عادل الجبوري ||
سبع شخصيات سياسية دولية تعاقبت على رئاسة بعثة الأمم المتحدة في العراقي (يونامي) على امتداد أكثر من ثمانية عشر عامًا، ولم تكن أي من تلك الشخصيات موضع إثارة وجدل مثلما هو الحال مع المبعوثة الأممية الحالية جينين بلاسخارت التي تولت رئاسة البعثة الأممية في العراق قبل حوالي ثلاثة أعوام خلفًا للدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيتش.
لم تترك بلاسخارت مناسبة أو فرصة إلا وخاضت في قضايا وملفات بعيدة كل البعد عن مهامها، ناهيك عن المحاباة والانحياز إلى أطراف معينة على حساب أطراف أخرى، وبما يتناقض تمامًا مع طبيعة مهامها ووظائفها كمسؤولة رفيعة المستوى في المنظمة الدولية.
آخر اثاراتها جاءت عبر حوار أجرته معها إحدى القنوات الفضائية، حيث تحدثت عن الحشد الشعبي بنفس اللغة التي غالبًا ما يتحدث بها السفير الأميركي وكذلك السفير البريطاني أو أي شخصيات سياسية - دبلوماسية أو عسكرية من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وبنفس لغة بعض وسائل الإعلام والمنابر السياسية العربية في الرياض وأبو ظبي وعواصم عربية أخرى، أو بنفس نبرة قوى وشخصيات عراقية، ترى في الحشد خطرًا على وجودها ومصالحها.
وكان من بين ما قالته بلاسخارت في المقابلة التلفزيونية هو "أن تهديدات الميليشيات - وتقصد الحشد - مستمرة وتضع حياة العراقيين في خطر، وتسير بمستقبل البلاد نحو المجهول"، واصفةً "قضية إدماج ميليـشيا الحشد الشعبي في قوى الدولة الوطنية بالأمر المعقد". وزعمت "انّ بعض القوات المسلحة -في إشارة للحشد-تقوم بعدة عمليات ضد الدولة العراقية، وتهاجم العراق بأكمله".
وفي هذا السياق، دعت المبعوثة الأممية اصحاب السلطة إلى "تشخيص الفصائل المسلحة ومنفذي هذه الهجمات وتحميلهم المسؤولية"، مضيفة، "انّ العراق يشهد اليوم وجود ميليشيات مسلـحة تنشط خارج سيطرة وسلطة الحكومة، ولها أذرع خارج وداخل أجهزة الدولة".
لم تتأخر هيئة الحشد الشعبي في الرد على تقولات ببلاسخارت، فقد اطلق رئيسها فالح الفياض هجوما لاذعا، معتبرا ان جينين بلاسخارت، تجاوزت المهام المنوط بها، وقال في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي(تويتر) "نرى ان ممثلة الامين العام للامم المتحدة في العراق السيدة بلاسخارت تجاوزت الدور المهني، واصبحت ورقة في الملعب السياسي العراقي"، وخاطب الامين العام للمنظمة الدولية "السيد الامين العام للامم المتحدة نحن بحاجة الى دوركم الاممي المهني في دعم العراق"، وهي اشارة واضحة جدا الى ان بلاسخارت باتت شخصية غير مرغوب فيها. وهذا يكرس انطباعا عاما تبلور شيئا فشيئا لدى نخب وشخصيات سياسية عديدة على امتداد الاعوام الثلاثة الماضية.
فرئيس ائتلاف الوطنية اياد علاوي، كان قد طالب الـمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، في شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، باستبدال بلاسخارت، مؤكدًا أنها "التحقت بعملها في العراق لأغراض غير معروفة"!.
بينما شدد النائب الراحل، عدنان الاسدي، قبل بضعة شهور على ضرورة التحرك السياسي لتبديل بلاسخارت بممثل آخر"، معتبرا "ان ما تقوم به ممثلة الامين العام للأمم المتحدة في العراق خرج عن دورها الرسمي ودور الامم المتحدة في العالم، اذ اصبحت تتدخل في الشؤون الداخلية للبلد، وان تقريرها المرفوع للأمم المتحدة دليل على ذلك".
ولم تذهب النائب عالية نصيف بعيدا، حينما دعت منتصف العام الماضي "وزارة الخارجية العراقية الى مخاطبة الأمم المتحدة لاستبدال مبعوثتها جنين بلاسخارت، التي تتعمد التضليل وتغييب الحقائق في تقاريرها التي تفتقر للمصداقية"، مبينة "أن تقريرها الأخير أساء للقوى الوطنية التي أدانت العنف بكل أشكاله وطالبت بإقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، وهي تجاهلت العنصر الرئيسي الذي يقف وراء ما يحصل في العراق، وهو الفساد الذي يتم بمباركة أمريكا والدول المتحالفة معها منذ حكومة بريمر ولغاية اليوم".
بالفعل فإن التقارير الدورية التي ترفعها بلاسخارت الى مجلس الامن الدولي، كانت تتضمن الكثير من المغالطات وتزييف الحقائق والتحريض، ولا يحتاج المتابع الى جهد كبير، ليكتشف انها تنسجم وتتوافق مع مزاج ورغبة كل من واشنطن ولندن، ولم يبالغ من يقول ان بلاسخارت تتواصل مع السفارتين الاميركية والبريطانية في بغداد اكثر مما تتواصل مع رؤسائها في مقر المنظمة الدولية بنيويورك، ناهيك عن كونها تبحث عن الاستعراضات الاعلامية الفارغة، أو ما يطلق عليه باللهجة العراقية الدارجة "الطشّة".
وتؤكد أوساط ومحافل سياسية مطلعة، أن بلاسخارت، راحت تتحرك حاليًا باتجاه عرقلة اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في موعدها المقرر في العاشر من شهر تشرين الاول - اكتوبر المقبل، من خلال الضغط على بعض الأطراف السياسية لمقاطعتها، أو الترويج بأنها لن تغير الواقع في ظل سيطرة "الميليشيات" على مقدرات الدولة وامكانياتها، وتأثير أطراف خارجية على القرار الوطني، أو القول بأن المشاركة الضعيفة في تلك الانتخابات سيفقدها مشروعيتها ومصداقيتها، وكل هذا وغيره هو ذاته الذي تسوقه السفارتين الاميركية والبريطانية عبر وسائل اعلام ومنابر سياسية ومنظمات مجتمع مدني.
بعبارة أخرى، تبدو بلاسخارت وفقًا لجملة حقائق ومعطيات ومؤشرات عنصرًا أساسيًا وفاعلًا ومؤثرًا في تكريس منهج خلط الأوراق في المشهد العراقي، لإحداث المزيد من التشظي والانقسام السياسي والمجتمعي، وتأجيل الانتخابات، والابقاء على التواجد العسكري الاميركي، وربما قضايا أخرى.
https://telegram.me/buratha