عادل الجبوري ||
منذ تعيينه سفيرًا لبلاده في العراق، منتصف شهر ايلول - سبتمبر من عام 2019، لم يتوقف السفير البريطاني ستيفن هيكي عن إثارة الجدل وإشغال مساحات من الرأي العام العراقي والأوساط والمحافل السياسية، إما بتصريحات استفزازية حول ملفات داخلية، لا ينبغي لمن يتولى مسؤولية بعثة دبلوماسية اجنبية ان يخوض فيها، لأن ذلك يعد قفزًا على سياقات وضوابط العمل الدبلوماسي وتدخلًا غير مقبول، أو عبر مقاطع فيديوية مصورة يظهر فيها وهو يقوم بطبخ بعض الأكلات الشعبية العراقية، بطريقة مبالغ فيها، وتشعر المتلقي بأن سعادة السفير البريطاني لا همّ له الا تعلم كيفية عمل الدولمة والباميا والكباب والقيمة وخبز التنور العراقي!.
وسواء انشغل السفير هيكي بكتابة التغريدات وإطلاق التصريحات الناقدة لبعض مظاهر الوضع السياسي العراقي والمؤكدة على السيادة الوطنية، واحترام القانون، والانتخابات النزيهة والشفافة، أو قضى الكثير من وقته داخل المطبخ، وهو يحفر الباذنجان والكوسى ويحشو البصل والطماطم لعمل الدولمة، أو يقطع الباميا، أو يعجن الدقيق لعمل الخبز، فإنه يكون قد ابتعد كثيرًا عن المهام الموكلة اليه، ناهيك عن الوقوع في مطبات هو في غنى عنها.
أكثر من مرة يطلق سعادة السفير البريطاني في بغداد تصريحات، أو يكتب تغريدات متسرعة، ليضطر بعد ذلك مباشرة إلى التراجع، إما عبر الاعتذار، أو الادعاء أن تصريحاته فهمت خطأ، وانه لم يكن يقصد ما فهمه وفسره الآخرون بأنه تدخل وتجاوز للسياقات والضوابط والأعراف.
ربما لم يقم أي سفير أو رئيس بعثة دبلوماسية أجنبية في بغداد، بإطلاق الإدانات والاستنكارات مثلما فعل السفير البريطاني، فكلما تعرضت القوات الأميركية للقصف، سارع هيكي إلى الإدانة والاستنكار، وكلما اغتيل ناشط مدني أو سياسي من لون معين، سارع إلى الادانة والاستنكار، وكلما اتسعت حدة السجالات واحتدم الجدل بين القوى السياسية العراقية حول الانتخابات، انبرى السفير إلى التأكيد على أهمية الالتزام بالثوابت الوطنية، وهكذا بالنسبة للقضايا والملفات الأخرى، كالموازنة المالية، والخلافات بين المركز والاقليم، أو إدانة الفصائل والجماعات المسلحة، حتى ليبدو أن هيكي مسؤول رفيع في الدولة العراقية، أو زعيم سياسي، وليس سفيرًا لدولة أجنبية. وربما نسي في خضم انشغالاته وتغنيه بالماضي، أن بريطانيا العظمى لم تعد قائمة منذ زمن بعيد، وأنها تحولت إلى ذيل للولايات المتحدة الأميركية.
ومن المواقف السياسية المتسرعة وغير المحسوبة دبلوماسيا بشكل صحيح، الى المطبخ وسيل الانتقادات المتلاحقة للسفير "الشيف"، وهو يستعرض مهاراته الطبخية عبر مقاطع الفيديو، حيث يضطر الى الرد على بعضها بطريقة تحشيشية ساخرة، وتجاهل البعض الاخر، او الذهاب الى اربيل لاستعراض مهاراته في ركوب الدراجات الهوائية مع رئيس اقليم كردستان!.
وثمة أوجه شبه بين عموم ممارسات ومواقف السفير البريطاني ستيفن هيكي، وممارسات ومواقف السفير السعودي السابق في بغداد ثامر السبهان، الذي انتهى الأمر بحكومة بلاده إلى سحبه وإنهاء مهامه تجنبًا للمزيد من الإحراجات والانتقادات والمشاكل والأزمات، في الوقت الذي كانت تسعى فيه الرياض للتهدئة بعد أعوام عبثية من التصعيد.
وبعدما أدلى السفير هيكي بتصريحات استفزازية غير مناسبة بشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة وعدم امكانية إجرائها في الموعد المقرر لها، وبعد أن قوبلت تصريحاته بسيل من الانتقادات الحادة والدعوات لطرده، خرج ليعتذر ويقول إن تصريحاته "فسرت بطريقة خاطئة" وإنه يحرص على احترام السيادة العراقية، وإنه يعبر عن ثقته بـ"أن الانتخابات المقبلة ستجرى في وقتها المحدد".
ولم يمر وقت طويل حتى أطل السفير "الشيف" بتغريدة جديدة، قال فيها "العراقيون طالبوا ويستحقون دولة يحاسب فيها من يخالف القانون، لا ينبغي لأحد استخدام القوة والتهديد لعرقلة التحقيقات الجنائية.. تقوم الديمقراطية على احترام سيادة القانون"، وكان ذلك على ما يبدو تعليقًا على اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح وما رافقه من تداعيات.
واذا كان مؤكدًا أن السفير البريطاني، راح منذ اليوم الأول لتوليه مهمته الدبلوماسية في بغداد قبل أقل من عامين، يخوض في ميادين بعيدة عن ميدانه الرئيسي والمطلوب، فمن شبه المؤكد أنه لا يتحرك ولا يتحدث ولا يكتب وفقًا لاجتهاداته وتقديراته الشخصية، وإن كان يفعل ذلك في مطبخ الطعام، فلا يمكن أن يفعله في مطبخ السياسة!.
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha