صبيح المرياني *||
حالات الانتحار التي تحدث بين فترة واخرى تمثل أعلى مرحلة من مراحل تدمير الذات ، وهي مشكلة مجتمعية ألقت بظلالها في السنوات الاخيرة على المجتمع العراقي ، فكلما تخلص من مشكلة ظهرت مشكلة أخرى ، حتى تزاحمت عليه المشكلات فصار من المهم أن نعي خطورتها ونبحث عن حلول لها بعيدا عن التنظير والتحليلات الخاطئة التي لا تعتمد العلم في تفسيراتها.
وكل ما نحتاجه في هذه الحالة هو إعادة النظر بالبحوث التي وضعت على رفوف مكتبات الجامعات العراقية من دون أن ينتفع منها أحد ، مع أن باحثيها بذلوا جهودا كبيرة في إعدادها ، لأنهم شخصوا طبيعة المشكلة أو الظاهرة التي يدرسونها واهميتها بالنسبة للمجتمع الذي يعيشون فيه ، ويقينا إن هذه البحوث قد أشرف عليها اساتذة مختصون في شتى المجالات العلمية والانسانية وهي تعتمد في نتائجها على استبانات لعينات من المجتمع موضوع البحث.
وفي العراق بلغ عدد المنتحرين 616 شخصا في عام 2020 ، تباينت حالات الانتحار فيه بين أعلى عدد لهم إذ بلغ 76 شخصا في شهر تشرين الثاني واقل عدد وصل الى 36 شخصا في شهر كانون الثاني من العام نفسه حسب احصائيات وزارة الداخلية والتي أوجه رسالتي الى وزيرها السيد عثمان الغانمي المحترم والذي يمكن أن يكون نقطة فارقة في تحقيق هدف البحث العلمي لهذه المشكلة ووضع توصيات بهذا الخصوص.
ونحن نعلم أن الغرض الرئيس من البحث هو وصف الظاهرة ومن ثم فهم تفسيرها والتنبؤ بها وبالتالي ضبطها والتحكم بها ، وهو ما يهمنا حقا ، ففي وزارة الداخلية بالتحديد تسجل الحوادث وبشكل يومي وعلى مدار الساعة وهي تدرج ضمن قوائم المواقف اليومية والتي لو تم تبويبها بشكل جيد من قبل القائمين على هذا الامر وتم تكليف ذوي الاختصاص النفسي او الاجتماعي بدراستها لنتج عن ذلك تفسير الظاهرة والتنبؤ بها مستقبلا ـ وضبطها ، كون البيانات الخاصة بالأحداث اليومية تتميز بتكامل معلوماتها.
ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر حالة انتحار لشابة جامعية في العشرين من العمر في احد مخيمات النزوح في الموصل والتي اقدمت على شنق نفسها بحجاب غطاء الرأس مع احتمال أن السبب في الانتحار هو ضغوط نفسية .
هنا وفي ضوء هذه المعلومات اصبح الامر سهلا على الباحث كوننا قدمنا له معلومات عن جنس ونوع الضحية والتحصيل الدراسي لها وكذلك العمر وايضا المنطقة او المحافظة إضافة إلى طريقة الانتحار وبالتالي فإننا اذا ما جمعنا هذه المعلومة وامثالها على مدار سنة كاملة ولكافة حالات الانتحار في المحافظات يمكن أن نخرج بنتائج مهمة ومفيدة بالنسبة للباحث ينفع بها المجتمع والمختصين في هذا المجال بل وحتى الاجهزة الامنية في سعيهم للحد من هذه الظاهرة.
والحال نفسه يمكن أن يشمل وزارة الصحة التي تمتلك معلومات لعلها لا تختلف كثيرا عن ما هو موجود في وزارة الداخلية لكن العبرة في من يستفيد منها ويوظفها توظيفا صحيحا ومنتجا.
* باحث واعلامي
https://telegram.me/buratha