التقارير

تجارة الأطلسي السوداء

1455 2021-01-14

 

ضحى الخالدي ||

 

عرفت أثينا وروما العبيد في أوج ازدهارهما وأفولهما حالهما حال بابل, وآشور, وممفيس, وطيبة,والإسكندرية,  وأوغاريت, وصور, ومكة, ودمشق, وبغداد, وإسطنبول.

بعد الحروب الصليبية بداية القرن الثالث عشر الميلادي استورد الإيطاليون آلاف الأرمن والشركس والجورجيين كعبيد   –الرقيق الأبيض- للحاجة الماسّة للأيدي العاملة في معامل السكر, والخدمة في المنازل.

بعد فتح العثمانيين للقسطنطينية –إسطنبول- منتصف القرن الخامس عشر بدأ الأوربيون البحث عن طرق بديلة نحو الهند, وقاد البرتغاليون والأسبان حملات  الاستكشاف المبكرة بحكم ما تعلموه من خبرة في بناء السفن من مسلمي الأندلس.

مرَّ هذا الطريق بغرب إفريقيا؛ المنطقة التي عانت أكثر من غيرها من تجارة الرقيق الأسود عبر المحيط الأطلسي لقربها من طريق السفن الاستكشافية.

وجد المستكشفون والمستعمرون البرتغاليون و الأسبان, ومن بعدهم الهولنديون والبلجيكيون والألمان والفرنسيون والبريطانيون أن إفريقيا فيها ثروة تفوق الذهب والمطاط والعاج, والماس فيما بعد: إنها تجارة العبيد. تعد الثروة البشرية في أي بلد إحدى مقاييس الغِنى.

بعد اكتشاف القارتين الأمريكيتين بأراضيهما الشاسعة وثرواتهما الطبيعية المتنوعة زادت الحاجة الى اليد العاملة الإفريقية الرخيصة, نتيجة إبادة السكان الأصليين للقارتين, ولا أعتقد أن ثمّة مجال للتساؤل لِمَ لَم يستخدم البيض ملايين الهنود الحمر كعبيد بدل استجلاب الأفارقة؛ لأن المستعمر بطبيعته لا يمكن أن يتيح فرصةً للسكان الأصليين كي ينادوا بأحقيَّتهم في أرضهمو وقد استعبدوا منهم الملايين في ظروف تخلو من الرحمة.

وليس ثمّة عجب إذا ما علمنا أن كثيراً من ملوك الأفارقة ورؤساء قبائلهم أثروا على حساب بيع واصطياد أبناء جلدتهم. نعم كان الانسان الإفريقي لا سيما في غامبيا البلد المسلم والسنغال وبنين وساحل العاج يتم اصطياده بالشباك تارةً, وبالبنادق تارةً أخرى من خلال إصابات غير قاتلة, ولا معيقة, كأي حيوان بري.

كان الثمن بخساً للغاية, نبيذ فرنسي وسكوتلندي معتَّق, أسلحة, قبعات, قلائد!!

لم يكن تأثير هذه التجارة مقتصراً على الجانب النفسي والاجتماعي للانسان الإفريقي؛ لقد ساهم الرقيق الإفريقي ببناء ونهضة الأمريكيتين, والولايات المتحدة اليوم مدينة بغناها وما وصلت إليه لملايين الفلاحين والعمال الأفارقة الذين كانت أعدادهم تفوق المستعمرين البيض بكثير. أما فيما يخص القارة الإفريقية فقد أسهمت هذه التجارة في فقدانها ثروتها البشرية, وفي تهالك الكثير من اقتصاداتها التي اعتمدت لقرون على هذه المقايضة الغبية بدل استغلال ثرواتها الطبيعية.

كانت شروط اختيار الرقيق أن تتراوح أعمارهم بين 15-35 عاماً, وأن يكون الجسم ممتلئاً غير معاق ولا كسيح, ولا يقل طوله عن 5 أقدام, وأن لا يزيد عدد الأطفال عن ثلث عدد النساء.

تكدست السفن بالبغال (هكذا كان يسمي الأوربيون الرقيق الإفريقي لبنيتهم الجسدية القوية) وعانوا من الأمراض السارية, وسوء ظروف النقل حتى أنهم قضوا حاجاتهم في أماكنهم,وجُلِدوا وقُيِّدوا بالأغلال, وحُرِمَ الأطفال من أمهاتهم, وعانت النساء من الاغتصاب المنهجي, والعبد الآبق تقطع ساقه بالفأس, وعملوا في ظروف قاسية, وعبر القرون تطورت الطبقية في مجتمع العبيد ذاته, فعبيد الخدمة في المنازل أعلى رتبة وأفضل ظروفاً من الفلاحين في مزارع القطن والذرة, وفي كلِّ عبد.

كان الإنسان الأبيض يقطع آذان الإنسان الأسود, وكانت جلود العبيد توسم بعلامات تجارية مخصصة دالة على ملكيتهم, وأقدم الكثير من العبيد على الانتحار حال أسرهم لاعتقادهم أن الإنسان الأبيض جاء ليأكلهم؛ التهمة التي ألصقت لقرون بسكان مجاهيل إفريقيا.

أصدر البابا ألكسندر السادس عام 1494م. معاهدة تورديسلاس لإنهاء النزاعات بين الإسبان والبرتغاليين, ومُنحت البرازيل وغرب إفريقيا للبرتغال بموجب المعاهدة, وهو ما أضفى مباركة دينية لهذه التجارة السوداء عبر بحر الظلمات  –المحيط الأطلسي- 

كانت السفينة التي تنقل عشرين إفريقياً فقط عبر الأطلسي تعد سفينة فقيرة. ويسبق وصول السفن دعايات منشورة تتحدث عن وصول البغال.

شكّل الأطفال حوالى 26% من تجارة الرقيق الأسود عبر الأطلسي, وقضى حوالى 15% من البضاعة السوداء خلال النقل بسبب الجوع والعطش وارتفاع درجة الحرارة , ناهيك عن ضحايا العنف والأوبئة. وإن 12-20 مليون شخص بيعوا كرقيق أسود عبر الأطلسي في 380 سنة 1500-1880م. حسب تقارير الأمم المتحدة!!

الحقيقة تقول إن 15-40 مليون إنسان رُحِّلوا وخُطِفوا من إفريقيا خلال 50 عاماً فقط. و من بين كل 10 أشخاص كان هناك شخص يُستعبَد, فيما يموت التسعة الآخرون أما بالرصاص الأبيض, أو بالجوع والعطش والاختناق نتيجة التكديس في سفن الشحن دون تهوية أو مرافق صحية.

قضى 100 مليون إفريقي خلال خمسين عاماً فقط.

عام 1672م. قدم الملك لويس الرابع عشر إعانة مالية للمواطنين الفرنسيين: 13 جنيه مقابل كل رأس إفريقي مستورد, وأصدر عام 1685م. قانوناً ينظم حياة العبيد في المستعمرات الفرنسية بشكل رسمي باعتبارهم (ممتلكات منقولة).

ربما أقفز في الحديث من ظاهرة لأخرى, ومن حقبة تأريخية لأخرى لهول فواجع هذه التجارة السوداء القاتمة, فعلى سبيل المثال حين تشح كميات الطعام والمياه الصالحة للشرب في عرض المحيط, يخفف الأوربيون حمولات سفنهم بإلقاء المئات من العبيد لأسماك القرش المتأهبة في ظلمات المحيط, كما حصل في السفينة زونغ المملوكة لنقابة جريجسون لتجارة الرقيق في ليفربول التي تم تكديس الرقيق فيها بضعف حمولتها فتخلصت من أكثر من  130 شخصاً منهم, ثم طالب صاحب السفينة بتعويضه بآلاف الجنيهات عن الحمولة التي خسرها في البحر, وأقيمت المحاكم لا للبتّ في قضية القتل العمد ل130 إنساناً بل للبحث في كيفية حصول مالك السفينة البريطانية على تعويض مالي عن الحمولة البشرية المرمية في عرض البحر؛ عن طريق التأمين.

كان الإنجليز يشعلون النيران في أكواخ الأفارقة والأشجار المحيطة بها, وعند هروبهم يقتل الرجال بالرصاص, وتؤسر النساء والأطفال ويرحَّلون الى مراكز تجميع العبيد كالماشية تمهيداً لشحنهم عبر الأطلسي, وهو ذات الأسلوب الذي استخدموه في اصطياد الهنود الحمر.

كان الشنق وتعليق الجثث على الأشجار وقطع الأيدي والأقدام و...., أمراً شائعاً, وكان العمال يجبَرون على العمل تحت الشمس اللاهبة بلا ماء أو طعام مربوطين بالسلاسل, وأحرقت قرى بكاملها لمجرد التذمر, وتفنن الإنجليز في صناعة السياط من جلد وحيد القرن بعد تجفيفه وتقطيعه بطريقة تمنحه حافات حادة وقاطعة تجعل المجلود يفقد الوعي من أول جلدة, ويموت بعد 100 جلدة.

أما الألمان في ناميبيا فقد أمر قائد قواتهم المحتلة عام 1904م. بأن يقتل كل إفريقي سواءً كان يحمل سلاحاً أم لا, يمتلك ماشيةً أم لا.. ولا يجوز اعتقال أي رجل, يُقتَل فقط.

يقول هيو توماس أن إحدى أسباب قيام البرتغاليين بسنّ سنّة اصطياد الأفارقة غرب افريقيا واستعبادهم بمراسيم كنسية وبابوية هو الثأر من الأفارقة المغاربة المسلمين بسبب سيطرة أسلافهم على بلاد الأندلس. ربما لأنهم حملوا معهم الى أوروبا ثقافة الاستحمام! سبب وارد جداً!

1619م. هو تأريخ وصول أول شحنة من العبيد الى أميركا الشمالية. وتمت  مليون و200 ألف عملية بيع للعبيد في سواحل الولايات المتحدة بين عامي 1760-1860م.

نصّ القانون الأسود في الأميركيتين على أن الحر إذا تزوج بأَمَة صار غير جدير بإشغال وظيفة في المستعمرات, وأن للسيد حق الاستحياء والقتل والرهن والإجارة والبيع والمقامرة بالعبد كأي بهيمة, وأن لا حق للأسود بالخروج من الحقل الى شوارع المدينة إلا بتصريح قانوني, وإذا اجتمع أكثر من سبعة أرقّاء ولو بتصريح قانوني فلأي أبيض أن يلقي القبض عليهم ويجلدهم.

حسب الإحصائيات الحديثة فإن معظم المشردين هم من السود, وأن هناك 2 مليون سجين حول العالم – ثلاثة أرباعهم من السود! هذه نسبة تدعونا للتفكر هل أن جميعهم نالوا ما يستحقون؟!

رفض بابا الفاتيكان السابق بندكت السادس عشر الاعتذار عن جرائم الاستعباد رغم اعترافه بها؛ الأمر الذي استنكره الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز بقوله: (إن البابا يكذب بادّعائه أنهم نشروا المسيحية في الأمريكيتين بالمحبة والسلام, في حين كانت بنادق البيض الغزاة تحصد السكان الأصليين بالملايين)

ذات يوم علَّق رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور ساخراً من المطالبات القضائية بتعويض أحفاد ضحايا الاستعباد:

(آه.. سوف ندفع للأفارقة تعويضات شرط أن يثبتوا أن ثمة ضرر قد لحق بهم بسبب كون أجدادهم عبيداً لنا)!!!

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك