الشيخ خيرالدين الهادي ||
لا يخفى أن واحدة من أبشع الاعراف والتقاليد الاجتماعية الشنيعة التي يرتكبها بعض ضعاف النفوس من أبناء المجتمعات المغلقة على وجه أخص هي النهوة, حيث يعمد ابن العم إلى وضع قيود على زواج ابنة عمه أو احدى قريباته بدافع القربى منها فيمنعها من الارتباط بالزواج بغيره شاءت أم أبت, وقد حارب الاسلام هذا العرف الباطل, ونبه كثيراً على هذا الأمر والابتعاد عنه, وذهبت الروايات إلى تحريم الزواج بهذه الوسيلة, بل اعتبارها مغتصبة حتى ترضى بزواجها التي فرضت عليها.
وتفتخر المجتمعات المدنية بتحررها من هذا القيد الفاحش على البنات سيما المغلوبة على أمرها, ومن هنا نجد أن البعض من أبناء القرى بادر إلى الخروج من محيطه القروي الصغير مهاجراً إلى المدينة هرباً من هكذا قيود مجحفة تنال من حقوق المرأة على وجه الخصوص, وأحيانا يكون الرجل هو الضحية حينما يفرض عليه هو الآخر الزواج من ابنة عمه باعتبار هذا عرف موروث ولابد للأبناء اطاعة الآباء وإن لم يرغبوا بذلك.
وهذا العرف على الرغم من بشاعته إلا أنه لم يصادر ولم يتجاوز إلا على نفر أو نفرين وقد يعالج بالرضا بعد ذلك فتهون آثاره, إلا إنها حينما تنتقل من بُعدها الاجتماعي الضيق إلى واقع سياسي يتعلق بملايين المواطنين وفي مختلف البقاع والدول فتلك مصيبة وينبغي أن يتعاضد المؤمنون في مواجهة الامر والتصدي لمخاطرها الكارثية التي عملت على استعباد الشعوب المتحررة, وصادرت حقوقها التي تنص عليها المواثيق الدولية وقرارات الامم المتحدة التي تدَّعي حقوق الشعوب, فضلا عن المقررات الواضحة التي تحكم بحقوق الشعوب والمجتمعات والافراد في مختلف الاديان السماوية؛ بل وحتى الوضعية.
إن ما تقوم بها قوى الشر من فرض هيمنتها على العلاقات الدولية ومحاولة التحكم بكل ما يتعلق بعلاقات الشعوب السياسية والاقتصادية والتجارية هي أشد قبحا من النهوة العشائرية, وقد لاحظنا أن الكثير من الدول الغربية عملت على ذلك وبمختلف الوسائل, فقد بلغ ببعضهم أن يفرض على الدول العلاقات السياسية, فمثلا تجميد العلاقة مع محور المقاومة فُرضت على عموم دول التي سلبت ارادتها فسمحت للغرب وأمريكا أن تستنزف قدراتها وتفرض عليها سياسة التبعية حتى فقدت ثقة شعوبها وأبنائها, والتجربة المؤلمة لم تقتصر على بعض الدول الضعيفة أو الفقيرة؛ بل تحاول أمريكا برعونتها ان تفرضها على الجميع, إلا من نذر نفسه وتوكل على ربه وإن كلفه ذلك الحرمان والمحاربة الاقتصادية والسياسية, ولو تأملنا اليوم في أكثر العلاقات الاقتصادية الوطنية نجد أن هناك هيمنة أمركية عليها وبشكل واضح, فقد صرحت شركة سمز الالمانية أن أمريكا منعت شركاتها من العمل في العراق, بعد أن أبرمت الاتفاقيات الاستراتيجية خاصة فيما يتعلق بالكهرباء, وأما الصفقة الصينية التي تأمل العراق الخير الكثير منها فقد قامت أمريكا عبر قانون النهوة بمنعها وقد أوضحت الحكومة السابقة في بيانات رسمية وعلى لسان رئيس الوزراء أن أمريكا تمنع هذه الصفقة مع الصين, فلما لم ترضخ الحكومة لأمرها سارعت عبر أدواتها لإسقاط الحكومة وقد فعلت ونجحت, والمثير في الأمر أن الالاف من أبناء العراق ساهموا في افشال العقد الصيني من حيث لم يعلموا أيضاً, والذي ساعد أمريكا في نجاح مهمتها عموم الطبقة السياسية التي قبعت على قلوب العراقيين لأكثر من ربع قرن ولم يقدموا للعراق غير الاذى والخراب, فتحامل عليهم أبناء الوطن ولكن دون قيادة واعية, فتولت قوى الشر قيادة النهضة بلباس البراءة حتى خنقت كل محاولة للنهوض بالواقع العراقي, واضطرت الحكومة إلى تقديم استقالتها فذهبت اتفاقياتها التي لم ترغب بها أمريكا أدراج الرياح, ورجع العراق مع العراقيين إلى المربع قبل الصفر ولا نعلم متى موعد الانطلاقة الجديدة التي تعمل قوى الشر على تحديدها وتحديد مسارها وبرمجة علاقاتها.
وهذا الامر بحد ذاته يستلزم مراجعة الذات, والحذر من السقوط الذي لا قيام له, فكلما أوثقنا العلاقة مع قوى الشر, فهذا يعني المزيد من النهوة والابتعاد عن الحقوق ومصادرة الحريات, وبالتالي ازدياد الفجوة بين الشعب والحكومة, زيادة على ذلك التراجع الذي نعيشه في مختلف الجوانب سيما الطبقات الفقيرة التي كانت وما تزال حطب التغير, وتأمل بيوم يسوده الأمن والامان, وتوفير لقمة العيش بعيداً عن العبودية للأجنبي الذي أثبتت التجربة أنه لم يهدأ ولم يهنأ إلا بالرقص على جراحات المنهوبين حقوقهم, فطال ليلهم حتى بات سرمداً, وتأخر شمسهم حتى ظنوا أنها لن تشرق من جديد.
https://telegram.me/buratha