حازم أحمد
أربعون عامًا مِنَ العُزلة فشلت
وبوتن يستلُّ النووي من غِمده في وجه أميركا
أولًا - (جورجيا، أوسيتيا الجنوبية، أبخازيا)
أميركا التي كلَّلت جورجيا وأوكرانيا بآمال ضمِّهما لحلف الشمال الأطلسي، وتوريد النفط منها إلى أوروبا؛ وهذا عبثٌ أميركي غربي في الساحة الخلفية لروسيا العظمى حسب عقيدة روسيا!
بعد أن انتصرت جورجيا في (ثورة الزهور السلمية 2003) على حكومة (إدوارد شيفرنادزه: من 1995 إلى 2003) وبدأ الغرب يطمِّعها بحلف الأطلسي؛ وتحديدًا في قمة الناتو التي عُقدت في بوخارست في نيسان 2008 وزُفَّت البشرى لجورجيا وأوكرانيا من قبل الغرب بإمكانية ضمهما عضوتين في الناتو.
ساعد روسيا عامل تصاعد ضغط أوسيتيا وأبخازيا في جورجيا، فاستغلت روسيا ذلك الظرف واجتاحت الأراضي الجورجية بتاريخ 7-8-2008/ August وتوحّدت جبهة روسيا وأبخازيا ضد جورجيا.
وحُسم الملف جُملةً لصالح روسيا عسكريًا رغم أنف أميركا؛ ولم تتمكن أميركا أنْ تُقلقِل رصاصةً في مخزن!
كتب (ميخائيل ساكاشفيلي) رئيس جورجيا في حينها مقالًا في (وول ستريت جورنال)، روى فيه الحدث المأساوي وكان ضمن ما ورد بمقاله:
(كثيرٌ من شركائنا في الغرب عجزوا عن إدراك أنّ الحرب الجورجية لم تكن في النهاية تتعلق بجورجيا.)
وكتبت (كونداليزا رايس) وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الوقت مقالًا توضيحيًّا في (واشنطن بوست) قالت فيه:
(إنّ الولايات المتحدة بالفعل (فعلت شيئا ما) بشأن الغزو، ولكن الأوروبيين هم الذين أخفقوا في دعم جورجيا)!
كانت عملية انهزام أميركية كبيرة في مواجهة الحضور الروسي، والخذلان الأميركي لجورجيا كان قد طغى في تلك الحادثة على أخبار العالم!
ثانيًا - (شبه جزيرة القرم)
مرَّت ست سنين على الانتصار الروسي ضد الغرب في قضية جورجيا، وحلَّ عام 2014 إذ أصبحت (شبه جزيرة القرم - أوكرانيا) محور أخطر أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، لأن أميركا قررت التمادي بالعبث في الساحة الروسية؛ فأطاحت بالرئيس الأوكراني المنتخب المدعوم من روسيا أيضًا (فيكتور يانوكوفيتش).
تقدَّمت روسيا بحركة جريئة ذكية ومحسوبة؛ وانتزعت (القرم) التي تمثل عصب الاقتصاد والمال في أوكرانيا، ولم تجنِ أوكرانيا من أميركا غير الخذلان مثل صديقتها جورجيا!، زعَّقَ الغرب وأميركا قليلًا ثم هدأ زعيقهم خوفًا من الحضور الروسي المتصاعد.
ثالثًا - المشروع الأميركي (الشرق الأوسط الجديد)
قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة (كونداليزا رايس) بأنّ مشروع الشرق الأوسط سيُولَد من رحم حرب إسرائيل ضد حزب الله في تموز 2006، لأنّ الفشل الأميركي قِيسَ في العراق وقوِّمت نتيجته.
وقال شمعون بيريز (لقد جرب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فليجربوا قيادة إسرائيل إذًا.) وهذه هي الرؤية التي طرحها (برنارد لويس) منذ السبعينيات؛ والتي تبناها المحافظون الجُّدد وتدور السياسة الأميركية في إطارها!
المشروع أن تُقسَّم المِنطقة إلى دويلات إثنية ودينية: فرعونية في مصر، بابلية آشورية في العراق، آرامية في سورية، فينيقية في لبنان... محكومة بقبضة عسكرية اقتصادية من قبل الكيان الإسرائيلي المستمد دعمه من الولايات المتحدة واقفًا على رأس هذه الدويلات الهشَّة!
الضابط المتقاعد برتبة مقدم: (رالف بيترز)، نشر مقالًا في مجلة (القوات المسلحة الأميركية) في عدد حزيران 2006، وضع خلاله المخطط لإعادة تقسيم الشرق الأوسط؛ والمقال مهم جدًا لأنّ الكاتب شخص مسؤول وكان ضمن الاستخبارات العسكرية الأميركية.
أشار بمقاله إلى مسيحيي (الشرق الأوسط)، والإسماعيليين، والبهائيين، والنقشبنديين... وهو يلعب على وتر الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات.
هذه إضاءةٌ على (المشروع الأميركي) لمن يسأل عنه، هذا المشروع الذي بدأ فشله في حرب العراق، ثم حرب تموز 2006 الإسرائيلية ضد حزب الله، ثم الحضور الروسي الكبير في سورية ومساندتها في حرب الوكالة التي فُرِضَت عليها من قِبَل أميركا ومحورها عام 2011، وتوجيه الصفعة الروسية الثالثة لوجه أميركا والغرب وتحطيم مشروعها الكبير.
وبالإمكان أيضًا مراجعة المشروع في مقال الإسرائيلي (جاي بخور) في يديعوت أحرونوت يوم 27/7/2006 الذي قدم خطَّته لإعادة صياغة الشرق الأوسط، إذ يبتدئ مقاله بعبارة: يجب عدم العودة للشرق الأوسط القديم!
انتهت الثلاثية التي أوصلت روسيا تدريجيًا إلى الاقتدار بتهديد أميركا بضربة نووية بعد أربعين عامًا مِن عُزلة روسيا.
في خطوة لم تحدث منذ تفكّك الاتحاد السوفيتي بتاريخ 26-12-1991 حتى تاريخ 29-4-2020 روسيا تهدد أميركا بضربة نووية، أعلنت هذا على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بأنّ أي هجوم صاروخي من الغواصات الأمريكية سيقابَل بضربة نووية روسية!.
هذا تاريخ الصعود الروسي ضد الوجود الأميركي على يد الرئيس الروسي بوتن، في الميادين العسكرية والستراتيجية تتبلور النتائج لصالح روسيا ويختل الميزان العسكري الأميركي، وتُهزم المشاريع الأميركية، فماذا لو ذكرنا الصعود الإيراني والصيني الملازم للصعود الروسي في آسيا!.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha