عادل الجبوري||
شكلت القضية الفلسطينية أحد أبرز أولويات واهتمامات الثورة الاسلامية الايرانية التي حققت انتصارها التاريخي الكبير بقيادة الامام الخميني (قدس سره) في مطلع عام 1979، وكان ذلك واضحاً من خلال مجمل أدبيات الثورة وخطب وكلمات وبيانات الإمام قبل انتصار الثورة وكذلك بعد انتصارها.
فقبل الانتصار كان الإمام يقول ويكرر "إننا نقف مع المظلومين، نحن مع كل مظلوم وفي أي بقعة من بقاع العالم، ونظراً لأن الفلسطينيين قد ظلموا من قبل "إسرائيل"، فإننا نقف معهم ونساندهم"... وكان يقول ويكرر "انّ الخطأ الذي ارتكبته الحكومات والشعوب العربية، هو أنهم أتاحوا الفرصة منذ البداية لإسرائيل في الوجود، حيث أنّ المصالح والنوازع الفردية للحكومات، قد شكلت حائلاً دون وأد إسرائيل في مراحل وجودها الأولى، و بالتالي سمحوا لها باكتساب القوة اللازمة للمواجهة".
ولعلّ المواقف المبدئية للثورة الاسلامية حيال مظلومية الشعب الفلسطيني خصوصا والشعوب الاخرى على وجه العموم، كانت ومازالت تمثل العامل الرئيسي وراء العداء لها من قبل الكثير من القوى والاطراف الدولية والاقليمية، الذي تجلى بكل وضوح من خلال الحروب العسكرية والمؤامرات السياسية والعقوبات الاقتصادية والحملات الاعلامية.
وكان المصداق الابرز لمواقف الثورة الاسلامية في ايران حيال القضية الفلسطينية بعد تحقيق الانتصار هو قطع كافة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الكيان الصهيوني وإلغاء سفارته في طهران وتحويلها الى سفارة لدولة فلسطين، ناهيك عن اغلاق سفارة الولايات المتحدة الاميركية التي مثّلت أكبر مركز للتجسس والتآمر والتخريب.
ولكي تأخذ القضية الفلسطينية بعداً عالمياً على الأصعدة السياسية والجماهيرية المختلفة، ولكي يعرف العالم مدى مظلومية الشعب الفلسطيني ودموية واجرام الكيان الصهيوني الغاصب ومن يدعمه ويسانده، كان يوم القدس العالمي وهو العنوان والمنطلق لذلك.
فالقدس كانت ومازالت، تمثل برمزيتها الدينية والتاريخية والمعنوية العنوان الأبرز والاهم في القضية الفلسطينية، لأنها على مدى أكثر من سبعة عقود من الزمن، أي منذ تأسيس دويلة الكيان الصهيوني بدعم ومباركة القوى الدولية الكبرى، تعرضت لشتى صنوف الانتهاكات والاعتداءات والتجاوزات التي أريد من ورائها طمس هوية تلك المدينة، وإلصاق هوية أخرى بها مشوّهة وزائفة، تعكس حقيقة الواقع الذي راحت تعمل على تكريسه عصابات العقيدة الصهيونية المنحرفة بمختلف الأساليب والوسائل والادوات القمعية ضد الشعب الفلسطيني المسلم، مستفيدة من تشجيع وإسناد سياسي وعسكري وإعلامي غير محدود من الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا ودول غربية أخرى، مضافاً إليه صمت وخنوع وانهزام من قبل أنظمة وحكومات دول عربية وإسلامية عديدة.
ولا شكّ أنّه لم يكن مقبولاً ولا معقولاً أن تتعرض قبلة المسلمين الأولى لسلسلة متواصلة من الانتهاكات والتجاوزات والاعتداءات دون أن يكون هناك رد فعل، أو أنّ رد الفعل لم يكن بمستوى الحدث، ولعلّ هذا ما استشعره مفجّر الثورة الاسلامية في ايران اية الله العظمى الامام الخميني (قدس سره الشريف) منذ وقت مبكر، حتى أنه أفرد حيزاً كبيراً للقضية الفلسطينية ـ كما أشرنا آنفا ـ في مجمل أطروحاته السياسية والفكرية، وأوضح أهمية ومكانة القدس في نفوس ومشاعر المسلمين على اختلاف طوائفهم وقومياتهم ومشاربهم، ليتجلى ذلك الاهتمام بأوضح صورة في السابع من شهر اب من عام 1979، بإعلانه تحديد آخر جمعة من شهر رمضان من كل عام يوماً عالمياً للقدس، وكان ذلك بعد انتصار الثورة الاسلامية بستة شهور، حيث كانت التحديات والمخاطر المحدقة بها من الداخل والخارج كبيرة وكثيرة جداً، علماً انّه بعد تسعة ايام من اعلان انتصار الثورة في العاشر من شباط-فبراير، وجّه الامام الراحل بإلغاء سفارة اسرائيل في طهران وتحويلها الى سفارة لدولة فلسطين.
ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، باتت الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك معلماً واسعاً وعريضاً لإبراز كل أشكال ومظاهر الانتصار لفلسطين والقدس الشريف.
وبلا ريب، إنّ يوم القدس العالمي ينطوي على دلالات ومعان كبرى، من حيث مغزى الاختيار والتوقيت، وكذلك ارتباطاً بصاحب الفكرة والمبادرة.. ولم يكن اختيار الامام الخميني له، امراً عفوياً حكَمته انفعالات لحظية أو عواطف وجدانية عابرة.
وقد لا يختلف اثنان في أنّ الانتصار المدوي للثورة الاسلامية بزعامة الامام الخميني (قدس سره) على واحد من أعتى الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية في منطقة غرب اسيا والعالم، كان ايذاناً ببزوغ عهد جديد يختلف بالكامل عن العهد السابق له، رغم كثرة المؤامرات وفداحة المخاطر والتحديات.
ولعلّ الشعب الفلسطيني الذي ذاق شتّى صنوف المآسي والويلات على يد الكيان الصهيوني الغاصب والقوى الدولية والاقليمية التي لم تكن حقوق الانسان بالنسبة لها سوى شعارات وادعاءات تستغلها لفرض اجنداتها وتمرير مصالحها، لعلّ ذلك الشعب المظلوم استشعر منذ وقت مبكر مايمكن ان تحدثه الثورة الاسلامية من أثر كبير في مسيرة نضاله المشروع من أجل استعادة أرضه وقدسه وعزته وكرامته.
وبدلاً من أن يكون النظام الحاكم في ايران بعد الإطاحة بنظام الشاه، حليفاً استراتيجياً للكيان الصهيوني، فإنّه أصبح يمثل خط المواجهة والدفاع الأول، ولأن القضية الفلسطينية لا تعني العرب فحسب، بل تعني المسلمين على وجه العموم، والانسانية قاطبة، فإن الامام الخميني (قدس سره) أراد أن تكون رسالة الدعم والاسناد والنصرة متواصلة لا انقطاع فيها ما دام الاحتلال قائماً ومعه كل مظاهر الظلم والقمع والحيف والاستبداد ومصادرة الحقوق، ويوم القدس العالمي مثّل تلك الرسالة المتواصلة والحيّة، التي أريدَ لها أن تكون عالمية الأبعاد والمضامين والأهداف.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha