التقارير

الديمقراطية بعد عام ١٩٥٨


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

وجهت قبل ايام سؤالا الى القراء والاصدقاء في التواصل الاجتماعي هذا نصه: هل تؤمن بان الديمقراطية افضل نظام سياسي للعراق؟

ولم يفاجئني الجواب. فقد قال ٦٨٪ من الذين شاركوا في الجواب: لا! وهذه نسبة عالية جدا بطبيعة الحال، لكنها ليست غير متوقعة. فالتطورات السياسية التي شهدها العراق خلال الستين سنة الاخيرة لا يمكن ان تقدم افضل من هذا.

كيف كان المشهد السياسي في العراق في عام ١٩٥٨ اي بعد مرور ٧٠٠ سنة على احتلاله من قبل المغول في عام ١٢٥٨؟

وانما حصرت السؤال للفترة بعد عام ١٩٥٨ لاني شاهد شخصي عليه، ويكون بمقدوري ان اكتب عما عاصرته وليس استنادا الى ما قراته في الكتب.

تألف المشهد السياسي من العناصر التالية:

اولا، حكومة عسكرية مطعمة بعناصر مدنية برئاسة عبد الكريم قاسم. عمليا استمر الحكم العسكري الى عام ١٩٦٨ من خلال الاخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف. وهذا ما يمكن ان نطلق عليه اسم "الجمهورية الاولى".  ولم تكن الديمقراطية هي الشغل الشاغل لهذا الحكم.

ثانيا، ثلاثة احزاب عقائدية او شبه عقائدية هي: الحزب الشيوعي، وحزب البعث، وحزب الدعوة الاسلامية (سري انذاك). ولم تكن هذه الاحزاب تهدف الى اقامة الديمقراطية. فالحزب الشيوعي، تبعا للماركسية اللينينية، يعتبر الديمقراطية منتجا برجوازيا، والبعث كان مشغولا بشعارات الوحدة والحرية والاشتراكية، وحزب الدعوة السري كان يثقف اعضاءه على على نشرة اسس الدولة الاسلامية، وليس على كتاب "تنبيه الامة" للشيخ النائيني. وبين الاحزاب الثلاثة صراعات سياسية وايديولوجية معلنة او مضمرة مريرة، ليس بينها الديمقراطية.

ثالثا، جو اجتماعي تغلب عليه الروح العشائرية والقروية، مقرونة بنسبة عالية من الامية، وضحالة الثقافة السياسية الديمقراطية.

رابعا، سقط النظام العسكري، في عام ١٩٦٨ تحت حراب حزب البعث الذي نجح في امرين هما: البقاء في الحكم الى سنة ٢٠٠٣، واقامة واحدة من اقسى الدكتاتوريات في العالم القائمة على عبادة الشخصية متمثلة بصدام حسين. وكان الحديث عن اقامة الديمقراطية خارج الصدد والموضوع، لان حزب البعث حزب عنصري، شوفيني، علماني، ثوري، يؤمن بفكرة الحزب القائد والقائد الضرورة. وهكذا كان على العراق ان يخضع لحكم دكتاتوري فردي الى عام ٢٠٠٣، مما يمكن اطلاق اسم "الجمهورية الثانية" عليه.

خامسا، في اثناء حكم صدام ظهرت الى السطح "المعارضة العراقية" في الخارج، مؤلفة بشكل اساسي من قوى سياسية وقومية ودينية، كردية وعربية، شيعية وسنية، علمانية واسلامية، لا يجمع بينها سوى معارضتها لنظام صدام، ولم تكن الديمقراطية همها الاول. بل كان واقع حالها لا ينبيء بمستقبل ديمقراطي لها. وحين انتبهت الى ذلك في اواسط الثمانينات من القرن الماضي، ثم اعلنت بمقال نشرته في شباط من عام ١٩٩٠، ان على الاسلاميين الاخذ بالديمقراطية قامت عليّ الدنيا ولم تقعد الا بعد سنوات طويلة، وتم اتهامي بقسوة بالانحراف عن الاسلام، وبالعمالة. وكان هذا بحد ذاته دليلا على المستقبل القاتم للديمقراطية في العراق.

سادسا، سقط النظام الدكتاتوري عن طريق الاحتلال الاميركي عام ٢٠٠٣، وقامت الجمهورية الثالثة. وبدل ان تكرّس احزاب المعارضة السابقة التي اصبحت احزاب سلطة، جهودها من اجل بناء دولة ديمقراطية حديثة، انحرفت عن هذا الهدف المأمول، وذهبت الى تقاسم السلطة على اساس المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية. وفي تلك الفترة، اسستُ مع عدد من الاصدقاء حزبا سياسيا باسم "التيار الاسلامي الديمقراطي"، لكننا لم ننجح في اول انتخابات تشريعية اجريت بعد سقوط النظام الصدامي، لان الناخبين فضلوا التصويت لاحزاب المحاصصة، وليس للديمقراطية في فضاء ثقافي اسلامي.  فعرفت ان الديمقراطية محاصرة من طرفين: الطبقة السياسية الحاكمة، وجمهور الناخبين!

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك