أن تمتلك عملًا وشقة في كردستان العراق لا يعني ذلك بالضرورة أن حياتك أفضل، فبالنسبة لهيرش طالب الموظفٌ الحكومي الكردي العراقي فإن السفر إلى أوروبا يعني ضمان مستقبل عائلته.
لا يرى هيرش طالب أي مستقبل له ولأسرته في كردستان العراق، إذ يعمل الشاب البالغ من العمر 36 عامًا لنقل أفراد عائلته إلى أوروبا على أمل العثور على مستقبل أكثر استقرارًا.
يقول هيرش لوكالة فرانس برس: “لا مستقبل هنا، الحكومة تطلب منا العمل لكنها لم تدفع لنا في الوقت المحدد منذ سنوات”.
في عام 2021 تجاوزت البطالة في منطقة الحكم الذاتي بكردستان العراق 17٪ بحسب الأرقام الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية في بغداد، بينما بلغ معدل البطالة في باقي أنحاء العراق 14٪.
في ضاحية تصنف على أنها للأثرياء في السليمانية ثاني أكبر مدينة في كردستان العراق، يسكن هيرش مع زوجته وولديه ( 8 و12 عامًا)، يشاهد الطفل البالغ من العمر ثماني سنوات
تائهون في الغابات…مأساة اللاجئين على حدود بولندا وبيلاروسيا
يتحدث هاجانت اللغة الإنجليزية التي أخبر بها مراسل “فرانس برس” أنه يشجع فريق “ريال مدريد” الإسباني، وخاصة النجم الفرنسي كريم بنزيمة الذي يلعب مع الفريق، لكن رغم تمتع ولديه بمستوىً جيد من المعيشة، يقول هيرش إنه مصمم على حزم حقائبه والمغادرة.
هذه ليست المرة الأولى التي يسافر فيها طالب إلى أوروبا، لكنه لا يريد الكشف عن المسار المحدد الذي سيسلكه، رغم أن وجهته المرجوة هي بريطانيا، حيث لديه بالفعل أصدقاء، ويوضح قائلاً: “لكن إذا لم ينجح ذلك، سأذهب إلى ألمانيا”.
العمل والتعليم هما الدوافع الرئيسية لهيرش، يشرح: “يوجد عمل في تلك البلدان، يمكنك ضمان حصول الأطفال على التعليم”.
العمل والتعليم
يعيش نحو خمسة ملايين شخص في كردستان العراق، بينما تعتمد نحو ثلثي الأسر على راتب حكومي أو معاش تقاعدي، لكن بسبب التوترات بين الحكومة في بغداد والإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، غالبًا ما تصل المدفوعات “متأخرة بشكل كبير”.
يوضح الباحث في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام شيفان فاضل أنه على مدى السنوات القليلة الماضية مع تفاقم الأزمة الاقتصادية تم رصد تفشي للفساد وتفاقم لعدم المساواة والركود السياسي في كردستان العراق.
يعتقد فاضل أن “هذه الأمور من بين الدوافع الرئيسية لموجة الهجرة الأخيرة من المنطقة”، بينما يضيف تقرير مفصل للأمم المتحدة صدر في ديسمبر/كانون الأول 2021 أن هناك “نمط قمعي متزايد من التضييق النشط على حرية التعبير في الإقليم عدا عن الترهيب والاعتقال التعسفي وغير ذلك من الوسائل” التي أدت لتفاقم الهجرة.
اعترافات انتزعت تحت التعذيب
بحسب الأمم المتحدة فإن هناك “عدم احترام مستمر للشروط القانونية والضمانات الإجرائية اللازمة لضمان إجراءات قضائية عادلة أمام محكمة مستقلة ومحايدة” في إقليم كردستان العراق، وقد لوحظ أن المحاكمات لا ترقى إلى مستوى “القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المتهمين في استدعاء وفحص أو استجواب الشهود ضدهم”.
وقال تقرير الأمم المتحدة إن ثمانية على الأقل من المتهمين الذين قدموا إلى المحكمة زعموا أن اعترافاتهم “انتُزعت تحت التعذيب”، وإن القاضي “رفض هذه الطلبات دون مزيد من الفحص”.
وفي حالاتٍ أخرى مُنع محامو الدفاع من إعداد دفاع فعال، واحتُجز ما لا يقل عن اثنين من المتهمين في الحبس الانفرادي المطول و “مُنعوا جميعًا من الاتصال بعائلاتهم بشكل منتظم”.
كل هذا وسط خطر نشوب صراع بالمنطقة بأكملها أيضًا ، خاصةً مع استهداف الجيش التركي قواعد في كردستان العراق، قائلاً إنها قواعد حزب العمال الكردستاني، والذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون على أنه “جماعة إرهابية”.
صراعات العشائر
داخل كردستان العراق نفسها هناك أثرٌ للصراع العشائري المتمحور حول السياسة، والتي تتجلى بالصراع بين عائلتي بارزاني في أربيل والطالباني في السليمانية، واللتان تتقاتلا على زعامة المنطقة، فيما يقول هيرش إنه تلقى تهديدات من هذه العشائر.
في خريف 2021، حاول طالب وعائلته الوصول إلى أوروبا عبر العاصمة البيلاروسية مينسك، وقال لفرانس برس إنه بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2021 “دفع مرتين لمهرب للمساعدة في إدخاله هو وعائلته إلى بولندا”، وفي إحدى المحاولات قفز كلب حرس الحدود على ابنه فقام بضرب الكلب.
ويضيف: “الشرطة البولندية ضربتني واعتقلنا، لكننا حاولنا مرة أخرى باستخدام جوازات سفر يونانية مزورة وتم القبض علينا مرة أخرى”.
رحّل هيرش وعائلته في ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى كردستان، لكن رغبتهم في الوصول إلى أوروبا لم تختف، “نريد فقط الخروج من هذه الغابة”، يؤكد هيرش.
https://telegram.me/buratha