علياء الانصاري *||
لطالما سمعتُ هذه العبارة من أفواه الكثير من النساء..
ولطالما أتخذ بعض الرجال من (بناتهم)، وسيلة للضغط على الزوجة لأذيتها أو الانتقام منها أو إجبارها على فعل مايريد، وفي بعض الحالات تكون (الفتيات الصغيرات)، وسيلة الآباء في الحصول على الاموال أو تعزيز المصالح.
ما أريد مناقشته في هذه العجالة، هو ضعف تدابير الحماية التي توفرها الدولة من خلال مؤسساتها للأمهات في هذا الملف تحديدا، فمع وجود مؤسسات حكومية تعنى بقضايا العنف ولكنها مازالت مؤسسات تنفيذية غير قادرة على توفير الحماية للنساء والفتيات والاسرة بشكل عام، وهذا العجز يأتي تارة من عدم وجود قوانين واجراءات ادارية واضحة ورصينة وكافية للحماية، وتارة في بعض المنفذين أنفسهم الذين غالبا ما تطغى عليهم (النزعة الذكورية)، ويتغلب عليهم الخوف من مواجهة المجتمع فيتجنبوا اتخاذ قرارات الحماية المناسبة خوفا على أنفسهم من (قوانين العشيرة) وأعراف المجتمع النافذة أكثر من نفاذ القانون.
ذلك المجتمع الذي يفتقر هو الآخر الى الوعي الناضج بأهمية توفير حماية للامهات والفتيات الصغيرات كأحد أدوات المعالجة الحقيقية للعنف ضدهن، فهذا المجتمع لا يجيد سوى التنمر على النساء في وسائل التواصل الاجتماعي مفتقرا الى أبسط درجات التعاطف معهن ناهيك عن توفير تدابير حمايتهن.
سأذكر هنا مثال لنوع واحد من الأنواع التي نتعاطى معها يوميا في عملنا، وسأركز على هذا النوع لان المجتمع الذي لا يوفر حماية للنساء والفتيات، ويعطي الحق للرجل دوما، يفعل ذلك معتبرا نفسه (حاكما شرعيا وحارسا للاعراف والتقاليد وحاميا للشرف)، فالكثير من النساء تعاني من ظلم الزوج لها ولاولادها بفعل السطوة التي يملكها سواء عشائريا او اجتماعيا او من خلال نفوذ معين، ومثال ذلك بعض السيدات اللواتي يعانين من إهمال الزوج لها ولابنائها، ذلك الاهمال الذي لا يقتصر على الضرب والاهانة، بل يتعدى ذلك الى عدم الانفاق عليها وعلى الاسرة، فتضطر الى طلب المساعدة من الاهل او الجيران او المؤسسات الخيرية، وفي بعض الحالات تعتمد على نفسها من خلال عمل بسيط تقوم به لاجل توفير لقمة العيش لها ولاولادها.. في حين ان الزوج يصرف امواله على شرب الخمور والنساء والمخدرات، في اتصال لبعض السيدات يطلبن المساعدة، (ساعديني ماذا افعل؟ زوجي ياتي بالشرب للبيت، ويشرب امام اطفالي وهم صغار، يضربنا، ولا يصرف على البيت).. هذه النوع من النساء – وهن كثيرات – ترفض تقديم شكوى الى مديرية حماية الاسرة والطفل او الشرطة المجتمعية، لانها تخشى ردة فعل المجتمع والأهل، وزوجها أيضا، لانها تدرك بان القانون لن يحميها والمجتمع لن يرحمها، كيف تقدم شكوى على الزوج؟
أب يعمل في أحدى المؤسسات الامنية، يتعاطى الخمور، لديه 7 ابناء خمس منهم (بنات)، تعيش أسرته ملحمة من العنف والاهمال، والزوجة صابرة محتسبة، حتى قررت ان تتطلق منه لتتمكن من توفير بيئة سليمة وآمنة لاولادها، بعد الطلاق أخذ يهددها بالهجوم على البيت حاملا سلاحه المرخص، وفي الآونة الاخيرة، بدأ يطالب ببناته الخمسة، يريدهن!! ويهدد بقتلها ان لم تعطيه البنات. لم تجد الزوجة سبيلا سوى الهرب ببناتها الى مكان آخر، علما أنها لجأت الى الشكوى ولكن لم تصل الى نتيجة.
فحتى في الحالات التي تملك فيها المرأة الشجاعة لتقديم الشكوى، لا يتم التعامل مع شكواها بجدية وحسم، ما بين روتينية الاجراءات ولا مبالاة بعض العاملين.
أب يترك بناته الخمسة بلا رعاية ويختفي.. مع أم مقعدة، في مهب رياح ما بين مجتمع قاس ينظر دوما بعين السوء، ودولة غير حامية بقوانينها ومؤسساتها.
المجتمع يسمع ويرى ويعلم، ربما يقدم معونة، يتصدق.. ولكنه لا يقف بجانب المرأة لأجل أخذ حقها وحمايتها من مصادر الظلم والعنف.
القصص تحتاج الى الف ليلة وليلة ولن تكتمل..
كل محاولاتنا لأجل مناهضة العنف ضد النساء والفتيات، أو تقديم معالجات لتقليل هذا العنف، لا تجدي نفعا ما دمنا نفتقر الى تدابير الحماية الحقيقية التي يجب ان توفرها الدولة من خلال تشريع القوانين الحامية وتعزيز قدرات مؤسساتها التنفيذية على مستوى الاجراءات الادارية وكفاءة العاملين فيها.
الدولة بقوانينها ومؤسساتها التنفيذية، والمجتمع بوعيه الإنساني تجاه قضايا العنف والاسرة وتبنيه قضية الحماية بأدوات حقيقية ووعي ناضج وحس إنساني، متحررا من قيود العشائرية والذكورية، سيعطيان دفعة حقيقية في ملف الحماية والوقاية، وحينها نستطيع أن نخبر النساء والفتيات الصغيرات: (كلن وأشربن وقرّن عينا).
*كاتبة والمديرة التنفيذية لمنظمة بنت الرافدين
https://telegram.me/buratha