عادل الجبوري ||
خلال فترة زمنية قصيرة لم تتعد الأسبوعين، زار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني دولتين أوروبيتين مهمتين، هما المانيا وفرنسا، يرافقه وفد حكومي كبير، ضم عددًا من الوزراء المستشارين والخبراء، وتمخضت الزيارتان عن ابرام جملة اتفاقيات ومذكرات تفاهم من شأنها أن تساهم بتعزيز التعاون والشراكات الاستراتيجية معهما، بل مع عموم المنظومة الاوروبية، باعتبار أن برلين وباريس تمثلان القوتين الأوربيتين الأكثر ثقلًا وتأثيرًا من النواحي الاقتصادية والسياسية والصناعية والتقنية.
ومن برلين كان السوداني قد أكد على جملة نقاط جوهرية، من بينها:
- توجه الحكومة العراقية الجديدة نحو المزيد من مشاركة الشركات الألمانية في إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية.
- يضع العراق ثقته بالشركات الألمانية، لما تمتاز به من خبرة وكفاءة عاليتين وسمعة عالمية.
- تسعى الحكومة العراقية إلى تشخيص التحديات التي تواجه عملية الاستثمار في العراق، ووضعها في الاتجاه الذي ينسجم مع المعايير العالمية.
- تعمل الحكومة على تذليل العقبات أمام عمل الشركات في العراق، وتقديم التسهيلات اللازمة، والحد من البيروقراطية التي تواجه المستثمرين، وتبسيط الإجراءات.
- دعوة الشركات الألمانية للاستثمار في العراق بمختلف المجالات، لا سيما الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة والغاز والبتروكيمياويات.
- من المتوقع أن تكون كلفة إنتاج الطاقة المتجددة في العراق منخفضة مقارنة بالدول الأخرى، وكذلك دعم خطة الحكومة العراقية في تطوير قطاع الطاقة والكهرباء.
- تسـعى الحكومة إلى فتح خطوط جوية بين العاصمتين بغداد وبرلين وباقي المدن العراقية والألمانية، لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية والسياحية بين البلدين.
- نطمح إلى تحقيق شراكة استراتيجية وتعاون في جميع المجالات بين البلدين.
ومن باريس التي وصلها السوداني في السادس والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، صرح بعد أن أبرم مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اتفاقية شراكة استراتيجة: "سنواصل العمل مع الأصدقاء من أجل شراكات جادة تضمن للعراق تحقيق الإصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة، كما رسمنا وخططنا في البرنامج الحكومي".
وبحسب مصادر رسمية عراقية "انطوت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين بغداد وباريس على محاور متعددة في المجالات الاقتصادية والأمنية ومكافحة الإرهاب والتطرّف، والتبادل الثقافي، فضلاً عن محاور أخرى تتعلق بإدارة الأزمات ومكافحة الجريمة الاقتصادية والجريمة المنظمة، وفي حماية البيئة وتعزيز حقوق الإنسان والتعليم".
ورغم أن هناك بعض النقاط الخلافية بين العراق وبعض الدول الاوروبية-وتحديدًا المانيا وفرنسا، جانب منها يعود الى حقب زمنية سابقة، وجانب آخر يرتبط بالمرحلة أو المراحل الراهنة، إلا أن استثمار النقاط والمصالح المشتركة، وبما يعزز مكانة العراق الخارجية، ويساهم في تنميته وتطويره اقتصاديًا، يعد أمرًا حسنًا جدًا مع الحفاظ على الثوابت الوطنية وتجنب الانسياق وراء سياسات المحاور والاصطفافات الضيقة التي تولد المشاكل والازمات وتخضع البلاد الى الارادات والأجندات الخارجية.
ومنذ توليه المنصب في السابع والعشرين من شهر تشرين الاول/ أكتوبر الماضي، زار رئيس الوزراء العراقي عدة دول في المنطقة، مثل الكويت والاردن وايران وقطر والسعودية، ومن المقرر أن يزور لاحقًا دولًا أخرى من بينها مصر وتركيا والامارات والصين، وكذلك الولايات المتحدة الاميركية.
ولا شك أن هذا الحراك ينطوي على أبعاد ايجابية مهمة، لا سيما اذا تم توظيفه واستثماره بالشكل الصحيح، بعيدًا عن الاستعراضات الاعلامية الفارغة.
ولعل المهم في الامر، أن الانفتاح المحسوب المدروس على المحيط الاقليمي والفضاء الدولي، يمكن ان يساهم في اخراج العراق من دائرة الهيمنة والنفوذ الاميركي، الذي تجلى واضحًا وبشكل صارخ بعد غزو العراق واحتلاله في عام 2003.
ويتفق الكثيرون على ان الخروج والانعتاق من هيمنة واشنطن ونفوذها على القرار السياسي والامني والاقتصادي العراقي، يعد الخطوة الاولى الاساسية لاستعادة السيادة الوطنية الحقيقية وتصحيح المسارات الخاطئة والمنحرفة.
إن الانفتاح على المنظومة الأوروبية بثقلها الاقتصادي الكبير، يمثل أحد أبرز الخطوات للانعتاق من واشنطن والابتعاد عنها، واعادة ترتيب العلاقة معها وفق معايير وضوابط وسياقات مختلفة. وقد لا يخفى على أي متابع أن صناع القرار الأميركي ينظرون بريبة وتوجس وعدم ارتياح لحراك السوداني نحو محيطه الاقليمي والفضاء الاوروبي، دون أن يستعجل بتلبية الدعوة الرسمية الموجهة له لزيارة الولايات المتحدة الأميركية قبل أن يصار إلى حسم جملة من الملفات السياسية والامنية والاقتصادية، من قبيل الوجود العسكري الاميركي في العراق، ودور واشنطن وتحكمها بالملف المالي العراقي، من خلال ايداع العائدات المالية العراقية في حساب خاص تحت عنوان (صندوق تنمية العراق DFI) في البنك الاحتياطي الفيدرالي الاميركي، وذلك منذ عام 2003، وفقًا لقرار مجلس الامن الدولي المرقم 1483 الصادر في الثاني والعشرين من شهر ايار-مايو من ذلك العام.
والمسألة المهمة الاخرى الكفيلة بتحجيم نفوذ واشنطن وهيمنتها في العراق، هي ايلاء العلاقات مع الصين اهتمامًا أكبر، سواء عبر تفعيل الاتفاقية الاستراتيجية المبرمة بين بغداد وبكين في عام 2019، او بتهيئة الظروف والمناخات الملائمة للانخراط بمشروع الحزام والطريق.
الى جانب ذلك، فإن الحرص على تنمية وتعزيز العلاقات مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، باعتبارها الطرف الأكثر دعمًا واسنادًا للعراق على كل الصعد والمستويات، يمثل ركيزة أساسية للمسارات الصائبة في منهجية السياسة الخارجية العراقية. وارتباطًا بذلك من المهم جدًا التمسك بالمواقف المبدئية حيال القضايا المحورية، كدعم الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الكيان الصهيوني، والاندكاك بقدر أكبر في محور المقاومة، وكذلك الاستمرار في الاضطلاع بأدوار الوساطة وتبني مبادرات الحوار بين الفرقاء الاقليميين من أجل تطويق المشاكل بينهم وايجاد بيئة مناسبة للتوافق والتفاهم والتعاون استنادًا إلى القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة بين دول وشعوب المنطقة بعيدًا عن مشاريع وأجندات واشنطن و"تل ابيب".
ـــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha