عادل الجبوري ||
يستحق مؤتمر نداء الأقصى الدولي الأول، الذي احتضنته مدينة كربلاء المقدسة مؤخرًا، النظر إليه من زوايا متعددة للوقوف على طبيعة وفحوى ومغزى الرسائل التي أطلقها، والأهداف التي وضعها ويراد الوصول اليها، سواء اليوم أو غدًا أو بعد غد.
أن تجتمع أكثر من مائتين وخمسين شخصية دينية من ستين بلدًا، ومن مختلف المذاهب الاسلامية وحتى غير الاسلامية في مدينة كربلاء المقدسة، وفي ظل أجواء إحياء زيارة أربعين الامام الحسين(ع) المليونية، وفي خضم الكثير من التحديات والمخاطر والفتن التي تواجه مختلف شعوب ومجتمعات الأمة الاسلامية، فهذا يعني الشيء الكثير، ومن الخطأ التعاطي معه، وكأنه فعل تقليدي هدفه الاستهلاك الاعلامي ليس إلا.
لعل من أهم وابرز الرسائل التي أطلقها مؤتمر نداء الأقصى الدولي الاول، هي محورية الثورة الحسينية في مجمل مسيرة النضال من مواجهة الظلم والطغيان والاستبداد والانحراف من أجل ترسيخ وتكريس قيم الحرية والعزة والكرامة الانسانية. ولا شك أن القضية الفلسطينية بإطارها العام الشامل تمثل انموذجًا ومثالًا شاخصًا في عالم اليوم لذلك النضال، والذي يرتبط في مضمونه وجوهره بقضية وثورة الامام الحسين عليه السلام. وقد أريد من خلال شعار مؤتمر نداء الاقصى، الاشارة الى ذلك الترابط (مبادئ النهضة الحسينية ودورها في تحرير القدس وثورة الشعب الفلسطيني). هذا فضلًا عن تصريحات بعض المعنيين بتنظيم المؤتمر: "جاء عقد هذا المؤتمر انطلاقاً من جملة معطيات، أهمها ضرورة التعاون والتضامن الدولييْن بين المؤمنين بالقضية الفلسطينية من أجل تحقيق مبادئ العدالة ومساندة الشعوب المظلومة، وفي مقدّمتها الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لأبشع أشكال ومظاهر الظلم واستلاب الحقوق، إلى جانب اعتبار ما تمثله ثورة الإمام الحسين عليه السلام وشهادته من نموذج رائد في الدفاع عن الحق والخير وبذل التضحيات في سبيل الإصلاح والانتصار لحقوق المستضعفين".
وأيضًا، كما قال الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية الشيخ محسن الاراكي "إن نداء المسجد الأقصى هو نداء الحسين -هل من ناصر ينصرني-، وهو نداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".
في ذات الوقت فإن اختيار كربلاء المقدسة مكانًا لعقد المؤتمر، وشهر صفر زمانا له، يؤشر الى محورية ورمزية ثورة عاشوراء الخالدة.
الرسالة المهمة الأخرى للمؤتمر، هي وحدة المسلمين على اختلاف مشاربهم وعناوينهم وقومياتهم وجنسياتهم واعراقهم ومذاهبهم. وقد كان لذلك العدد الكبير المتنوع من المشاركين في المؤتمر، أثر كبير جدًا في ابراز مظاهر الوحدة الحقيقية، ودحض كل ما يشاع عن تصارع وتقاتل المسلمين فيما بينهم، لأن التصارع والاقتتال الذي نشهده هنا وهناك هو في الحقيقة، جزء من المؤامرات الدولية التي تستخدم فيها القوى الخارجية بعض الفرق والجماعات المنحرفة الضالة كأدوات لإحداث الفتن وزرع الشقاق بين أبناء الدين الواحد، وتلك الأساليب ليست وليدة الأمس أو اليوم، وانما كانت وما زالت حاضرة في كل الحقب والمراحل، ولكن بأشكال وصور ومظاهر مختلفة.
وأكثر من ذلك، فإن حضور ومشاركة شخصيات من ديانات أخرى غير الديانة الاسلامية، من قبيل توشار غاندي حفيد الزعيم والثائر الهندي الشهير الماهاتما غاندي، وكذلك زويل فيليل مانديلا حفيد الزعيم الجنوب افريقي الراحل نيلسون مانديلا، وتشديدهم على عدالة القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني، وعظمة الثورة الحسينية، يؤكد عالمية وشمولية وترابط كلا العنوانين.
الرسالة الأخرى للمؤتمر، تمثلت في رفض كل مشاريع ومبادرات وخطط التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب للأرض والمنتهك للحرمات والمقدسات والأعراض، وهذا الرفض هو في الواقع ترجمة عملية لمواقف الامام الحسين عليه السلام قبل أربعة عشر قرنًا، حينما قال (مثلي لا يبايع مثله)، في إشارة واضحة الى رفضه القاطع الركون والاستسلام للظلم والظالمين، وهو نفس ما يقوله اليوم الرافضون للتطبيع مع الكيان الصهيوني والاستسلام والخنوع له تحت شعارات ومبررات وذرائع فارغة وخاوية يسوقها الانهزاميون ودعاة التطبيع. ومثلما قال رئيس مجلس الأمناء بتجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ غازي حنينة أنه "في ديننا وشريعة ربنا وكتاب الله وهدي رسول الله (ص) لا مجال للحياد والوقوف على رصيف الاحداث وهامش الصفحة، ولا بد أن نكون مع فلسطين والساحة مفتوحة والاحداث تجري عليها منذ وعد بلفور المشؤوم، وان الذين يطبعون مع العدو الصهيوني أخذوا الدرس من يزيد الذي طبع مع اليهود".
ورفض التطبيع، يرتبط ارتباطًا وثيقا بالاصلاح، لأن الأخير لا يمكن أن يتحقق إلا اذا كانت أرضياته وأسسه رصينة وقوية ومتماسكة وغير مخترقة من قبل الخصوم والأعداء، وقد كان الاصلاح هو الشعار والهدف الرئيسي والمحوري لثورة عاشوراء الخالدة، ومنه تفرعت وانبثقت كل الأهداف والمبادىء الانسانية السامية.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha