احمد خالد الكعبي||
بشكل من الاشكال اصبحت لا استسيغ الحوار او الكتابة عن ” مدى النفوذ الايراني ” ، اصبح هذا الامر بلا جدوى ، الجدوى الحقيقية تكمن في تحليل مستقبل ” الطرح السياسي ” لهذا النفوذ .
حضور محور المقاومة في الجبهة الجنوبية في سورية لمحاولة تحقيق انتصار حاسم ، وحضور سليماني في جبهة حوران وسط احتفاء السوريين كما احتفوا بانتصارات حزب الله في القصير ويبرود ، انسحاب المقاتلين من حمـــص القديمة بضــمانة الجمهورية الاسلامية ، وحضور الممثلين العسكريين لها مفاوضات أخرى بين ممثلي بعض الفصائل المعارضة والنظام لإبرام هدن محلية ، بل طالبت تلك الفصائل بأن تكون الجمهورية الاسلامية ضامنة لأي اتفاق محتمل .
المستقبل كما اراه يختلف عما أقرأ عنه ، أنا ارى أن الجمهورية الاسلامية متحمسة لأجراء تغيير على ” نهج الرئيس الاسد كسلوك للسياسة الداخلية ” ، أكثر من الولايات المتحدة ، ذات المشاريع المشبوه والعدائية والبراغماتية ، حتى وان كان الثمن تحطيم شعوب بكاملها ، ولكنها الحكمة الايرانية العتيقة والمتلفعة بعباءة الولي الفقيه ، حتى انني اجد نفسي مضطرا للقول : بعد الانتصار على الموجة التكفيرية الخليجية ستدعو الجمهورية الاسلامية الاسد لتغيير ” نهجه في التعامل مع اغلب الداخل ” ، فإن رفض فستتعامل معه ” بطريقة معقدة جدا ” ، ” ولكنه لن يرفض كما اعتقد ” .
فلا قيمة منطقية للشخوص في قبال مصلحة الدولة العقائدية العميقة .
السيد نصرالله اكد في العديد من خطاباته : سننتصر على التكفيريين ..
اذن النصر على التكفيريين آتٍ …
فما الذي يعنيه هذا النصر على المستوى القريب :
* ظهور حزب الله ( كقوة راسخة ) على المستوى العسكري والامني والسياسي والاجتماعي والفكري والثقافي ، ليس في لبنان وحسب ، بل في عموم الشرق الأوسط .
*عودة غرف الفكر السياسي في الغرب للضغط على مطابخ السياسة في سبيل الاعتراف النهائي بأن الفكر الشيعي هو الممثل الانساني للإسلام . (هي بدأت فعلا تتجه لهذا النمط من التفكير) .
* بقاء نظام الأسد.
لكن الاكثر جيوستراتيجيا هنا ، هو ما ستفعله ايران ..
ممكن جدا ان تطرح ايران الطرح التالي : نظام ملكي دستوري في البحرين ، قائم على معادلة : ملك سني يحتكم للدستور ( ملكية دستورية ) ، مع وجود انتخابات تؤدي الى وصول رئيس وزراء شيعي لرأس السلطة التنفيذية .
في سوريا ، يبقى الرئيس بشار الاسد ، مع تغيير الدستور لجعله مزيجا من النظامين الرئاسي والنيابي يضمن بقاء الاسد رئيسا ويأتي برئيس وزراء سني بصلاحيات (معقولة) ..
طبعا يبدو هذا الكلام ” غرائبيا ” ونوعا من انواع التنجيم ، ولكن ” محور المقاومة ” ليس محور يسار طفولي ، فهو ناضج ، كيس ، متعقل جدا ، ولا يترك شيئا للصدفة ..
منظومة ” المقاومة والممانعة ” ستضع حلا لمعضلة ” الاختيار ” بين الهوية والتنمية .. الهوية الايدولوجيا ام التنمية والديمقراطية .. ولهذا ستلجأ ” بعد الاستقرار ” الى نصح الاسد لبناء نظام ” تتشارك فيه الحمائم والصقور ” .
اتذكر ان السيد نصر الله قال قبل سنوات مناقشا الصراع بين التنمية والاعمار نموذج (هونك كونك ) ، والهوية نموذج ( هانوي – رمز المقاومة الفيتنامية ).. التوازن بينهما .. هل هو ممكن … محور الممانعة والمقاومة يعتبر في جوهر تفكيره السياسي ان : التوازن بين هذين المفهومين هو المفتاح السحري لاستراتيجية الاقتدار والانتصار التدريجي على الرجعية الخليجية ذات الاصول التكفيرية .
بعد الانتصار ستبقى سوريا هي قلب المحور ، لكن حزب الله سيكون هو عقلها التنفيذي ، وسيكرس كحاكم اعلى وصانع – رؤساء ورؤساء وزارات في سوريا ولبنان ، بمعنى ان حزب الله كممثل لمنظومة المقاومة سيتحول الى ” نسق من انساق الدولة العميقة ” .
الهجوم على سوريا افاد هذا المحور اكثر من كونه اضره ،
سيكون الحاكم الفعلي هو ” الولي الفقيه وجنوده المخلصين ” .
صانعوا طرف اللعبة الاخر في المنطقة عموما ولبنان خصوصا ، طرف ذكي ولكن يعاني من اعراض الهزيمة ، ويبدو انه قرر ان يعود للتفكير بطريقة منطقية ، وبدأ يتهيأ لها ..
( امريكا وإسرائيل والسعودية وقوى 14 اذار ) اعترفت بحق ــ المقاومة ــ في البيان الوزاري اللبناني ..!!
” اذن لماذا كل ذلك الصراخ والتفجيرات الارهابية واستهداف القادة الميدانيين لحزب الله “..؟؟
لقد فشلوا..هكذا ببساطة ..
انا اعتقد ان الرئيس الامريكي اوباما ليس ضعيفا ، بل هو متعقل جدا ويعرف تماما ان زمن الافول لنظام القطب الواحد قد حان ، هذا هو الواقع ، وفي مقابلة الرئيس الأميركي باراك اوباما مع وكالة ( بلومبيرغ )، سأله الصحافي جيفري جولدبرغ سؤالا مثيرا : ” أيهما الأكثر خطرا: التطرف السني، أم التطرف الشيعي ” .. ؟
أجاب الرئيس أوباما : لست متخصصا في التطرف عموما ، ولا أعتقد أنك ستدفعني للاختيار ، ولكن ما سأقوله هو أنه إذا ما نظرت للسلوك الإيراني فإنهم استراتيجيون ، وغير مندفعين .. لديهم رؤية للعالم ، ويراعون مصالحهم ، كما أنهم يتجاوبون مع التكلفة والفوائد ، ايران ليست كوريا الشمالية ، وإنما دولة كبيرة ترى لنفسها دورا مهما وكبيرا دوليا ، .. إلى أن يقول أوباما إنه لا يعتقد أن لدى إيران ” أمانٍ انتحارية ” وإنه من الممكن أن تتجاوب مع الحوافز ، وإنه لتلك الأسباب تجلس إيران الآن على طاولة المفاوضات ، ورغم العقوبات المفروضة عليها.
أوباما قال مؤكدا : على ( شركائنا السنّة ) التكيّف مع التغيير بعلاقتنا بإيران ؛ لأن التحولات في المنطقة ” باغتتهم ” ( السنّة )
وبالاجابة عن سؤال حول «ما يشعر السنّة بالتوتر تجاهك؟» قال الرئيس الاميركي انه يعتقد ان: «التغيير مخيف دائما»، وانه «لطالما كان هناك راحة بال ان الولايات المتحدة مرتاحة للوضع القائم وللاصطفافات الموجودة ، وانها على عداء عنيد مع ايران».
انهم يعترفون بفشلهم السياسي ، لكن عبر اجراءات سياسية وادارية وتغيير قيادات داخلية ( تغيير بندر كمثال وقبله الامير القطري حمد).. اعطوا حزب الله حق المقاومة ويرفضون ترشيح الاسد..؟ ما الذي يعنيه هذا .. تخبط وغباء ، ام فعل استراتيجي ؟!
… انها رسالة مشفرة غاية في التعقيد ، يقول مضمونها : ” اننا نتعامل معكم بشكل مباشر فيما يخص سوريا ” ؛ لأنكم الان الطرف الاقوى .
انا متيقن من ان لا احد يملك قوة تغيير ” نهج ” الأسد الا الجمهورية الاسلامية .
طهران عاصمة المحور ستدعم الأسد حتى عبور الأزمة ثم ستسعى ” لنصحه ” لإجراء تغييرات حقيقية ، وإدخال قوى اسلامية ووطنية داخلية في اللعبة السياسية ، وسبب ذلك ان الجمهورية الاسلامية ومن خلفها حزب الله وكل من ينضوي تحت راية هذا المحور لا يؤمن بالقوة الا وسيلة للدفاع ، اما ادارة سياسة البلدان فلها فعل اخر واسلوب اخر ..
على الرغم من ان البعض سيستغرب كلامي هذا ، الا اني متيقن من كوني خبرت ودرست العقلية الايرانية وطريقة تفكيرها طويلا ..
ربما يعد الخلاف الذي نشب قبل اشهر عديدة بين جهاز الامن السياسي السوري وفضائيتي المنار والميادين حول منعهما من الوصول الى الاراضي المحررة من قوى التكفير قبل الاعلام الرسمي السوري ، احد مصاديق ما نشير اليه ، فبحسب مصادر اعلامية مطلعة ، اكدت ان هاتين الفضائيتين تلمحان الى ان حزب الله هو صاحب الانجاز العسكري وليس الجيش السوري.
طهران ودمشق وبيروت في محور واحد ، نعم هذا صحيح ، ولكن التفكير العميق وبطريقة تفكيكية سيقودنا الى ملاحظة الاختلاف السياسي بين طهران وحزب الله من جهة ، وبين نظام الاسد من جهة اخرى ، هذا الاختلاف الذي طالما ” ركزت ” عليه وسائل الاعلام السعودية ” باعتباره مفارقة ” .
ليس مفارقة ، بل هذا ظاهر الامر ، باطنه يعني التغيير التدريجي ..
وهذا سيقود الجمهورية الاسلامية وحلفاءها – الاقربين- الى مفاتحة ” الاسد” بعد انتهاء الازمة طبعا ، كي يبدأ عملية تغيير تدريجي للسماح بالدماء الجديدة ودخول القوى الوطنية والاسلامية للمعترك السياسي عبر ممارسة العمل بشكل علني ، واعتقد ان الاسد اذا لم يستجب فإن الجمهورية الاسلامية وحزب الله ” سيبدآن بممارسة الضغوط لإجراء التغيير “.
صانع القرار الغربي وحلفاؤه في الخليج يصرخ الان : ليتنا تركنا الامر على حاله ولم نهاجم سوريا .. هل جنت على نفسها براقش.. ؟ .
كل الاطراف ابعدت نفسها ، او أُبعدت ، لسبب جوهري واحد ، هو الضعف الاستراتيجي الذي يتطلبه اي دور دولي او اقليمي نافذ ، .. قطر ، تركيا ، مصر ، لم يبق سوى ايران وروسيا من جهة ، وامريكا واسرائيل من جهة اخرى .
الصراع على زعامة الشرق الاوسط ” الجديد ” في جوهره هو بين ايران واسرائيل ، والباقي تفاصيل .
بحسب فهمي فإن حزب الله لا يرد بحثا عن انتقام ، انتقامه هو : تحقيق هدف استراتيجي او تكتيكي ، بحسب مقتضيات الواقع ، وكلما كانت الضربة الموجهة له قوية ، كان هدفه استراتيجيا اكثر .. هكذا افهم السلوك الامني والعسكري والسياسي لحزب الله ، وهكذا افهم ما قاله نتنياهو واصفا الحزب : نحن بحاجة الى افعى بعدة رؤوس ؛ لنعرف ماذا يريد ان يفعله حزب الله ، وهذا ما حصل بالفعل بعد عملية القنيطرة التي استهدفت قيادات وكوادر ميدانية من حزب الله وجنرال في الحرس الثوري ، ألم يكن ” انتقام ” حزب الله عبارة عن تثبيت توازن الرعب الذي ارادت ان تطيح به اسرائيل عبر ” القنيطرة السورية ” ، فجاء الرد من شبعا اللبنانية ، والمانشيت الاكبر على صدر الصحيفة الرسمية للشرق الاوسط هو : المؤامرة في سوريا قوتنا ولم تضعفنا ، وتوازن الرعب باقٍ ، وجميع بلدان محور المقاومة جبهة واحدة .
اغتيال عماد مغنية في العام 2008 في سوريا بالتحديد ربما كان رسالة فهمها حزب الله عبر عرضها على مفاهيم الجيبولتيك ، وبالتالي جهز جزءً مهما من إمكانياته لخوض الحرب في سوريا كجزء من الامن القومي للمحور ، هكذا ينتقم الحزب ، ولا مجال لتحكيم العواطف والارتجالات بنسختها الاعرابية في عمله .
اطلعت على تقرير قبل اندلاع الازمة في سوريا يتحدث عن ان اجهزة الامن الخارجي في ايران ارسلت تقريرا مفصلا الى مكتب الرئاسة السورية تحذر فيه من ان ( احداثا ستقع في مصر وتونس هدفها النهائي طهران مروراً بدمشق لتدمير محور المقاومة ) .
مستشار قائد الثورة الاسلامية للشؤون الدولية علي اكبر ولايتي قال بالنص قبل سنتين تقريبا : ان الهدف ليس سوريا ، انما الجمهورية الاسلامية ، وبعد سوريا سيذهبون الى العراق ، وهم يتابعون كسر جبهة مؤيدي الجمهورية الاسلامية ، وسوريا هي الحلقة الذهبية لهذه الجبهة ، فلو تمكنوا من التغلب على سوريا فسيتوجهون الى العراق ، هذه المجابهة مجابهة جدية .
يروي احد اساتذة التأريخ السياسي ان الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز طرح في بداية الثمانينيات على صدام وحافظ الاسد دعم وحدة حقيقية بين البلدين ، مما اثار دهشة الجميع ، بمن فيهم مستشاروه المقربون ، الذين قالوا له بأن هذا ضد مصالح المملكة ، فرد عليهم : العراق سيكون للشيعة وان تأخر الامر ؛ لأنهم اغلبيته ، وهو الجوهرة التي يجب ان لا نخسرها .. وسوريا فيها اغلبية سنية ، ما سيمكننا بهم من دعم سنة العراق وجعلهم اغلبية .
هل اصبح واضحا الان لماذا تأسس تنظيم تكفيري من متطرفي السنة باسم : تنظيم دولة العراق والشام .. !
المؤرخ السياسي قال بأن حافظ الاسد رد على المقترح قائلا : شكرا .. لسنا بحاجة لهذه المشاريع .
https://telegram.me/buratha