عبد الرحمن المالكي ||
افرزت الحروب و النزاعات والازمات الاقتصادية التي توالت على العراق منذ العقود الاربعة الماضية ، بارتفاع نسب عمالة الاطفال, والتي قدرت بانخراط اكثر من نصف مليون طفل دون 15 عام في العمل لتأمين قوت عائلاتهم خلال السنوات العشر الماضية, بحسب احصائيات منظمة الطفولة العالمية (اليونسيف) .
ويشير تقرير اليونسيف الى ان قرابة الـ (7) مليون و نصف المليون طفل عراقي ,أي ما يعادل ثلث الاطفال في العراق هم بحاجة الى المساعدة ، بضمنهم اطفال تركو مقاعد الدراسة ولجأوا الى العمل في مهن شاقة و قاسية وصعبة.
و تؤكد تقارير مفوضية حقوق الانسان في العراق ان عمالة الاطفال , بدأت بالازدياد بشكل كبير مع حلول صيف العام 2014 م , حيث كانت العائلات النازحة بحدود الثلاثة ملايين و نصف المليون نازح , وقد تضاعفت مع بدء معارك القوات العسكرية العراقية ضد مجاميع (داعش) الارهابية , حتى القضاء عليه , فمعظم تلك العوائل النازحة كانت تواجه مشاكل في تأمين مستلزمات العيش , ما اجبرتهم على الدفع بأبنائهم لمواجهة ظروف الحياة القاسية والعمل في مدن الوسط والجنوب والتي تعاني اصلا من الفقر والبطالة وضعف المستوى الاقتصادي المعاشي مما اثر سلباً في ذلك .
ان شروق شمس يوم جديد بالنسبة لملايين الاطفال في العراق , تعني التوجه لمقاعد الدراسة او التنزه في عطلة نهاية الاسبوع , اما بالنسبة لـ( علي ) ذو الـ(11) عاما , فهي يوم اخر من العمل في ورشة لتصليح ( السيارات) , عمل شاق بالنسبة لمحمد الذي وجد نفسه مرغماً لمساعدة والدته التي تعاني من امراض مزمنة , و إعانة اسرة مكونة من (7) اشخاص , هنا انتهت احلام (محمد ) كما هو الحال بالنسبة للمئات من اقرانه , الذين اجبرتهم ظروف الحياة على ترك مقاعد الدراسة , و التوجه للعمل .
يقول (علي عباس ) عندما التقيت به في احدى مدن بغداد : انا اعمل لمساعدة امي و اخواتي و اخي , فأبي قد استشهد على يد ضد مجاميع (داعش) الارهابي في الموصل لدوافع طائفية , و لي ام و اخوات يعملن في البيت بصناعة (الكبة) و بعض المواد الغذائية الاخرى , و بيعها على المحلات لتوفير ايجارالبيت الذي نسكنه و مستلزمات حياتنا الاخرى .
ارباب الاعمال الذين خرقوا القانون العراقي الذي يمنع تشغيل الاطفال دون سن (15) عاماً , يعتبرون ما اقدموا عليه انقاذ لهؤلاء الاطفال و عائلاتهم , فهم يعتقدون ان الطفل يمكن ان يكون فريسة سهلة لمن يدفع المال من تجار المخدرات و سماسرة السلاح و عصابات التسول , وهم بذلك وفروا فرصة عمل و ملجأ للطفل و منحه فرصة لتعلم مهنة في وقت ارتفعت فيه نسب البطالة في مجتمعنا كثيراً , هذا ما يقوله , لي (عبد المحسن العزاوي ) , صاحب ورشة لحدادة السيارات في كسرة وعطش / بغداد , ويضيف قائلا : ان "الاطفال الذين ياتون للعمل هنا بأعمار من 10_ 15 عاما , ونحن نوافق على عملهم لمنع انجرافهم بطرق اخرى خطرة عليهم و على المجتمع" .
قانون العمل العراقي منع عمالة الاطفال دون سن الـ(15) سنة , الا انه لم يضع عقوبات صريحة لرب العمل الذي يقوم بتشغيل الاطفال , ولهذا يرى عضو مفوضية حقوق الانسان فاضل الغراوي خلال تصريحة , لوسائل الاعلام : ان "على الجهاز القضائي تفعيل دور الاجهزة التنفيذية التابعة للقضاء لملاحقة المخالفين" , مبينا ان "الجريمة الاقتصادية حاليا جهة تنفيذية قوية و بما ان عمل الطفل هو ايضا جريمة اقتصادية , تؤثر على العمالة داخل البلد باعتبار ان ارباب الاعمال يستغلون الاطفال بأجور قليلة , لذا يمكن استغلال تلك الجهة لمكافحة هذه الظاهرة التي بدأت بالازدياد و الاتساع " .
و بحسب احصائيات لوزارة التربية , فأن نسبة المتسربين من الدراسة بلغ (6%) للعام 2018م , وهي نسبة مرتفعة تزامنت مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلد , و اعتماد الاسر على ابنائها في توفير لقمة العيش .
يقول المدير الاقليمي لمنظمة اليونسيف في العراق (مولد وارفا) , في تصريح له لوكالة الانباء العراقية : ان "احصائياتنا تؤكد ان طفلاً واحدا من بين خمسة اطفال في العراق بحاجة الى المساعدة و الدعم الانساني , و ان اخطر ما يواجه الاطفال في عمالتهم هو خطر الموت , فبعضهم يعمل في معامل طابوق و البعض الاخر يعمل في جمع القمامة , و اخرون يعملون في معامل دون الوقاية من خطر الكيمياويات و المواد المشعة" ,موضحاً ،ان "اليونسيف في العراق تعمل مع الحكومة التي لديها القانون و تبذل جهودا كبيرة في ذلك بنشر الوعي الثقافي لدى المجتمع من اجل منع عمالة الاطفال , و العمل ايضا على ضمان حقوق الطفل التي يجب ان يتمتع بها".
واكد ان "الكثير من المناقشات الجدية بين الحكومة واليونسيف احرزت تقدماً , لكن الطريق لا يزال طويلا في هذا الملف " .
هذه المشكلة بحد ذاتها تتحمل مسؤليتها عدة جهات معنية منها وزارة الداخلية وزارة التربية ووزارة الثقافة ووزارة العمل وعليها ان تجد الحلول الواقعية بدلاً من تشخيص المشاكل وان منع تلك الظاهرة لا يُعد حلاً فعلياً لتلك المشكلة .
ويبقى الوضع الاقتصادي والحروب والازمات التي تمر هذا البلد والاسباب كثيرة وعلى رأسها السياسية , خلفت الاف من الايتام هذه الاسباب الرئيسية التي اجبرت الاطفال على ترك مقاعد الدراسة و التوجه الى ساحات العمل لإعالة اسرهم المحتاجة التي بعد غض النظر من قبل الحكومة .
https://telegram.me/buratha