عادل الجبوري||
هناك تساؤل محوري وجوهري يطرح نفسه، ونحن نعيش اجواء الذكرى السنوية التاسعة عشرة لهجمات الحادي عشر من ايلول-سبتمبر، التي كانت بتقدير الكثير من اصحاب الرأي والخبراء والمختصين في شتى انحاء العالم، الضربة الاكثر ايلاما للولايات المتحدة الاميركية خلال القرن العشرين، ان لم يكن منذ تأسيسها قبل مائتين واربعة واربعين عاما(4 تموز-يوليو 1776).
ما هو ذلك التساؤل المحوري والجوهري؟..
اين كانت الولايات المتحدة الاميركية في ذلك الحين، والى اين وصلت بعد تسعة عشر عاما؟.
ابتداء، رغم انه مازال الجدل والسجال يدور في اوساط ومحافل سياسية وفكرية وثقافية واستخباراتية حول هوية الجهات المتورطة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، الا ان الحقيقة المهمة التي افرزتها، تتمثل في بشقين، الاول، ان القوة العالمية الاكبر والاقوى، يمكن ان تكون عرضة للاستهداف بأشكال وصور ومستويات غير متوقعة، والشق الثاني، هو ان الاطراف المتورطة يمكن ان تكون تلك القوة العالمية الاكبر والاقوى قد اوجدتها في وقت من الاوقات لتحقيق اهداف معينة.
وفي كل الاحوال، سواء كان الامر لايعدو كونه سيناريو مخابراتي مدبر، او فعل حقيقي، فأن تلك الهجمات غير المسبوقة عكست وجود اخطاء وسلبيات فاضحة في السياسات والمنهجيات، او بتعبير اخر جاءت الهجمات كواحدة من افرازات وتبعات الاخطاء والسلبيات الفاضحة، اذ تحدث عنها وتناولها بأسهاب ساسة وكتاب ومفكرين اميركان وغير اميركان في كتب ومحاضرات وندوات وبرامج تلفزيونية عديدة، ناهيك عن اخرين كثر استغرقوا الى حد كبير في تحليل وتفكيك نظرية المؤامرة، والبحث عن مصاديقها ودلائلها ومؤشراتها ومعطياتها.
وفي حال افترضنا ان دولا ومنظمات وجماعات ارهابية خططت ونفذت هجمات ايلول-سبتمبر، فهذا يعني ان هناك مظاهر رفض واستياء وغضب حيال مجمل السياسات الاميركية افضى ذلك العمل الارهابي، وبالفعل فأن الحروب التي شنتها او اوقدت شرارتها واشنطن، في اماكن مختلفة من العالم على مدى عقود من الزمن، ربما كانت كافية لاتساع نطاق العداء لها والتفكير والتخطيط لضربها في العمق، وبما انها قوة عالمية عظمى تمتلك من الموارد والامكانيات الشيء الكثير، فأنه كان من الطبيعي ان ترد حتى تحافظ على هيبتها وتستعيد جزءا من ماء وجهها.
وفي حال افترضنا ان تلك الهجمات، لم تكن سوى سيناريو وضعته ونفذته وكالة المخابرات المركزية الاميركية (CIA) ومعها جهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد) وربما جهات استخباراتية اخرى، فمن المنطقي جدا ان يكون ضمن ذلك المخطط، الاجراءات والخطوات اللاحقة التي ينبغي على واشنطن اتخاذها حتى تبدو الامور طبيعية، وتتابع الوقائع والاحداث يأتي في سياقه المعقول والمقبول، وبالتالي فأن على واشنطن اما ان تعوض ما لحق بها من خسائر مادية ومعنوية واعتبارية، او تحقق مكاسب وانجازات من جراء ما حصل او اريد له ان يحصل.
وبما ان واشنطن زعمت ان هجمات سبتمبر مثلت عملا ارهابيا كان وراءه تنظيم القاعدة الارهابي بزعامة اسامة بن لادن، فهذا يقتضي ان تقوم بملاحقة ذلك التنظيم كقيادات وقواعد ومصادر تمويل وما الى ذلك، واول الخطوات او ردود الافاعل، تمثلت بالحرب ضد افغانستان والتي انتهت بالاطاحة بنظام طالبان في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني-نوفمبر من عام 2001 واحتلال البلاد، فيما تمثلت الخطوة الثانية-وان لم يكن هناك ربطا مباشرا مع الهجمات-بغزو العراق واسقاط نظام صدام في ربيع عام 2003، اي بعد اقل من عام ونصف العام على احتلال افغانستان.
واضافة الى التبعات والاثار الكارثية البشرية والمادية لهاتين الحربين، فأنهما افرزتا واقعا جديدا في منطقة الشرق الاوسط، او بتعبير اخر عمقتا المشاكل والازمات، ووسعتا نطاق الصراعات والحروب، وادخلتا واشنطن في انفاق مظلمة لم تعرف سبيلا للخروج منها، والا كيف نفسر ماجرى ويجري في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وبلدان واخرى، وكيف نفسر السياسات العدوانية التي لم تجد نفعا ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية.
ورغم مرور مايقارب العقدين من الزمن على حربي افغانستان والعراق، الا ان تبعاتهما وتداعياتهما لم تتوقف وتنتهي الى الان، علما ان تبعاتهما المباشرة، كانت مئات الالاف من القتلى والجرحى والمفقودين، الى جانب الدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية والمنشات الحيوية، لينعكس على قطاعات الصحة والتربية والتعليم والنقل والاسكان والطاقة.
ولعل القراءة الدقيقة الموضوعية لمجمل تفاعلات المشهد العام خلال العقدين الاخيرين يشير بوضوح الى ان الولايات المتحدة الاميركية اخفقت الى حد كبير في استعادة هيبتها او المحافظة عليها، اذا كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر هي بفعل تنظيم القاعدة وجهات اخرى معادية لواشنطن والغرب عموما، واخفقت في تحقيق اهدافها فيما لو اخذنا بنظرية السيناريو المخابراتي في تحليل الهجمات، فمجمل الحروب والصراعات التي شنتها او افتعلتها او حرضت عليها واشنطن في المنطقة، عادت عليها بنتائج معاكسة تماما، وهي تحاول الان تصحيح الاخطاء وتلافي المزيد من اثارها السلبية، من خلال تقليص تواجدها العسكري في بعض البلدان، كالعراق وافغانستان وسوريا، ومن خلال الدخول بمفاوضات سلام او هدنة مع تنظيمات ارهابية حاربتها في الامس، كما هو الحال مع حركة طالبان الافغانية، او عبر اطلاق اشارات ايجابية عن الاستعداد للتهدئة مع اطراف كان التصعيد والتأزيم معها هو السمة السائدة لوقت طويل، مثل ايران وكوريا الشمالية والصين وروسيا.
بيد ان كل ذلك يتسم نوعا ما بالتخبط وغياب الرؤية الواضحة والمصداقية الكافية من جانب، ناهيك عن كونه يتزامن مع خطوات واجراءات وسياسات متناقضة من جانب اخر، من قبيل الاندفاع في تقديم المزيد من الدعم والاسناد للكيان الصهيوني، واستمرار تمويل بعض الجماعات والتنظيمات الارهابية المسلحة في العراق وسوريا، والتدخل السياسي والمخابراتي لتعميق الانقسامات والتقاطعات السياسية على اسس مذهبية وقومية ودينية وطائفية كما يحصل في العراق ولبنان، في مقابل العمل على تكريس مظاهر الضعف في الواقع العربي، من خلال الدفع بأتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني خلافا لمزاج وتوجهات الرأي العام العربي.
ومايزيد الطين بله بالنسبة لواشنطن، هو تفاقم الازمات والمشاكل الاقتصادية والمجتمعية والامنية الداخلية، وتنامي نزعات التمييز العرقي والعنصري، لاسيما في ظل الرئيس دونالد ترامب المثير للجدل في مجمل اطروحاته وسياساته، وهذه ما يرى فيه البعض ملامح ومؤشرات لعهد جديد للقوة العالمية الاكبر والاقوى، راحت تفتح ابوابه شيئا فشيئا، لتطل عبرها مظاهر العنف والفوضى والانقسام والتشضي، ولتتعمق المخاوف والهواجس من التمزق الكبير الذي تنبأ به مبكرا من هم من داخل الولايات المتحدة قبل الذين هم من خارجها!.