا عن مساهمة ايران في مشاريع اعمار العراق رغم العراقيل الكثيرة والكبيرة التي حاولت الولايات المتحدة الأميركية وقوى دولية اقليمية وضعها في مسار العلاقات الايجابية العراقية-الايرانية، وملايين الزائرين والسياح لاغراض مختلفة في كل عام الذين يتنقلون عبر المطارات والمنافذ البرية المتعددة بين البدين.
ولعل الشيء المهم والملفت هو أن العلاقات العراقية - الايرانية خرجت من نطاق الدوائر السياسية والدبلوماسية الخاصة، والمساحات الاقتصادية والمالية المحصورة في نطاق الشركات والمؤسسات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال الى الفضاءات الاجتماعية والدينية والثقافية والاكاديمية والحزبية المختلفة، ولا شك أن مناسبة عظيمة مثل ذكرى أربعينية الامام الحسين عليه السلام شكلت معلمًا بارزًا أظهر البعد الشعبي ذا الافق الواسع للعلاقات بين الشعبين الجارين.
ولم تكن زيارة الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد لايران، التي تعد الأولى له لدولة اقليمية منذ توليه المنصب في منتصف شهر تشرين الأول-اكتوبر من العام الماضي، الخطوة العراقية الاولى نحو طهران، بل إنها مثلت استكمالًا لخطوات كثيرة وعلى قدر كبير من الأهمية، علمًا أنه –أي الرئيس رشيد- لبى دعوة السيد رئيسي له بعد فترة وجيزة، خلافًا لما هو متعارف عليه في مثل هذا الأمور، اذ غالبًا ما يستغرق تلبية الدعوات الرسمية للشخصيات السياسية رفيعة المستوى شهورًا من التنسيق والتحضير والاستعداد والبحث في أدق التفاصيل والجزئيات.
وكانت واضحة ومعبرة الرسائل التي أطلقها الرئيس العراقي من طهران، حينما أكد أن "علاقاتنا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي علاقات متواصلة وقوية في مختلف الأبعاد والمجالات"، وأن "جهود العراق كلها تهدف إلى تعميق العلاقات مع إيران وتنفيذ بعض القضايا المتبقية بين البلدين"، و"اننا نثمن مساعدة ودعم إيران حكومة وشعبًا في مختلف المراحل، وخاصة على صعيد مكافحة الإرهاب".
وهي الأخرى كانت واضحة ومعبرة وعميقة، تلك الرسائل التي أطلقها آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي خلال لقائه الرئيس رشيد، بقوله إن "تقدم العراق وازدهاره واستقلاله ورفعته أمر مهم جدًا بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وأن "توسيع العلاقات بين إيران والعراق وتعميقها يواجَه بعداء قوي، ولولا الأواصر التاريخية والعقائدية الراسخة بين البلدين، ربما لعادت العلاقات إلى ظروف عهد صدام".
وفوق ذلك، أشاد الامام الخامنئي بضيافة وكرم الشعب العراقي في استقبال الزوار الإيرانيين في زيارة اربعينية الامام الحسين عليه السلام، معتبرا أن "معنى هذه الظاهرة البالغة الأهمية هو أن هناك عوامل وحدة بين الشعبين والبلدين، خارج العوامل السياسية، ولا يمكن التأثير عليها، ومن المهم جدا استثمار هذه الفرصة لتعميق العلاقة أكثر".
والشيء الآخر الذي شدد عليه الإمام الخامنئي هو أن "الأميركيين ليسوا أصدقاء للعراق ولا لغير العراق، وهم ليسوا أصدقاء مع أحد، حتى أنهم غير مخلصين لأصدقائهم الأوروبيين".
وثمة قضية جوهرية لا بد من التوقف عندها، ألا وهي أن الولايات المتحدة الأميركية وبعض أصدقائها وحلفائها، أرادوا منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران مطلع عام 1979، أن يجعلوا من العراق بوابة للتآمر والعدوان على ايران، وطريقًا لاسقاط النظام السياسي الاسلامي هناك، ولم تتوقف تلك المحاولات والأجندات حتى يومنا هذا، ولا شك أن ذلك ألحق ضررًا كبيرًا -بل كوارث هائلة- بالعراق والشعب العراقي، والتنبه لذلك والتأمل في طبيعة الأهداف الأميركية-الغربية، ومراجعة مجمل الوقائع والاحداث الحاصلة على امتداد اكثر من اربعة عقود من الزمن، للاحاطة بالحقائق كما هي، وابرازها للرأي العام العالمي، وليس العربي والاقليمي فحسب، أمر لا مناص منه.
أضف إلى ذلك، ينبغي أن تكون زيارة الرئيس العراقي لايران فرصة أخرى لتكريس وترسيخ الجوانب والمسارات الايجابية الطيبة لعلاقات العراق مع ايران، ولمعالجة الملفات والقضايا العالقة، حتى لا تستفحل وتكبر وتؤثر سلبًا على المنجزات والمكاسب المتحققة للطرفين.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha