جمعة العطواني *||
عقد في اربيل يوم الجمعة الموافق ٢٤/ ٩ / ٢٠٢١ مؤتمر باسم ( السلام والاسترداد ) ، وقد نظم المؤتمر مركز اتصالات السلام ومقره نيويورك، وتناول قضية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والتقارب بين المجتمعات المدنية.
رغم ان المشاركين في المؤتمر هم من ( سقط المتاع) و( قاع المجتمع العراقي) من شيوخ مرتزقة وبعثيين يعيشون الدونية الى يومهم هذا وبعض شواذ جماعة تشرين الذين تخرجوا من ( المطعم التركي) إبان التظاهرات ، الا اننا نسجل بعض الملاحظات الاستشرافية منها:
اولا : ان هذا المؤتمر يعد اشبه بالقاء (الحصى) في المياه الراكدة ، ولا يامل المركز الامريكي والصهاينة الذين شاركوا فيه اكثر من مجرد الانعقاد ، كونه يعتبر خطوة باتجاه خطوات ستتحقق في المستقبل.
ثانيا ؛ ان مجرد انعقاد المؤتمر يعد نجاحا للتطبيع في دولة مثل العراق التي لا تقاس بها اية دولة عربية اخرى، فالعراق حامل لواء فلسطين كقضية مقدسة وشعب مضطهد، بما يمتلك هذا البلد من مرجعيات دينية تتعاطى مع فلسطين على انها قضية عقائدية وليست مسالة سياسية خاضعة للمساومات والصفقات التي تبرمها قمم جامعة الدول العربية.
وكذلك فان العراق فيه شعب مقاوم للاحتلال الامريكي والصهيوني، كونه يحمل لواء المقاومة الذي تربى على يد امام المسلمين الامام الخميني ( قدس) وامام محور المقاومة القائد الخامنئي( دام ظله)، فهذا المؤتمر في هذا البلد يعد انجازا مهما لاصحابه.
ثالثا: ان استغلال الظروف السياسية والازمة الاقتصادية التي يعيشها العراق من بطالة وتردي الواقع الخدمي وامتعاض غالبية المجتمع من الاداء السياسي لاغلب القوى السياسية، وفشل الحكومة في تلبية شي من مطالب الناس، نتصور ان استغلال هذه الظروف مدروسة من قبل اصحاب المؤتمر كونهم يتوقعون ردود افعال شعبية ( لا ابالية) بحكم انشغال الناس باولويات اخرى، بل ربما نسمع من بعض شرائح المجتمع المتذمرة من الاداء السياسي ردود افعال غير رافضة للتطبيع، ليس حبًا بالكيان الصهيونبة بل بغضا بالقوى السياسية ايضا.
رابعا: ان ربط المؤتمر والدعوة الى التطبيع بالدعوة الى اقامة اقليم سني في الانبار مثلما صرح بذلك احد شيوخ الانبار المشاركين في المؤتمر يدعو الى وقفة دقيقة، فما علاقة اقامة اقليم سني بالتطبيع مع الكيان الصهيوني؟.
الجواب واضح : فان الكيان الصهيوني فضلا عن الامريكان والدول العربية المطبعة من اكثر الاطراف الداعية الى تقسيم العراق الى فيدراليات هي الاقرب الى الدول المستقلة منها الى فيدراليات ادارية، كما هو الحال في اقليم كوردستان التي يمارس ساستها حياتهم السياسية بعنوان دولة مستقلة بعيدا عن اي اجراءات قانونية او دستورية اتحادية .
فالاقليم مقابل التطبيع هو الصفقة التي يعد بها الامريكان بعض المشاركين في المؤتمر.
خامسا: ان عدم مشاركة بعض الشخصيات في المناطق السنية لا يعني رفضهم لفكرة التطبيع، بل لضرورات سياسية واجتماعية ريثما تستقر الامور ويتعاطى الساسة وشرائح المجتمع بشكل طبيعي مع التطبيع ثم يحين موعد التحاقهم بقافلة التطبيع .
سادسا: ان اختيار اربيل مكانا لعقد هذا المؤتمر فيه دلالات كبيرة على ان ارض العراق تعد خصبة للتطبيع مع الصهانية فها هي احدى المحافظات العراقية تقيم المؤتمرات لبعض رجالها وتدعو جهارا نهارا الى الاعتراف بالميزان الصهيوني .
سابعا: ان اقامة المؤتمر في اربيل وبعلم مع حكومة الاقليم فيه رسالة الى الداخل العراق والخارج الاقليمي والدولي مفادها ان اقليم كوردستان يؤمن ويعترف بالدولة الصهيونية، بل ويدعو العراقين الى الاعتراف بهذه الدولة ، وان الاقليم يتصرف كدولة مستقلة بعيدا عن كل القوانين العراقية ، وان بغداد اضعف من ان تحاسب او حتى تستنكر موقف الكورد وحكومة الاقليم على ذلك.
رغم ان قانون العقوبات العراقي يعاقب من يعقد او يساعد على عقد هذه المؤتمرات كما ورد في المواد(٤٠٢) وغيرها من قانون العقوبات .
ثامنا : ان ردود الافعال الشعبية الرافضة وحتى المؤيدة لهذا المؤتمر ينتج ثقافة جديدة في التعاطي مع التطبيع، وانه يعبر عن اراء مختلفة وان القبول بهذا المبدا يعد جزء من حرية الراي، وربما سيصبح السفر الى تل ابيب جزءا من ثقافة جديدة تندرج ضمن حرية السفر والتعبير والحريات الشخصية .
علما انه سبق عقد هذا الموتمر قيام بعض الشخصيات السياسية بزيارة تل ابيب واللقاء ببعض المسؤولين هناك، وكذلك لقاء بعض الناشطين العراقيين بنظرائهم الصهاينة في دول اوروبية ، فضلا عن دعوات بعض الناشطين العراقيين ممن يصطلح عليهم ب( التشارنة) بالدعوة الى التطبيع مع الكيان الصهيونبة واجراء لقاءات مع قنوات صهيونية دون وجود اي رادع قانوني من قبل الحكومة العراقية .
كل ذلك يعد تمهيدا لترويض الشعب العراقي للمراحل القادمة حتى يصبح التطبيع مصطلحا مالوفا ومستساغا من قبل النخب العراقية وسائر المجتمع العراقي.
تاسعا : ان ربط اقامة اقليم سني بالدعوة الى التطبيع تتضمن رسالة مفادها ان هذا الاقليم سيكون ماوى للفلسطينيين في المستقبل القريب ، وبهذه الطريقة سيحقق المطبعون اكثر من هدف في ان واحد ، منها :
١- القضاء على قضية عودة المهجرين من الفلسطينيين الى ارضهم الاصيلة، وبالتالي يبقى الفلسطينيون اقلية داخل ما يسمى بدولة اسرائيل.
٢- توطين الفلسطينيين في الانبار وتحويلها الى اقليم يعطي حصانة للمسؤولين في الاقليم الجديد من اية محاسبة او ضغوطات سياسية من بغداد، بدليل ان ما يحصل في اربيل من دعوات للتطبيع وفتح المطارات لاستقبال الصهاينة، دون علم او موافقة بغداد سيكون نموذجا في اقليم الانبار ، فالذي يعجز عن محاسبة حكومة اقليم كوردستان من باب اولى سيعجز عن محاسبة حكومة اقليم الانبار .
كذلك يجب ان لا نغفل الدعوات الاخيرة التي تطالب بتجنيس الفلسطينيين في العراق او التعامل معهم كعراقيين في توفير فرص عمل ولهم حق شراء العقارات والاستثمار وغيرها كأي مواطن عراقي ما هي الا خطوة بهذا الاتجاه .
٣- ان زيادة عدد سكان الانبار والمحافظات السنية لاحقا بملايين الفلسطينيين سيغير التركيبة الديموغرافية للشعب العراقي، الى درجة انه لم تعد الشيعة هم الغالبية السكانية للمحتمع العراقي، هذا فيما لو بقي الاقليم السني مرتبطا بالعراق الاتحادي ، او ان ينفصل هذا الاقليم وهو يمتلك مقومات دولة من حيث النفوس والتركيبة السكانية الطائفية وارتباطها بمحيطها العربي كالاردن وحتى السعودية .
بالنتيجة
فان الواجب القانوني والشرعي والاخلاقي القيام بما يلي
الف: الدعوة الى محاسبة المطبعين، والداعمين للتطبيع من خلال تنفيذ الاجراءات القانونية وفق قانون العقوبات العراقي النافذ ، ولا يجوز التعامل بازدواجية مع القوانين العراقية، فكما ان المواطن الذي يرتكب جريمة جنائية او ارهابية او غيرها تحاسبه الدولة، كذلك على الدولة ان تحاسب من يرتكب جريمة وفق القوانين النافذة دون انتقائية.
باء: ضرورة التحشيد الاعلامي المختلف لنبذ هذا النفر المطبع من المجتمع، والتعامل معهم على انهم خونة ومرتزقة، وعدم ابداء الاحترام لهم ،ونبذهم من المحتمع.
جيم: الضغط على القوى السياسية الشيعية خاصة لمحاسبة الحكومة بسبب تساهلها مع هذه الخطوات غير القانونية وتقصيرها في محاسبة المجرمين الذين تجاوزوا على القوانين العراقية.
دال: يبقى حق الشعب العراقي مكفول للدفاع عن مقدساته وثوابته والتعاطي مع هذا النفر المنحرف والمخالف للقوانين العراقية وانتهاك الدستور والاعراف الاجتماعية فيما لو تواطات او تخاذلت او تهاونت الحكومة في القيام بواجبها القانوني .
*مركز افق للدراسات والتحليل السياسي
https://telegram.me/buratha