د.أمل الأسدي ||
الـ(سبوتة) موعدٌ روحي، وسعي نحو الأمل والفرج، اعتاد عليه العراقيون عموما وسكان بغداد خصوصا، ويقصد به زيارة الإمام الكاظم، موسی بن جعفر(ع) سبعة أسابيع متوالية، كلها في يوم السبت، فيقصد الناس ضريحه سائلين الله بحقه أن يفرج عنهم ويقضي حواحجهم، ولاسيما أنه ضريح الإمام الكاظم يعرف منذ القدم بكراماته وفضله، وقد قال الإمام الشافعي عنه:( قبر موسى الكاظم الترياق المجرب)(١) وورد عن الشيخ أبي علي الخلال أيضا:(ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر، فتوسلت به إلا سهل الله تعالى لي ما أحب)(٢) وكذلك ورد في الصواعق المحرقة:(سمي بالكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم)(٣)
فهو الإمام الشهيد الحي، المظلوم المعذب في قعر السجون العباسية وهو العبد الصالح السخي الزاهد العابد؛ لذا كرمه الله تعالی وجعل ضريحه مقصدا للملايين من الناس من داخل العراق وخارجه أيضا.
أما السبوتة فهي الزيارة الدائمة المدهشة، ولعلها مرتبطة بقول الإمام الصادق(ع) لبعض أصحابه:(عدّ الأيام فعدّها من الأحد حتى بلغ السبت فقال له كم عددت؟ فقال سبعة فقال:(سبت السبوت، وشمس الدهور، ونور الشهور من لا يلهو ولا يلعب وهو سابعكم ...)(٤) ومن شهد يوم السبت في الكاظمية، يشعر أن الأرض تنشقق ويخرج الناس منها لكثرتهم، ومنذ الفجر تسمع أصواتهم ووقع أقدامهم، وكل النفوس تنادي: يابو طلبة، ياباب الحوائج، قاصدينك، دگينا الباب ونريد الجواب، يا مظلوم، ياسيد بغداد، يا ابو الجوادين دخيلك، ياباب المراد اجيناك...الخ
ولايمكنك إلا أن تسرع كي تتمكن من الزيارة، فأعداد الناس تتزايد وتتزايد، ولايمكنك إلا أن تجهش بالبكاء وأنت تری وجوه الزائرين، وكيف تحركهم فطرتهم ومحبتهم، وكيف يبثون شكواهم وهمومهم لإمامهم!!
وأحيانا تختلط الدموع بالابتسامة حين تری بعض النسوة يوزعن الحلوی، فتقدم سيدةٌ قطعة الحلوی لك وتقول: اخذ مرادك، انطانا مرادنا وماقصر ويانا!!
ولايقصد الضريح ويزوره زيارة(السبوتة) الشيعة وحسب، بل يشترك الناس فيها من كل الطوائف والديانات، فقد تری سيدةً مسيحية مع جارتها المسلمة، أتت سائلةً أو أتت شاكرةً، فضريح الإمام بات مقصدا لكل نفس تبحث عن الأمان والسكينة، لكل نفس جاروا عليها وذاقت الظلم، لكل نفس تمر بأزمةٍ وضاقت الدنيا عليها بما رحبت!! لذا تسمع قصصا عجيبة، وتری مشاهد عجيبة، ولو كانت الدولة مهتمة بالسينما والدراما لأصبح يوم السبت والسبوتة منجما للأعمال الفنية الرائعة المؤثرة، فمع كل دعاء قصة، ومع كل حاجة حكاية، ومع كل دمعة خفايا، ولاسيما حكايات الأمهات، فتجاربهن مدارس للتربية والتعليم، وكل ما تشهده يعكس العمق في التفكير والرؤية، ويجسد الفطرة السليمة التي تبث الوعي، ويبين الإخلاص في الإيمان والثبات عليه، ويريك التوحيد عمليا، تری"لا إله إلا الله" حاضرة عمليا، يترجمها تسليم الناس لله تعالی، وقوة اعتقادهم وصبرهم وثباتهم ومحبتهم لمحمد وآل محمد!!
فأنعم وأكرم بضريح الإمام الكاظم والجواد(عليهما السلام) وأنعم وأكرم بـالسبوتة، مظهر التوحيد الأمثل، ومصدر المحبة والاجتماع الأجمل!!
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha