متابعة ـ نور الجبوري ||
أطلق خبراء تحذيرات جديدة من كارثة تضرب نهري دجلة والفرات، بسبب إقامة السدود على المجرى قرب منبعه في تركيا قبل وصوله إلى سوريا والعراق، وسط استغاثات عراقية مما يمكن أن يحمله ذلك من عواقب على المنطقة.
عدنان عبد الله حيدر الموسوي، مدير إدارة مشاريع الأهوار والأراضي الرطبة في محافظة ذي قار العراقية، أكد بتصريحات لوكالة الأنباء العراقية، أن هناك انخفاض في أملاح نهر الفرات إلى النصف.
وذكر الموسوي أن معدلات الأمطار في السنوات الثلاث الأخيرة كانت منخفضة جداً، وهو ما تسبب في شح مائي وضعف الإطلاقات المائية الواردة من دول الجوار نتيجة لعدم التزامها بإعطاء الحصة المائية للعراق، حسب وصفه.
وأوضح أن “وزارته باشرت بتطهير مغذيات الأهوار لتقليل الضغط الواقع على سكان الأهوار والحد من هجرتهم خارج المناطق”، مضيفاً أن “عوامل أخرى أثرت بكميات المياه الواردة إلى الأهوار منها الارتفاع اللا مسبوق بدرجات الحرارة وارتفاع معدلات التبخر”.
ودعا المسوؤل العراقي، الوزارات والجهات المعنية في بلاده، إلى أن يكون لها دور حيال الإرث الحضاري وتقديم الخدمة والمساندة لوزارة الموارد المائية من أجل معالجة شح المياه في الأهوار واستقرار السكان المحليين والحد من هجرتهم.
وليس بعيداً عن الفرات، يؤكد الخبراء تراجع منسوب المياه في نهر دجلة لمستويات قياسية، ويعزى التراجع -حسب السلطات العراقية- بسبب إقامة السدود على المجرى قرب منبعه في تركيا قبل وصوله إلى العراق.
وتؤثر السدود التي تبنيها تركيا على نهري دجلة والفرات على العراق وسوريا، حيث تعتبر تركيا النهرين من الأنهار الوطنية وليس الدولية بسبب وجود المنابع داخل حدودها.
وتعود الأزمة الأولى إلى الفترة التي عقبت انهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، حيث تحول كل من نهري دجلة والفرات من نهرين داخليين إلى نهرين دوليين يخضعان لسلطة ثلاث دول، حيث اختصت تركيا بالمنبع والمجرى الأعلى للفرات ودجلة، وسوريا بالمجرى الأوسط للفرات، والعراق بنهر دجلة والمجرى الأدنى للفرات، إلا أن تركيا في الواقع ترفض هذا التقسيم وتعتبر هذان النهران ملكاً وطنياً.
وكان تقاسم مياه الفرات موضع سوء تفاهم بين العواصم الثلاث، وقد أجادت تركيا دولة المنبع، استخدام هذه الورقة كسلاح جيوسياسي في التعامل ليس فقط مع سوريا والعراق، بل مع دول عربية أخرى أيضاً.
وزاد وجود هذه الأطراف الثلاثة قضية الفرات تعقيداً، وأصبح من الضروري وضع مجموعة قواعد وأحكام واتفاقيات تنظم استعمالات المياه بين الدول الثلاثة، العراق وسوريا وتركيا.
ولهذا نصت المادة 109 من معاهدة لوزان 1923 على ضرورة تشكيل لجنة مشتركة بين تركيا وسوريا (تحت الاحتلال الفرنسي) والعراق (تحت الاحتلال البريطاني) بهدف حل النزاعات المحتملة التي يمكن أن تثيرها المشاريع الهيدروليكية لهذه الدول.
بالتالي، تجد تركيا نفسها في هذه المادة ملزمة بإبلاغ العراق بمخطط أي بنية تحتية جديدة لمشروعات تنوي القيام بها على طول الأنهار، مشيرة مرة أخرى إلى الوضع الدقيق في مصب النهر.
في المقابل، أدى إنشاء السدود التركية وتوليد الطاقة الكهرمائيّة على النهرين إلى خفض تدفق المياه إلى العراق بنسبة 80 في المئة وإلى سوريا بنسبة 40 في المئة، واتهمت كل من سوريا والعراق تركيا بتخزين المياه وتهديد إمداداتها من المياه.
فقد تضمن مشروع Gap ثمانية سدود على نهر دجلة، وفي عام 2006 وُضع حجر الأساس لأكبر مشروع في تركيا وثالث أكبر مشروع من نوعه في العالم، وهو سد “إليسو” الأكبر على الإطلاق في حجم تهديده لمستقبل العراق.
وفي الأول من يونيو/ حزيران 2018 أعلنت تركيا عن بدء عملية ملء خزان السد ومنذ ذلك الحين، بدأت المخاوف تتحول إلى واقع وكارثة بدأت تتكشف ملامحها في مختلف أنحاء العراق من الشمال إلى الجنوب.
والعام الفائت قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان: “تركيا كانت تملك 276 سداً حتى عام 2002 وإن إجمالي عدد السدود ارتفع إلى 585 في غضون السنوات الـ 18 الماضية (منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في البلاد)”، مضيفاً “سنفتح 17 سداً إضافياً أيضاً، يفصل بين افتتاح كل منهم شهر أو أقل من ذلك”.
وتؤكد الإحصاءات الرسمية في العراق أن مستوى نهر دجلة، لدى وصوله من تركيا هذا العام، لا يتجاوز 35% من متوسط الكمية التي تدفقت على العراق خلال 100 عام الماضية.
وكلما ازداد احتجاز المياه قل تدفق النهر الذي يمتد على 1500 كيلومتر يجتازها نهر دجلة قبل أن يندمج مع توأمه نهر الفرات، ويلتقيان في أروندرود (شط العرب) جنوباً.
وحذرت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات غير الحكومية، في يونيو/حزيران الماضي، من أن ندرة المياه والتحديات التي تواجه الزراعة المستدامة والأمن الغذائي هي من الدوافع الرئيسية للهجرة من الأرياف إلى المناطق الحضرية بالعراق.
وبحلول نهاية مارس/آذار 2022، نزحت أكثر من 3300 أسرة بسبب العوامل المناخية في 10 مناطق وسط البلاد وجنوبها، وفقا لتقرير نشرته المنظمة الدولية للهجرة الشهر الماضي.
ومع انخفاض منسوب المياه العذبة، بدأت مياه البحر تغزو أروندرود "شط العرب". وتشير الأمم المتحدة والمزارعون بأصابع الاتهام إلى أثر تملح المياه على التربة وانعكاساته على الزراعة والمحاصيل.
وبلغ مستوى الملوحة شمال البصرة 6800 جزء في المليون، وفق ما أفادت السلطات المحلية مطلع أغسطس/آب الماضي. ومن حيث المبدأ، لا تتجاوز نسبة الملوحة بالمياه العذبة ألف جزء في المليون، وفق معايير المعهد الأميركي للجيوفيزياء الذي يحدّد مستوى المياه المتوسطة الملوحة بين 3 و10 آلاف جزء في المليون.
وجاء ذلك بالوقت الذي نبّه البنك الدولي نهاية العام 2021 إلى أنه بحلول العام 2050، سيؤدي ارتفاع الحرارة درجة مئوية واحدة وانخفاض المتساقطات بنسبة 10%، إلى انخفاض بنسبة 20% في المياه العذبة المتاحة في البلاد.
مصدر : نقلا عن العالم
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha