عادل الجبوري ||
لم يكن رئيس السلطة القضائية الايرانية اية الله ابراهيم رئيسي اول مسؤول ايراني رفيع المستوى يزور العراق، وكذلك لم يكن الاول ممن يحظى بتلك الحفاوة وذلك الاهتمام من قبل العراقيين، سواء الدولة ومفاصلها المعنية، او النخب والشرائح الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
فخلال الاعوام الثمانية عشر المنصرمة، اي منذ الاطاحة بنظام صدام وحتى الان، زار العراق اكثر من رئيس جمهورية ايراني، واكثر من رئيس برلمان، واكثر من رئيس سلطة قضائية، فضلا عن العديد من الوزراء وكبار المسؤولين واصحاب القرار في طهران، ولكن بدت زيارة رئيسي الى بغداد هذه المرة مختلفة نوعا ما عن زيارات ايرانية مماثلة في السابق، لانها من جانب، مثلت اول زيارة لمسؤول ايراني رفيع المستوى من الخط الاول بعد اغتيال قائد فيلق الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس من قبل القوات الاميركية مطلع العام الماضي، وتصدر ملف الاغتيال وملابساته قائمة الموضوعات المطروحة على طاولة البحث والنقاش، وجاءت متزامنة مع الذكرى السنوية الثانية والاربعين لانتصار الثورة الاسلامية الايرانية، فضلا عن مجمل الظروف والاوضاع والتحديات التي يعيشها ويواجهها كل من العراق وايران وعموم دول المنطقة.
خصوصية واستثنائية التوقيت، واولوية الملفات، لم يكن ذلك هو المختلف فحسب في زيارة رئيس السلطة القضائية، التي جاءت بدعوة رسمية من رئيس مجلس القضاء العراقي فائق زيدان، الذي كان قد زار طهران في شهر تموز-يوليو من عام 2091.
المختلف ايضا في زيارة رئيسي هو طبيعة ومغزى ومضمون الرسائل التي اطلقها من حيث الزمان والمكان، وكذلك التي تلقاها من العراقيين.
لم يتوجه الضيف الايراني الكبير بعد ان حطت طائرته في مطار بغداد الدولي للقاء مضيفيه العراقيين، وانما اختار ان يزور قبل كل شيء موقع عملية اغتيال سليماني والمهندس، والقاء كلمة من هناك، قال فيها، "هنا محل استشهاد بطلين للشعب العراقي والشعب الايراني، وهم ابطال الامة الاسلامية، ولقد امتزج الدم العراقي والإيراني في موقع جريمة المطار، وان مسار الشهيدين سليماني والمهندس سيبقى خالدا، وهما من صنعا الأمن لإيران والعراق والمنطقة ولن يبقى استشهادهما من دون رد".
ومن مقر السفارة الايرانية في بغداد، قال السيد رئيسي في كلمتة بأحتفالية السفارة بمناسبة الذكرى السنوية الثانية والاربعين لانتصار الثورة الاسلامية، "ان التيار المقاوم لن يسمح بالنفوذ الأمريكي وبفتنة مثيري الفتن في المنطقة، وبفضل دماء الشهداء سينتهي التيار الأمريكي والمتغطرسين في هذه المنطقة، حيث ان امريكا وقوات التحالف لم ولن تحل مشكلة أي شعب في المنطقة، فالتأريخ يخبرنا ان أمريكا لا توفر الأمن في أي منطقة، وهي عامل لإنعدام الأمن في المنطقة، ومن يستطيع ضمان الأمن في العراق هم ابناء الشعب العراقي العظيم والشباب والمثقفون العراقيون".
وفي مجمل لقاءاته مع كبار المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس الجمهورية برهم صالح، ونظيره رئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان، شدد على اهمية العلاقات بين بغداد وطهران بالنسبة لكلا البلدين والشعبين والمنطقة على وجه العموم، في ذات الوقت الذي ثمن فيه خطوات القضاء العراقي في التعاطي مع ملف اغتيال الشهيدين سليماني والمهندس ورفاقهما.
ولم تكن المحطة الثانية لرئيسي بعد زيارة موقع اغتيال سليماني والمهندس، لقاءا رسميا، وانما تمثلت بالتوجه الى مدينة الكاظمية المقدسة والتشرف بزيارة الامامين الجوادين(الكاظم وحفيده الجواد عليهما السلام)، والتجول في شوارع المدينة وسط حشود المواطنين والزائرين، ليسمع الشعارات المدوية ضد اميركا والكيان الصهيوني والمشيدة بأيران والحشد والمقاومة والقادة الشهداء، ورغم انه لم يلقي خطابا ولا ادلى بكلمة من هناك، الا ان طبيعة زيارته وجولته وتفاعل الناس واحتفائها به بصورة عفوية بعيدا عن السياقات البروتوكولية المتعارف عليها، كانت بمثابة رسالة او رسائل بليغة ومعبرة وعميقة.
لاشك ان ما قاله وما صرح به السيد رئيسي من بغداد كان واضحا الى حد كبير، ولم يحتمل تفسيرات وتأويلات مختلفة، وهذا الوضوح، اشر الى حقيقة الرؤية الايرانية للعلاقات الاستراتيجة المتينة بين بغداد وطهران، والمواقف والتوجهات الايرانية الثابتة حيال الولايات المتحدة الاميركية بسياساتها العدوانية القائمة حاليا، والمسارات السليمة لمعالجة المشاكل والازمات، وتطويق الفوضى والاضطراب.
https://telegram.me/buratha